لم يكن الراحل محمد بنعيسى الذي وافته المنية بعد الأحداث الدامية التي عرفتها جامعة محمد بن عبد الله بفاس، أن ملفه سيطاله النسيان لأكثر من عقد من الزمن إلى درجة بحَّت فيها أصوات العائلة التي ما فتئت تطالب بمحاكمة عادلة لمعرفة من قتل ابنها؟ هذا في مقابل إصرار من اتهم بقتله أنه المشجب الذي علقت عليه تبعات هذه القضية، على أساس أنه كان طالبا في نفس الجامعة، مارس حياته العادية داخل دروب نفس المدينة إلى أن طالته يد الاعتقال؛ "المشعل" بدورها حرصت على استقصاء وجهة نظر الطرفين وهمها الوحيد محاولة الوصول إلى مكامن الحقيقة. "" عمر محب في حوار ل "المشعل" أنا بريء والمحاكمة سياسية بامتياز وصف عمر محب موقف الجمعيات الحقوقية من ملفه بالموقف المتخاذل، بعد أن انتصبت ضده إحدى الجمعيات وأصر على تشبثه ببراءته من التهمة التي حوكم بها، مشيرا إلى أن الوقت الذي اعتقل فيه كان هو أوج الحملة المخزنية على العدل والإحسان، حيث كان نصيبه من كيل التهم تهمة من عيار القتل، وفي ذات السياق أشار محب إلى تناقض شاهد الإثبات في أقواله خلال أطوار المحاكمة في مقابل تقديم دفاعه لما يزيد على 20 شاهدا للنفي، تم اعتماد خمسة منهم ثبتوا على أقوالهم المعللة طيلة التحقيق وكذا المحاكمة. - كيف تلقيتم منطوق الحكم الصادر في حقكم بعشر سنوات سجنا، وهل كنت تتوقع مثل هذا الحكم؟ + تلقيته بقلب المؤمن المحتسب إلى الله عز وجل، الموقن بقوله سبحانه ( إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) . هذا أولا، ثانيا اسألني عن اقتناعي وسأجيبك أنني كنت وما زلت مقتنعا ببراءتي من التهمة الملفقة ، وكل دقيقة أقضيها في السجن إنما أقضيها ظلما وجورا، فما بالك بعشر سنوات. لكن هذا ما اعتدناه في المحاكمات السياسية عموما وفي محاكمات أعضاء العدل والإحسان على الخصوص، والكل يتابع كيف يتم اليوم توزيع السنين على مئات من الأعضاء خارج أي اعتبار قانوني. أما سؤال التوقعات فأعتقد ألا مكان له في مغربنا، ببساطة لأن التوقع يستقيم حيث يكون هناك منطق أما في غياب المنطق، والذي هو السياسة المتبعة من قبل المخزن، فلا تتعب نفسك في تقليب الاحتمالات. المنطق المفترض أن نكون أمام قانون وقرائن والحال أنه في المحاكمات السياسية يغيب كل هذا وتسود التعليمات. - إذا عدنا إلى الوراء، هل بإمكانكم أن تحكي لنا ما جرى بالضبط؟ ما هي حيثيات اتهامك بقتل آيت الجيد محمد بنعيسى؟ + سمعت عن هذه القضية وتابعتها كغيري من طلبة فاس ، وقد مرت أطوارها سواء في ساحة الجامعة أو خلال أطوار المحاكمة التي جرت حينها. ثم رحت إلى متابعة دراستي حتى حصلت على الإجازة. وبعدها امتهنت مهنة عارض كتب، وهكذا كنت أعمل في قلب شوارع فاس ومعارضها ومؤسساتها مع كل ما يتطلبه ذلك من إجراءات قانونية وإدارية، إلى أن فوجئت، بعد مرور 13 سنة على القضية، باعتقالي يوم الأحد 15 أكتوبر 2006 من وسط معرض كنت أنظمه بإحدى ساحات مدينة فاس لأواجه بتهمة القتل الملفقة. لكن منذ الوهلة الأولى كانت الأمور في غاية الوضوح، فالوقت الذي اعتقلت فيه كان هو أوج الحملة المخزنية على العدل والإحسان حيث كانت التهم تكال كيلا للمئات من الأعضاء في كل ربوع المغرب، وكان نصيبي من الكيل تهمة من عيار القتل. - كيف تلقت جماعة العدل والإحسان هذا الحكم؟ وهل تعتقد أن الحملة التضامنية التي أطلقتها الجماعة كافية لإطلاق سراحك؟ + طبعا استنكرت الجماعة هذا الحكم الجائر لاقتناعها التام ببطلان التهمة. أما من الناحية العاطفية وانطلاقا من كوننا في العدل والإحسان جسما واحدا، فأنا أعرف أن الوقع الشعوري لهذا الحكم الجائر على إخواني في الجماعة هو أعمق مما يمكن أن تتصور نظرا لعمق الروابط الأخوية بيننا. لكن الله عز وجل وهبنا من الصبر والثبات والجلد ما استطاعت به الجماعة أن تتحمل كل أصناف الاضطهاد منذ نشأتها، ويكفي أن نستحضر تجربة طلبتنا الإثني عشر الذين قضوا ستة عشر سنة ظلما، وتوفقوا بفضل الله في أن يحولوا سجنهم إلى محضن للعلم فحازوا أعلى الشواهد من دون أن تلين عزائمهم ولا أن يركنوا للمساومات والابتزاز. وبالتالي صارت ورقة خاسرة في يد المخزن. وبالإضافة إلى الاستنكار بكل الوسائل والأساليب فقد قامت الجماعة بأكثر مما يجب كحالها في كل ملفات أبنائها ، فقضية المعتقل لها مكانها المعتبر عندنا. وبهذه المناسبة أشكر كثيرا كل إخواني على حنوهم الكبير وجهودهم الجبارة . كما أحيي هيئة الدفاع التي كان أداؤها أكثر من رائع. لكن ما الحيلة إن القرار كان سياسيا محضا. - مسؤولون من الجماعة يقولون إنك في الفترة التي قتل فيها بنعيسى كنت مسؤولا ومشاركا في الملتقى الوطني الطلابي الرابع بكلية الحقوق طريق الجديدة، إذن لماذا اتهمت أنت شخصيا بقتله؟ + أنا قلت لك إن حيثيات الملف تقول إن المحاكمة سياسية بامتياز ولا علاقة لها بأي اعتبار قانوني. وإن كان في الملف ما يرقى إلى مستوى القرائن الحقيقية والمثبتة بأدلة مختلفة فهي قرائن نفي التهمة عني. فقد تقدم ما يزيد على 20 شاهدا للنفي تم اعتماد خمسة منهم ثبتوا على أقوالهم المعللة منذ التحقيق حتى المحاكمة، بأنني فعلا كنت وقت حصول واقعة القتل، بمدينة الدارالبيضاء، في إطار تنظيم الملتقى الطلابي الرابع بكلية الحقوق طريق الجديدة. في حين إن شاهد الإثبات ظل يتناقض في مجمل أقواله خلال كل الأطوار. ومع ذلك كان الحكم كما تعرفون ضدا على الواقع والقانون. - يصر دفاعك وكذا جماعة العدل والإحسان على اعتبار المحاكمة سياسية، في حين يدخلها القضاء في نطاق الجنايات، كيف تفسرون ذلك؟ + إذا عرفنا أن القرينة الوحيدة التي اعتمدت في الإدانة، وهي الشاهد، مهزوزة ومتهاوية ومضطربة ، وهذا ما تجدونه مفصلا في الورقة التي أصدرتها هيئة دفاعي بعد صدور الحكم. وإذا عرفنا أنه تم الضرب بأقوال شهود النفي عرض الحائط. وإذا لم نجد أي مبرر لانتظار 13 سنة لتلفيق التهمة، وكل الأدلة تثبت أني كنت أمارس شؤون حياتي بشكل عادي وأقوم بكل ما أحتاج إليه من الإجراءات الإدارية وكثير منها لدى مصالح الأمن والقضاء. إذا عرف كل هذا، فماذا يبقى غير الحساب السياسي المعتاد من المخزن ضد جماعة العدل والإحسان من أجل الضغط عليها بهذا النوع من الملفات، وكذلك في محاولة للتشويش على سمعة الجماعة من خلال إظهارها بمظهر العنف. - لماذا تم السكوت عن ملفكم لأزيد من عشر سنوات؟ + العبقرية التي كانت وراء هذا الإخراج وغيره من السيناريوهات المحبوكة ضد جماعة العدل والإحسان وعدد من المعارضين في كل سنوات الجمر والقمع المتواصلة حتى الآن، هي وحدها التي تملك الجواب. فاسأل إن وجدت من تسأله. - ما موقف الجمعيات الحقوقية من ملفكم، ألم تتبنه ولا جمعية؟ + كان التخاذل هو سلوك معظم هذه الجمعيات. بل بلغ التحيز بإحداها إلى أن تنتصب ضدي. وهذا ما يكشف حقيقة شعارات حقوق الإنسان المرفوعة، لنتأكد أن الاعتبارات السياسية هي الطاغية مع الأسف. - إذا لم تكن أنت من قتل بنعيسى، فمن هو القاتل الحقيقي في نظرك؟ + كيف لي أن أعرف وأنا لم أكن حاضرا. لكن ما أنا متأكد منه أن من زج باسمي في الملف سواء من المخزن أو الأدوات الأخرى المسخرة، يعرفون جيدا الجاني وهم يغطون عليه من خلال تلفيق التهمة لي في مسعى لتحقيق هدفين دنيئين في نفس الوقت؛ الهدف الأول تغطية الجريمة، والهدف الثاني توريط سياسي للجماعة. لكنه مسعى خائب إن شاء الله. - هناك من يقول إن الجماعة هي التي كانت وراء اتهامك، على اعتبار أنك كنت موضع اتهام كعميل للدولة في صفوف الجماعة؟ + هذا هراء من هراء أبواق المخزن المبحوحة. - ما نوع العلاقة التي كانت تربطك بأيت الجيد، خصوصا أن جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس كانت تعرف آنذاك صراعا دمويا بين اليساريين والإسلاميين؟ + أولا لم أسمع باسمه إلا بعد وقوع الحادث. ثانيا قبل حدوث ما أسميته بالصراع بين اليساريين والإسلاميين كان هناك صراع دائم وحاد بين مكونات اليسار نفسها ولم تخل منه أية فترة، وقد تابعنا جميعا فصولا مرعبة منه هذه السنة، أي موسم 2006-2007، في عدة جامعات، وقد سقط فيها قتلى.أما ما أسميته بالصراع فكان في حقيقة الأمر حربا من طرف واحد جرى التنسيق فيها بين أطراف يسارية متطرفة وبين المخزن لاجتثاث الإسلاميين الذين برزوا في الجامعات بشكل لافت وحظوا بقبول واسع من طرف الطلاب. وطبعا فإن المظهر الإسلامي بالجامعة كان هدفا مشتركا لليسار والمخزن . هكذا كانت كل الهجمات ضدنا تتم بإيعاز من المخزن وتحت حمايته. ومن أشكال الحماية تحويل الجاني إلى ضحية والضحية إلى جاني، وقضيتي اليوم خير شاهد على ذلك. - في رأيكم، لماذا اعتمدت المحكمة على شاهد واحد مطعون في أهليته كما تدعون؟ + ولماذا كانت أقبية تزمامارت؟ ولماذا كانت دهاليز درب مولاي الشريف؟ ولماذا كان وما يزال وكر تمارة؟ ولماذا كشفت هيئة الإنصاف والمصالحة ركام الملفات الملفقة؟ لأنه المخزن الذي كان، وهو الذي ما يزال سائدا بنفس الأسلوب؛ لتحقيق الأغراض السياسية فإنه يلجأ لكل الأساليب الخسيسة، وأيسرها في قاموسه هو التلفيق. - راجت أقاويل حول أن النظام سيصفي ملفاته مع العدل والإحسان بعد الانتخابات، ألا تعتبرون أن ملف محب بداية لهذه التصفية؟ + لو جارينا هذه الفرضية لكان المطلوب هو إجراءات تدل على الانفراج ، إلا إذا كان المقصود بالتصفية معناها السيئ، وهنا يكون للعشر سنوات معناها الحقيقي، وبهذا المعنى أتفق معك إلا في مسألة أن قضيتي هي بداية التصفية، ذلك أنه قد سبقني كثيرون من إخواني.