يرى مراقبون أن النجاحات الأمنية الباهرة التي أبانت عنها الأجهزة الاستخباراتية المغربية بكل كفاءة، ودفعت بلدانا أوربية إلى الإشادة بما قدمته لها من معلومات ثمينة، وأخرى تطلب ود المملكة لإرساء تعاون مخابراتي لمواجهة المد الإرهابي، لن تمر دون أن تثير غيظ النظام الحاكم بالجارة الشرقية. ويبدو أن مخابرات الجزائر خاصة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما تحققه الأجهزة الاستخباراتية المغربية من نقط رابحة، في سياق حربها المتواصل ضد الخلايا الإرهابية داخل وخارج المملكة، بالنظر إلى اعتراف فرنسي من أعلى مستوى بالدور الفعال الذي قام به المغرب بعد هجمات باريس، فضلا عن سعي بلجيكي حثيث للحصول على مساعدة مغربية في المجال الأمني. وبحسب معلومات رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي، فإن مخابرات الجزائر تبحث عن تغيير التوازنات مع المغرب، عن طريق إنشاء تحالف إرهابي يجمع بلمختار، و"داعش" ليبيا، ورجالات القدافي القدامى، وذلك للرد على النجاحات الأمنية للمغرب". وأورد اسليمي، في اتصال مع هسبريس، أن "ثمة مؤشرات جيو- استراتيجية وجيو- إرهابية دالة على أن المخابرات الجزائرية بدأت في بناء تحالف جديد في شمال إفريقيا، لتغيير موازين القوى القائمة، وضرب الاستقرار على منافذ الحدود مع المغرب، وتسهيل مزيد من الضربات داخل تونسومالي، لتحويلهما إلى دول فاشلة". وأفاد المحلل بأن المعلومات الاستخباراتية منذ ضربة سوسة تُظهر أن جنرالات الجزائر بصدد بناء مشروع "دولة الخلافة في الساحل والصحراء"، وهو تحالف إرهابي واسع يضم تنظيم "داعش" في ليبيا، و"جماعة المرابطين" بقيادة مختار بلمختار، والجناح الصحراوي ل"تنظيم القاعدة" وقيادات من أتباع القدافي القديمة. المتحدث استطرد أن "المخابرات الجزائرية فتحت ممرات لبلمختار، للانتقال بسهولة في مثلث جغرافي ممتد بين شمال مالي وجنوب الجزائر وجنوب ليبيا، ووجود بلمختار فوق الأراضي الليبية، وعلاقات التهريب التي تجمعه ببعض القبائل الليبية المؤيدة لنظام القدافي، عوامل مكنته من بناء تحالف مع قيادات داعش التي انتقلت إلى ليبيا". ولفت اسليمي إلى أن الجزائر تسعى إلى البحث عن ورقة تُعيد بها التوازن مع النجاحات الأمنية المغربية، بعد توالي الإشادات الدولية بالمدرسة الاستخباراتية المغربية في مكافحة الإرهاب"، مضيفا أن هذه عوامل جعلت الجنرال البشير طرطاق يدفع بحليفه بلمختار إلى تقديم بيعة غير معلنة إلى البغدادي، والقبول بمشروع تحالف إرهابي لزعزعة شمال إفريقيا. وأشار الخبير إلى مجموعة وقائع مترابطة تمتد من اجتماع اجدابيا، وتوسع "داعش" في بنغازي بصورة مفاجئة وسريعة، وخروج أفراد المخابرات الجزائرية بطريقة سهلة من بين المحتجزين في فندق راديسون الدولي بباماكو، ومحاكمة الجنرال عبد القادر أيت وعراب، المدعو ب"حسان"، المدير السابق لفرع مكافحة الإرهاب. اسليمي ربط بين هذه الوقائع لينتهي إلى أنها عبارة عن محاولات جزائرية للتغطية عن مشروع قادم يقوم على أساس الاستمرار في زعزعة تونس، لكي لا تصل إلى بناء استقرار ما بعد بنعلي، وإدخالها إلى عشرية سوداء شبيهة بما هندسته المخابرات الجزائرية في التسعينيات، وزعزعة استقرار مالي التي ترفض أطرافها شروط المصالحة وفق المنظور الجزائري. وذهب اسليمي إلى أن "التونسيين يملكون معلومات تدين الجزائر، ولكنهم مترددون في الإعلان عن ذلك، كما أن المسؤولين الماليين يسارعون بعد كل ضربة لزيارة الجزائر"، ليخلص إلى أن المخابرات الجزائريةالجديدة القائمة على تحالف داخلي ثلاثي بين طرطاق، والقايد صالح، وسعيد بوتفليقة، تسعى لتحويل شمال إفريقيا ومنطقة المتوسط إلى "شرق أوسط جديد".