دأب سكان مدينة سلا على الاحتفال بذكرى ميلاد النبي من خلال موكب للشموع، إذ ينطلق من ضريح زاوية مولاي عبد الله بن حسون، ويمر بالمدينة القديمة، ليصل إلى ساحة باب بوحاجة، أو ساحة الشهداء، ثم يعود عبر المدينة القديمة إلى الزاوية التي تخلد سنويا هذه الاحتفالات، شأنها في ذلك شأن عدد من الزوايا المنتشرة عبر تراب المملكة. موكب الشموع انطلق مساء اليوم، الحادي عشر من ربيع الأول، كما هو الحال في كل سنة .. ويعود أصل هذا التقليد إلى عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي، الذي تأثر بالثقافة العثمانية، وخاصة الحفلات التي كانت تقام بمناسبة هذه الذكرى النبوية .. وبعد تسلمه مقاليد الحكم، إثر معركة وادي المخازن، استدعى السلطان المنصور صناع مدن فاس ومراكش وسلا لصنع هياكل شمعية، فتم الاحتفال، لأول مرة، بعيد المولد النبوي الشريف في المغرب سنة 986 ه. وفيما كان للولي الصالح مولاي عبد الله بن حسون تقدير ومكانة عند السلطان أحمد المنصور الذهبي الذي وهبه بقعة أرضية بنى عليها مقر زاويته ودار سكناه، عُرف هذا الولي بكونه رجل علم وتصوف، حيث جمع بين علوم الظاهر والباطن حتى أصبح قطبا من أقطاب الطريقة الشاذلية، وذلك استنادا إلى ما يرويه شيوخ الزاوية. وحمل عدد من شباب المدينة، وسط أهازيج شعبية، شموعا اختلفت ألوانها وأحجامها، أبدعها الصناع التقليديون السلاويون الذين اعتادوا صنع هذه الشموع التي تختلف عن الشموع العادية، بكون هياكلها صنعت من خشب سميك مكسو بالأبيض ومزوق بأزهار الشمع ذات الألوان المتنوعة، من أبيض وأحمر وأخضر وأصفر، في شكل هندسي يعتمد الفن الإسلامي. وإلى جانب الأهازيج الشعبية، حضر أيضا عدد من الأطفال حاملين ألواح القرآن، وموشحين بلباس مغربي أصيل، فيما انبرى مقدم الزاوية الحسونية للدعاء من أجل المطر، بعد تسجيل تأخر نزول الغيث خلال الموسم الفلاحي الحالي. بساحة الشهداء نصبت منصة رسمية، اعتلاها عامل المدينة وعدد من المنتخبين المحليين وبعض الدبلوماسيين الأجانب المعتمدين لدى الرباط، حيث نظم استعراض رسمي وأَنشدت فرق شعبية المديح والأذكار، احتفالا بالذكرى. وذكر العمدة السابق لمدينة سلا، نور الدين لزرق، في تصريح مقتضب لهسبريس، أن موكب الشموع تم "استيراده من تركيا، وكان في عدد من المدن المغربية، لكن مدينة سلا بقيت الوحيدة المحافظة على هذا التراث الثقافي، من خلال استعراض عدد من فرق كناوة وعيساوة، كنوع من الترفيه". ويبقى المهم، بحسب لزرق، هو "موكب الشموع، ذلك أن هذه الشموع تقوم عائلة بلكبير بصناعتها، وتذهب إلى الأضرحة حيث تبقى لمدة سنة"، مبرزا حرص المؤسسة القائمة على هذا الموكب على استمراره، من أجل الحفاظ على هذا التراث الثقافي، بعد أن اندثرت مثل هذه المواكب في عدد من المدن المغربية.