البائع المتجول لديه ثلاثة أبناء. طفلة شقراء رائعة الجمال وولدان شقيان لا يكفان عن شد شعر بعضهما البعض بسبب من سيجلس أقرب للتلفزة لمشاهدة سبيس تون. "" البائع المتجول رجل من زمن آخر. لا يشاهد أخبار الثامنة و لا يهتم كثيرا بمعرفة من هو الوزير الأول. عندما يبدأ المؤذن في التهليل يكون قد صلى شفعه ووتره واستعد للخروج للصلاة. بعد هذا يدفع عربته أمامه نحو المارشي ليرى أي السلع أزكى طعاما و أقل ثمنا. رغم أن البائع المتجول مؤدب ومتخلق لكنه عندما يدخل المارشي يغير سحنته و يتحول إلى وحش كاسر. علمته الحياة أشياء كثيرة أهمها أن تتأقلم مع المحيط الذي تدخله. لو تعامل بأدب مع جبابرة المارشي فسيخرج بسرواله الداخلي فقط وربما فقده هو أيضا. كلما لاح للبائع المتجول في الأفق لباس أخضر أو قرفي لاذ بالفرار. ينظر بطرف خفي إلى أقصى الدرب كي لا تفاجئه السطافيط. من مكان إلى مكان ومن سوق إلى آخر يقضي البائع المتجول نهاره. لا يكف عن الصياح و عرض سلعته بحماس قل نظيره. لا يهمه اللعاب الذي يتطاير من فمه و لا اللحية المبعثرة التي لا يجد الوقت ليشذبها. لا تغادر مخيلته صورة أبنائه الثلاثة وقد أصبحوا دكاترة ومهندسين. يسخر الجميع من حلمه لكنه لا يأبه. كنزه الذي لا يفنى أولاده وزوجته وما يؤمن به. البائع المتجول لا يهتم للفلسفة. لا يقرأ لهيجل ولا لكانت. أسعد لحظاته عندما يعود ويقرأ حزبين من القرآن الكريم قبل النوم. للبائع المتجول فلسفته الخاصة التي تقول أن توفير الخبز لثلاث قطع لحم طرية هو الإنجاز الأعظم. وبعدها الطوفان. البائع المتجول – للعلم – لا يحب الأدب. و لا يقرأ هسبريس ولا عمود ضربة جوج. البائع المتجول رجل لا يضيع وقته في كتابة تفاهات مثلي، فقط كي يقول الآخرون عنه أنه حكيم لا يشق له غبار. البائع المتجول يؤمن أن أفضل وسيلة لمجابهة الحياة هي بالخروج إليها لا بالجلوس فوق كرسي مهترئ والكتابة عنها. البائع المتجول – والحق يقال – أفضل من الكثير منا بألف مرة، و أنا أولهم. Foras.maktoobblog.com