الزواج هو الخطوة الأهم باتجاه تكوين الأسرة لأنها ركيزة أساسية لإنشاء المجتمعات والأمم، فهي مبعث قيمتها وتكوين هويتها وحضارتها. كما أن ارتباط الذكر بالأنثى برباط الزواج هو مطلب فطري عند جميع الشعوب والقبائل. لكن ورغم أهمية الزواج في المجتمعات فقد أصبح تأخر سن الزواج في المجتمع المغربي أمرا جد طبيعي، وخلف معه ارتفاع حالات العنوسة، التي ما فتئت تتحول إلى ظاهرة اجتماعية مألوفة. لم يكن سعيد يعلم أن انشغاله بالتحصيل العلمي وإحراز الشهادة تلو الشهادة سيسرق منه أجمل أيام شبابه التي قضاها في التعلم والدراسة دون أن يفكر في إنشاء عائلة حتى تجاوز عقده الثالث، فوجد نفسه الوحيد من بين أصحابه الذي ظل بدون زواج رغم أنه تمكن خلال هذه السنوات من التوفر على مسكن في حي راق وشراء سيارة خاصة قد تجعله الزوج المنشود للعديد من الفتيات. البطالة والعنوسة وجهان لعملة واحدة تأخر سن الزواج لم يكن حالة اختيارية لجميع الشباب المغربي، فليست الظروف جميعها كظروف سعيد، فالشاب المغربي يجد نفسه في أتون أزمة اقتصادية تجعل التفكير في الارتباط بفتاة أحلامه آخر انشغالاته، فالبطالة تكبل الشاب المغربي كلما فكر في طرق باب إحدى الفتيات راغبا في تكوين أسرة. وفي هذا الصدد، يقول أحمد (عامل): «إن من بين أسباب تأخر الزواج البطالة، فمثلا أنا حصلت على شهادة عليا غير أنني لا أتوفر على عمل يؤهلني للزواج لأن متطلبات الحياة المعيشية اليومية أصبحت صعبة». سعيد بدوره يرجع عزوفه عن الزواج، رغم أن سنه قارب الأربعين، إلى الفقر والبطالة قائلا: «تقدمت لخطبة فتاة قصد الزواج، لكن والدها رفض أن يزوجني إياها بدعوى أنني لا أستطيع أن ألبي لها حاجياتها المادية». وعن الأسباب الاقتصادية للعنوسة، قالت الباحثة الاجتماعية فاطمة الحمداوي إنها تتمثل في ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وندرة فرص العمل وتدني مستوى الأجور وارتفاع أسعار المساكن وغلاء المهور وتكاليف حفلات الزفاف ولجوء بعض الأهالي إلى تأخير زواج بناتهم العاملات للاستفادة من رواتبهن. العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج حالة العزوف عن الزواج التي يعيشها الشباب المغربي اليوم هي وضعية تأجيل للدخول إلى قفص الزوجية وليست عزوفا نهائيا عنه، لأنه مرتبط بعوامل موضوعية لها صلة مباشرة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية للبلاد ونمط الحياة الحديث الذي فتح مجالات أوسع للاختلاط بين الجنسين والعلاقات الجنسية خارج رباط الزوجية. «أفضل التريث في اتخاذ قرار الزواج على أن أعيش مع فتاة لها ماض أسود أو أن أتزوج زواجا تقليديا للهرب من لقب عازب»، هكذا عبر هشام عن سبب قراره عدم الدخول إلى عالم المتزوجين حتى الآن رغم أنه وصل إلى سن ال35. ويضيف أن الطامة الكبرى تكون حين يكتشف ما قد يجعله يندم على قراره طيلة حياته. «أريد الزواج عن اقتناع ودون خوف من إمكانية الفشل أو عدم الانسجام مع الطرف الآخر، ولا أريد الزواج لأجل الزواج فقط وعيش حياة دون معنى». ويقول محمد، شاب آخر «إن ما نعرفه من انتشار للرذيلة والانحلال الأخلاقي وعدم وجود حدود بين الذكور والإناث يجعل الشاب المغربي لا يقبل على الزواج ويعتبره مسؤولية تقيده من حالة العبث التي يعيش فيها». ويشاطره الرأي مصطفى بقوله: «إن الشباب يفضل أن يتوفر على خليلة تلبي كل رغباته الجنسية بدلا من زوجة تتعبه بالمصاريف المادية». زواج المصالح وإذا تضافرت الأسباب التي تدفع بالشباب المغربي إلى التخندق في خانة الزاهدين في الزواج، وعلى رأسها البطالة و ارتفاع تكلفة المعيشة، فإن العزوف قد يصبح مزمنا، فأسماء تؤكد أن الشاب أصبح يبحث عن شريكة حياة تنتمي إلى وسط عائلي مرموق. وعلى العكس، يرى عزيز، 32 سنة، أن اختيار زوجة موظفة بالنسبة إلى المقبلين على الزواج «أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه الإنسان بالنظر إلى أنه سيعيش دوما عبدا لراتبها». ويؤكد أن الزواج «مسؤولية» والزوج «ملزم بالنفقة». وفي هذا الخصوص، أكدت الباحثة الاجتماعية الحمداوي فاطمة أن التوفر على وظيفة مناسبة يعتبر شرطا ضروريا للزواج لدى أغلب الشباب، فالزوج أصبح ينشد الزواج من فتاة عاملة تنتمي إلى وسط اجتماعي متوسط، بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي نذكر منها: البطالة، ارتفاع تكلفة المعيشة، أزمة السكن... فجميعها لعبت دورا حاسما في تأخر سن الزواج الأول لدى الرجال، مما أدى إلى ارتفاع العنوسة في أوساط غير العاملات. قضاء وقدر يرى بعض الذين استجوبناهم أن الزواج «قضاء وقدر» ولا يمكن لأي شخص أن يتحكم في ذلك، وأن لكل فرد نصيبه في هذه الحياة، نصيب يتأرجح بين الزواج المبكر والزواج المتأخر وعدم الزواج أصلا، هذا ما شددت عليه لبنى (35 سنة) بقولها: «لا يمكن الجزم بأن الإنسان هو الذي يتحكم في زواجه المبكر أو المتأخر، فأنا مثلا تقدم لخطبتي العديد من الشباب ولا أطرح أي شروط مادية تعجيزية أو أي شيء، كما أن أسرتي متفهمة لواقع الشباب المغربي، وكثيرا ما يقع الاتفاق بيني وبين أحدهم على الزواج وترتيباته، غير أنني أفاجأ في آخر لحظة بعدم عودة الخطيب». وعي المرأة ومعايير الزواج ترى فاطمة الحمداوي، الباحثة الاجتماعية، أن «الشباب يفضل في الوقت الراهن متابعة دراسته إلى حين الحصول على شهادات جامعية تفتح له باب العمل الذي لم يعد مضمونا بشكل مطلق. وهذا يجعل تفكيره في تكوين أسرة يتأجل لعدة سنوات عكس ما كان معروفا في فترات سابقة، خاصة في القرى، حيث الإقبال على الزواج يكون في سن مبكرة».