بالرغم من غياب أية دراسة سوسيولوجية تبين بالأرقام والإحصائيات نسبة اشتراط الشباب المغربي للزواج أن تكون الفتاة موظفة في القطاع العام أو مستخدمة في القطاع الخاص، فان الواقع غني بالمؤشرات التي تدل على أن هذا الشرط بات على رأس الشروط التي يطرحها الشباب في موضوع الزواج، لدرجة أن الأمر صار ظاهرة آخذة في الاتساع نتيجة تظافر جملة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. غلاء المعيشة وازدياد متطلبات الحياة: أهم أسباب الظاهرة
على رأس العوامل المفسرة لهذه الظاهرة ينتصب العامل المادي وضيق ذات اليد وغلاء المعيشة وازدياد متطلبات الحياة التي تدفع الأغلبية الساحقة من الشباب المغربي إلى أمرين إثنين، إما إطالة أمد العنوسة والعزوف عن الزواج، وإما البحث عن امرأة موظفة أو مستخدمة ميسورة الحال تعينه على رفع تحديات الحياة الزوجية والتي غالبا ما يكون مصدرها على علاقة بندرة الإمكانيات المالية لشباب اليوم.
ومما يزيد من ثقل هذه الاشتراطات الجديدة التي لم تكن حاضرة في انشغالات شباب الأمس، تفشي معضلة البطالة واتساع رقعة الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي.
وللوقوف على صدقية هذا الاتجاه في التفسير، استقينا آراء عينة من الشباب المغربي لمعرفة توجهاتهم في الموضوع، وفي هذا الإطار أكد لنا الشاب نوفل الذي التقى مؤخرا بفارسة أحلامه ويستعد للزواج منها في الصيف المقبل " لقد خرجت للتو من دائرة البطالة واستطعت الحصول مؤخرا على عمل في مركز للنداء، وعندها راودتني مباشرة فكرة الزواج وبدأت البحث عن فتاة موظفة، لأن أوضاعي المالية المزرية وعدم الاستقرار في الشغل لم تترك لي أي خيار آخر سوى أن يكون لزوجتي مدخول قار يساعدنا على بناء عشنا الزوجي، أما أن تكون المرأة بدون عمل فهذا خيار وإن كانت له إيجابيات كثيرة فإنه مستبعد بقوة الأشياء" .
أما علي القادم إلى الدارالبيضاء من أعماق المغرب ومن منطقة محافظة لا تنظر بعين الرضا إلى خروج المرأة للعمل فقد فرضت عليه الظروف الزواج بمستخدمة في معمل للنسيج ويروي أنه غير مقتنع بهذا الاختيار المرفوض من عائلته خاصة أمه غير أنه اضطر إليه لمواجهة تكاليف الحياة والتي تبدأ من مستلزمات ومصاريف العرس التي قد تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من )80( ألف درهم وهو ما يفوق إمكانياته المادية، وهذا في نظره كاف لتبرير اختياره.
وإذا كانت لهكذا عوامل الأهمية البالغة في تفسير الظاهرة، فإنه ينبغي الانتباه كذلك إلى أمور أخرى تتعلق أساسا بأنماط الحياة الجديدة التي اخترقت المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة، حيث نجد ان الشباب لم يعد يقبل فقط توفير ضروريات الحياة بل يتطلع إلى نمط جديد من العيش يتطلب دخلا ماديا مهما لمواجهة مستلزماته من سفر داخل وخارج البلاد وخرجات أسبوعية يتخللها الأكل في المطاعم الراقية، ومواكبات مستجدات الماركات العالمية في اللباس.
يقول شكيب وهو إطار بالدارالبيضاء ويتحدر من مدينة فاس يتجاوز راتبه الشهري 17000 درهم "أنا لا يمكنني التفكير في الارتباط بزوجة تظل طوال الوقت مرابطة في البيت تستهلك ولا تنتج، لأن طبيعة تكويني وتنشئتي لا تقبل مثل هذا الاختيار، أنا ارغب في فتاة تقاسمني أعباء الحياة وتسهم في تحقيق حلمي في التوفر على فيلا في أرقى الأحياء وسيارة فخمة وقضاء إجازتي السنوية خارج المغرب".
ازدياد حاجيات المرأة تدفع البعض لاختيارها موظفة
ارتباطا بالعامل المادي وتغير نمط حياة المغاربة، يحكي بعض المتزوجين حديثا أن من بين الأسباب التي جعلت ظاهرة الزواج بالموظفات تتفاقم في المغرب هو كون المرأة المغربية أصبحت لها متطلبات متنامية خاصة فيما يتعلق بالاعتناء بمظهرها وجمالها مما يكلفها في بعض الحالات ميزانية لا تقل عن3000 درهم شهريا.
ولهذا السبب نجد أن الكثيرين يختارون المرأة الموظفة اعتقادا منهم أنها على الأقل ستتكلف شخصيا بتغطية مصاريفها من لباس وحلاقة وتجميل وعناية بالجسد وما إلى ذلك، وفي هذا الصدد فان العديد من الزيجات لم تتوفق في ضمان شروط الاستمرارية بفعل العجز المالي الناتج عن النفقات الباهظة لمثل هذه الأمور التي غالبا ما يتحملها الرجل في ظل مجتمع أوكل إليه مهمة القوامة.
يقول وليد المتزوج من فتاة حاملة لشهادة جامعية وعاطلة عن العمل " في الواقع أنا الآن في مرحلة من عدم التفاهم مع زوجتي جراء مبالغتها في الإنفاق على أمور ثانوية مما كان له بالغ الأثر على استقرارنا المالي، وبالتالي فإنني أفكر بجد في الطلاق والارتباط بفتاة موظفة تساعدني على تحمل أعباء الحياة".
وفي السياق ذاته ينبغي التأكيد على أن هذا العامل يطرح مشاكل لطرفي العلاقة الزوجة على حد سواء، إذ نجد بعض المتزوجات اللواتي يشكون شح وبخل أزواجهن في تمكينهن من تغطية مصاريفهن الخاصة ويندبن حظهن لأنهن ليس لهن دخل شهري يمكنهن من مواجهة هذه المصاريف بعيدا عن سلطة الأزواج.
خروج المرأة مرهقة من العمل تجنب الرجل تساؤلاتها
بعيدا عن الأسباب التي أتينا على ذكرها آنفا يظهر سبب آخر لا يقل وجاهة في محاولة الإحاطة بهذه الظاهرة، ويتمثل في أن ضغوط الهموم اليومية المتزايدة الناتجة عن تعقد الحياة المعاصرة جعلت الكثير من الناس يتهربون من تحمل مسؤولياتهم بما فيها المنزلية والعائلية.
ويندرج في هذا السياق كون شباب اليوم يجد في المرأة الموظفة بديلا عن ربة البيت التي تقضي مجمل أوقاتها في المنزل في انتظار الزوج الذي يعود مرهقا بعد يوم مضن وبعد أن يكون قد استنفذ كل طاقته في العمل ولا تبقى له المقدرة على تلبية حاجياتها في قضاء بعض الوقت خارج المنزل، ومن هنا يبدأ الاشتباك والتصادم وولوج دوامة الخصومات التي لا تنتهي.
وعلى العكس من المرأة الجالسة في البيت، فإن نظيرتها الموظفة تقضي جل وقتها في مقر العمل ولا تعود إلى البيت إلا بعد أن ينال منها النصب والتعب ولا يبقى لديها من انشغالات سوى إتمام واجبات البيت واقتطاع بعض الوقت لأخذ قسط من الراحة في أجواء من الهدوء والطمأنينة، مما يقلص من إمكانية حدوث مشادات كلامية أو توتر مع الزوج.
الفرق بين النموذجين يوضحه لنا عبد الله الذي اقترن بسيدة موظفة بعد أن طلق زوجته السابقة التي كانت عاطلة عن العمل " في السابق كانت زوجتي كلما دخلت المنزل عائدا من العمل تطلب مني أن أخرج معها فورا إلى أماكن التسوق لتقضي حاجاتها وتروح عن نفسها بحكم أنها تظل طوال اليوم في المنزل منهمكة في أمور البيت، وقد كنت أقدر لها ذلك لكن مع مرور الوقت لم أعد أتحمل هذا النمط من العيش خاصة وأن طبيعة عملي صعبة شيئا ما، وقد شكل ذلك السبب في بروز بعض المشاكل بيننا انتهت بالطلاق و تزوجت بعد ذلك بامرأة موظفة تمكنا معا بفعل نفس العقلية والاهتمام من تفادي المشاكل السابقة وضبط برنامجنا الزمني بشكل مريح".
مهما تباينت الأسباب المفسرة لهذه الظاهرة فإن الواقع هو أنها أصبحت علامة فارقة في وقتنا الحالي بحيث لا تخطئها عين المتتبع للتطورات الحاصلة في الحياة المجتمعية للمغاربة، ولعل أخطر تجلياتها هو أن معضلة البطالة وشح فرص الشغل التي تطال فئة واسعة من النساء توفر التربة الخصبة لاستفحال ظاهرة أخرى هي العزوف الكلي عن الزواج.