مدينةُ أكادير ثاني مدينة سياحية في المغرب بعد مدينة مراكش، وهيَ حاضرةُ جهة سوس-ماسة، إحْدى أهمِّ جهاتِ المملكة، لكنّها، مع ذلك، لا تتوفّرُ ولو على قاعة سينمائية واحدة، بعْدمَا أغلقت القاعاتُ الثلاث الموجودةُ على تُرابها أبواها، مُعلنة نهاية علاقة مدينة الانبعاث بالفنّ السابع. بدايةُ "انقراض" القاعات السينمائية بمدينة أكاديرَ أشّرَ عليها مالكو سينما "السلام" الواقعة في حيّ "البطوار"، حينَ أوْصدوا أبوابها، وهيَ قاعة سينمائية تمثل الجُزءَ الأكبرَ مما تبقّى من أكاديرَ ما قبل زلزال 1960، لكنّها بيعتْ مؤخّرا، ويقول الفاعلون الثقافيون والجمعويون بالمدينة إنّها قابَ قوسيْن أوْ أدنى من أنْ تتحوّل إلى مجمّعٍ سكنيّ. ومن سينما "السلام" انتقلتْ "عدوى" انقراض القاعات السينمائية بمدينة أكاديرَ إلى سينما "ريالطو"، المتواجدة بحيّ "تالبْرْجت"، والتي كانتْ المكانَ الوحيدَ الصّالح لمتابعة شريط سينمائي، وكانَ المعهدُ الفرنسيّ يْعرضُ فيها أفلاما سينمائية عشيّة كلّ يومِ أحد، لكنَّ القاعةَ لمْ تستطع الصمود طويلا، فأغلقت بدوْرها أبوابها، وانطفأ نورُ شاشتها الفضيّة. أمّا القاعة السينمائية الثالثة فهي سينما "الصحراء"، وتقع بدورها في حيّ تالبرجت، وهيَ في حُكْم المُغلقة، بسبب قلّة المتفرجين المُقبلين على ارتيادها، ووضعية تجهيزاتها، وكانَ صاحبُها، حسب المعلومات التي حصلنا عليها، ينوي إغلاقها خلال شهر رمضان الماضي، ثمّ تأجّل قرارُ الإغلاق إلى شهر أبريل من السنة القادمة، لغياب مردودٍ مادّي. "لمْ يعُدْ عدد الذين يرتادون القاعة يتجاوز ستة أو سبعة أشخاص في كلّ حصّة، ولا نستخْلصُ من التذاكر التي نبيعها بستّة دراهمَ سوى 200 إلى 250 درهما في اليوم، وهو مبلغ لا يكفي حتى لأداء فاتورة الكهرباء"، يقول مستخدم بسينما الصحراء، مضيفا: "هذه هي السينما الوحيدة المتبقية في الرقعة الجغرافية الممتدّة ما بين مراكش والصحراء، لكنه ستغلق أبوابها هي أيضا". في حفْل اختتام "مهرجان السينما والهجرة" بمدينة أكادير، سنة 2012، صفّق الحضور كثيرا حينَ علموا أنَّ والي مدينة أكادير آنذاك، محمد بوسعيد، وعَد بالبحْث عنْ حلّ لإنقاذ سينما "ريالطو" حيثُ يُنظم المهرجان، بعدما شاعَ أنّ مالكيها يعتزمون إغلاقها، غيْرَ أنَّ لا شيء من ذلك حصل، إذْ أغلقت القاعة أبوابها، وتبخّرَ "وعْد" الوالي في الهواء. عشيّة أمس الخميس، عاينتْ هسبريس عُمّالا يقومونَ بطلاء واجهة سينما "ريالطو"، ونفْض الغُبار عن أبوابها الزجاجيّة، ليْسَ لأنّها ستعودُ لاستئناف استقبال عشّاق الفنّ السابع، بلْ فقطْ لاحتضان الدورة القادمة من مهرجان "السينما والهجرة"، التي ستنطلق يوم 10 نونبر الجاري، وحينَ تنتهي فعّاليات المهرجان ستوصَدُ أبواب السينما من جديد، إلى غاية دورة السنة القادمة من المهرجان، هذا إذا استطاعت الصمودَ في مكانها سنة أخرى. أمّا منظمو مهرجان "إسْني نْ وورغ" للفيلم الأمازيغي فقدْ كانوا يُنظّمون المهرجانَ في قاعة الندوات بمقرّ غرفة التجارة والصناعة والخدمات، وهذه السنة نقلوه إلى قاعةٍ ببلديّة أكادير. ولمْ يُخْفِ محمد بَجلات، عضو لجنة تحكيم الفيلم الوثائقي بالمهرجان تذمّره من غياب قاعة سينمائية بأكادير، قائلا وهو يخاطب مسؤولي المدينة: "لا يمكن أن تعوّض قاعة البلديّة القاعات السينمائية، ولا يُمْكن أن نتباهى بأكادير كوجهة سياحية وهي بدون قاعة سينمائية". بجلات قالَ في حديث لهسبريس إنَّ المثير للاستغراب هوَ أنَّ مدينة أكادير تحتضن أربعةَ مهرجانات سينمائية ذات طابع دولي، لكنّها تفتقرُ إلى أيّ قاعة سينمائية، متسائلا: "ألا تستحق مدينة أكادير قاعة سينمائية بمواصفات دولية، بَدل تنظيم المهرجانات السينمائية في قاعة عمومية شُيّدت لأغراض أخرى؟". وأضاف المتحدّث أنّه وزملاءَه في لجنة تحكيم الفيلم الوثائقي بمهرجان "إسني نْ وورغ"، أُحرجوا أمامَ أعضاء لجنة التحكيم الأجانب، قائلا: "كنا نتساءل هل نقائص الأعمال التي طُلبَ منّا الفصْل فيها، فنية أصلية في الفيلم، أم أنها ناجمة عن الأجهزة المستعملة في القاعة؟". وكانَ قدْ راجَ قبْل شهور أنَّ مدينة أكاديرَ سيشّيد بها مركب سينمائي (ميكاراما)، وفي حين لا يُعرفُ هلْ سيرَى هذا المشروع النورَ أمْ أنه مجرد وعود، يرى محمد بجلات، أنّ الحلَّ لاستمرار القاعات السنيمائية المتواجدة حاليا في مدينة أكادير، هُو أنّ تتدخّل القطاعات الحكومية المعنيّة، وعلى رأسها وزارة الثقافة، للبحث عن صيغة ما لدعم أصحابها من أجل الاستمرار.