هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التصديق على "سيداو".. فاقد للمشروعية*
نشر في هسبريس يوم 27 - 07 - 2015

ليلة تخليد الذكرى الرابعة للاستفتاء الشعبي التاريخي (فاتح يوليوز 2011) الذي أعلن ميلاد حقبة جديدة من تاريخ بلادنا، تتظلل فيها بظلال دستور2011؛ كانت لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية بمجلس النواب أمام اختبار حقيقي لقياس مدى استيعاب أعضائها لمقتضيات الدستور الجديد وحدود تمكنهم من تنزيل مضامينه بما لا يتعارض والمقاصد التي جاء لتحقيقها. المناسبة لم تكن سوى محطة لمدارسة مشروع القانون 125.12 المتعلق بانضمام المغرب للبروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة اختزالا ب"سيداو"، بغية المصادقة عليه بعد أن تمت إجازته من قبل المجلس الوزاري في اجتماعه المنعقد بمراكش يوم 27 ذو الحجة 1433ه / 12 نوفبر 2012 م.
أهمية البروتوكول نابعة من أهمية الاتفاقية الأصل، وقد كان الأجدر باللجنة أن تخصه بالحيز الكافي من الدرس والتحليل حتى يكون أعضاؤها على بينة من أمرهم وهم يرفعون أيديهم بالمصادقة التي بات يعتبرها الكثير منهم قدرا مقدورا لا مرد له ولا يملكون حياله غير التسليم بحتمية التصويت بالإيجاب على كل ما يبسط أمامهم من اتفاقيات ومعاهدات.
أما النقاش فلا ضير أن ينصب على سفاسف الأمور في أجواء رمضانية لا تغري بالحضور، ليحلو الحديث عن فتاتي إنزكان وتنورتيهما اللتين أصبحتا بقدرة قادر رمزا للحرية وعنوانا جديدا لافتعال معارك وهمية مع رموز "الرجعية"؛ ما دام الهدف الأسمى هو تمرير البروتوكول الاختياري بعيدا عن أي منطق تشاوري فبالأحرى أن ينال حظه من التأصيل الدستوري.
مضى أسبوع على هذا اللقاء، فقيل للنواب هل أنتم مجتمعون علّنا نحتفي بالتصديق على البروتوكول المعلوم ونشفي صدور قوم أضناهم الشوق إلى شهود يوم بالعبر موشوم، ويغيضوا جبهة الرافضين بعد أن أصابها التصدع وعجز أنفاسها عن تحمل طول السنين؛ فكان التصويت بإجماع الحاضرين، والله أعلم بتعداد الغائبين ومن نأى بنفسه عن التصويت ضدا على إرادة من انتدبه من الناخبين.
ومع ذلك فإن المسؤولية تقتضي وضع النقط على الحروف، ورفع اللبس عمّا يراد له أن يتدثر بالغموض، إحقاقا للحق وإشراكا للرأي العام فيما غُيّب عنه من تداول ونقاش رغم أن اتفاقية "سيداو" وبروتوكولها الاختياري يستهدفان في الصميم أسّ المجتمع ممثلا في الأسرة بنص الدستور.
أ نبدة عن اتفاقية "سيداو" وبروتوكول الاختياري
بتاريخ 18 من ديسمبر عام 1979 كان اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتفاقية "سيداو" باعتبارها إحدى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، حيث أكدت ديباجتها على أن:"حقوق المرأة حقوق إنسانية"؛ وفى الثالث من ديسمبر عام 1981 أصبحت الاتفاقية سارية المفعول بعد توقيع خمسين دولة عليها، طبقًا لأحكام المادة (27) التي تنص على مبدأ إنفاذ الاتفاقية بعد شهر من تصديق أو انضمام الدولة رقم عشرين عليها؛ وكانت تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي وقَّعَت على الاتفاقية قبل دخولها حيز التنفيذ.
وسيكون من الإجحاف أن نبخس الاتفاقية حقها متجاهلين ما احتوته من إجراءات وتدابير ستساهم لا محالة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان عموما، وحقوق المرأة على وجه التخصيص، إن على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي... أما من جهة السلبيات فحدّث ولا حرج؛ فرغم أن الاتفاقية نصت في المادة (17) على مراعاة مبدأ التوزيع الجغرافي العادل، وتمثيل مختلف الأشكال الحضارية، والنظم القانونية الرئيسة في العالم عند إنشاء لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فإن شيئا من ذلك لم يتم عكسه على أرض الواقع.
ولعل أبرز ما يميز الفلسفة التي تحكم اتفاقية "سيداو"، هي نظرتها للإنسان باعتباره كائنًا ماديًّا يستمد قيمه وأفكاره من القوانين الطبيعية المادية، ويخضع لنفس الظروف المادية، وللحتميات الطبيعية دون غيرها. ومن ثم، فإن الحقوق الإنسانية للمرأة التي تتحدث عنها الاتفاقية هي حقوق لإنسان يمثل كائنًا فرديًّا منعزلاً، أحاديّ البعد، غير اجتماعي، ولا علاقة له بأسرة أو مجتمع أو دولة، أو مرجعية أخلاقية أو حضارية أو تاريخية...
وبالنسبة للمادتين (2) و(16)، فإن البيان الذي أصدرته لجنة الاتفاقية بالأمم المتحدة، بتاريخ يوليو عام 1997، لا يجيز التحفظ على هاتين المادتين، إذ نص صراحة على ما يلي: (تعتبر اللجنة المادتين (2) و(16) جوهر الاتفاقية، ولا يجوز التحفظ عليهما بموجب المادة (28/ فقرة 2) من الاتفاقية، التي تحظر التحفظ الذي ينافي موضوع الاتفاقية وغرضها، كما أن التحفظ عليهما يعتبر أيضًا منافيًا لأحكام القانون الدولي العام، وأن تعارض المواد (2) و(16) مع الممارسات التقليدية، أو الدينية، أو الثقافية لا يمكن أن يبرر انتهاك الاتفاقية، وأن التحفظ على المادة (16)- الخاصة بالأسرة- سواء أكان لأسباب قومية أو تقليدية أو دينية، فإنه يعتبر منافيًا لموضوع الاتفاقية وغرضها، وبالتالي لابد من سحبه).
وفي غياب آلية تسمح للنساء (أفرادًا ومجموعات) بتقديم الشكاوى بشكل مباشر إلى لجنة "سيداو"، وبالتالي فتح التحقيق فيها.. بادرت اللجنة إلى وضع بروتوكول يُوفّر هذه الإمكانية. وبالفعل تم اعتماد البروتوكول الاختياري كملحق لاتفاقية "سيداو" في سنة 1999 من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، ودخل حيز التنفيذ في عام 2000، ممكنا بذلك النساء من الحق في تجاوز الحكومات، والتقدم بشكاوى مباشرة إلى المنتظم الدولي.
وبذلك أضحت لجنة "سيداو" تتمتع بصلاحيات أكبر في إجبار الدول المنضمة للبروتوكول على تنفيذ بنود الاتفاقية؛ تفاديًا للعقوبات التي يمكن أن توقع عليها إذا لم تلتزم التزامًا كاملاً بالتنفيذ، حيث نص البروتوكول على إجرائين يقيدان سلطة الدولة، ويلزمانها بالتنفيذ المحلي للاتفاقية وفقًا للمعايير الدولية المعتمدة، وهما:
1) إجراء المراسلات: والذي يعطي للنساء أفرادًا وجماعات الحق في تقديم الشكوى، ورفعها مباشرة إلى لجنة "سيداو" بشكل مكتوب.
2) إجراء التحقيق: والذي من خلاله يمكن للجنة "سيداو" التحقيق في الشكاوى المقدمة إليها من النساء بشأن– ما تُعدّه لجنة "سيداو"- أي إخلال بتطبيق الاتفاقية من قبل الحكومات.
ج قصة المغرب مع اتفاقية "سيداو": من التصديق المشروط إلى سحب التحفظات
برغم انضمام المغرب إلى لائحة المصادقين على الاتفاقية منذ 21 يونيو 1993، فإن نشرها في الجريدة الرسمية لم يتم إلا بعد مضي ثماني سنوات، عدد 4866 23 شوال 1421ه / 18 يناير 2001، حيث أرفقت بجملة من التصريحات والتحفظات التي تهم بعض مواد الاتفاقية، وذيل ظهير النشر بتوقيع بالعطف يحمل اسم الوزير الأول آنذاك السيد عبد الرحمن اليوسفي.
وقد أوضحت التصريحات، في المقام الأول، بأن حكومة المغرب على استعداد لتطبيق أحكام المادة الثانية شريطة عدم مساسها بمتطلبات الدستور التي تنظم قواعد وراثة عرش المملكة، وألا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية... أما بالنسبة للفقرة 4 من المادة 15 فقد أعلنت بأنها لا تستطيع الالتزام بأحكام هذه الفقرة، وخاصة تلك المتعلقة بحقوق المرأة في اختيار مكان الإقامة ومحل السكن، إلا بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع المادتين 34 و 36 من المدونة المغربية للأحوال الشخصية(آنذاك).
في حين أبدى المغرب تحفظه بشأن الفقرة 2 من المادة 9 بالنظر إلى أن قانون الجنسية المغربي لا يسمح للطفل بحمل جنسية أمه إلا إذا ولد لوالد مجهول؛ كما تحفظ على أحكام المادة 16 وخاصة تلك المتعلقة بتساوي الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بعقد الزواج وفسخه، اعتباراً لكون المساواة من هذا النوع تتنافى مع الشريعة الإسلامية التي تكفل لكل من الزوجين حقوقا ومسؤوليات ضمن إطار التوازن والتكامل بغية الحفاظ على رباط الزوجية المقدس.
والغريب في الأمر أن أيا من التصريحات ولا التحفظات لم تتضمن أي إشارة للفقرة الأولى من المادة 5 رغم خطورة الأبعاد التي ترمي إليها من خلال إلزام الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير "لتغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة".
وكان جلالة الملك محمد السادس قد أعلن، في رسالة موجهة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بمناسبة الذكرى ال 60 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10.12.2008)،"عن سحب المملكة المغربية للتحفظات المسجلة، بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، التي أصبحت متجاوزة، بفعل التشريعات المتقدمة، التي أقرتها بلادنا".
وقتها خلف هذا الإعلان جدلا واسعا في أوساط الرأي العام وتباينت بشأنه التأويلات، برغم أن الرسالة الملكية كانت دقيقة في تحديد المقصود بالتحفظات المسحوبة، أي تلك "التي أصبحت متجاوزة، بفعل التشريعات المتقدمة، التي أقرتها بلادنا"، وبعبارة أوضح هي الفقرة 2 من المادة 9 والمتعلقة بحق المرأة المغربية في منح جنسيتها لأبنائها دون قيد أو شرط.
وأمام اللغط الشديد الذي أثير حول الموضوع لم يجد المجلس العلمي الأعلى بدا من الخروج عن صمته دفعا لأي لبس أو غموض يمكن أن يكون قد اكتنف الإعلان الملكي، حيث أصدر بلاغا شديد اللهجة جاء فيه: «إن المجلس العلمي الأعلى، بعد الاطلاع على مختلف الآراء التي راجت حول رفع المملكة المغربية لتحفظات بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، يؤكد أن هذا الإجراء الواضح لم يثر لدى العلماء ولا يجوز أن يثير لدى المجتمع أي تساؤل حول تمسك المغرب بثوابته الدينية وأحكام الشرع الواردة في القرآن الكريم، والتي لا مجال للاجتهاد فيها مثل أحكام الإرث وغيرها من الأحكام القطعية»، وأضاف البلاغ بأن أمير المؤمنين هو «ضمانة المغاربة في التمسك بهذه الثوابت». وأوضح المجلس في نفسن9 البلاغ أنه «يعتز بالتطور الاجتهادي الذي شارك فيه العلماء وعدد من الفاعلين الاجتماعيين على مستوى مدونة الأسرة، هذه المدونة التي اقتضت المصادقة على قانونها ملاءمة مضمونها مع قوانين دولية في الموضوع، وهذه الملاءمة، ولا شيء آخر، هي التي استدعت ما تم الإعلان عنه من سحب تحفظات في الموضوع».
وفي محاولة منه لوضع النقط على الحروف، أكد المجلس العلمي الأعلى في البلاغ الذي حمل توقيع كاتبه العام الدكتور محمد يسف بأن «المغاربة يحمدون الله تعالى على أن ثوابتهم الدينية وأحكامهم الشرعية مكفولة بحراسة الإمامة العظمى الحريصة على موافقة مقاصد الشرع لكل ما هو مفيد لحفظ كرامة الإنسان في هذا العصر والملتزمة بشرع الله الذي هو فوق كل التزام» (جريدة المساء: 19 - 12 – 2008).
أهمية هذا الموقف تأتي من كون الملك يرأس المجلس العلمي الأعلى بصفته أميرا للمؤمنين وحامي حمى الملة والدين؛ كما بات "يعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة" بنص الدستور في الفصل 41.
ح كيف تم تهريب قرار رفع جميع التحفظات عن "سيداو"؟؟؟
ففي خطوة غير مفهومة، أقدمت الحكومة المغربية على توجيه رسالة سرية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في 8 أبريل 2011، تُعلمه فيها أنها قد رفعت تحفظات المغرب التي قيد بها مصادقته على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، حيث نشرت الكتابة العامة لهيئة الأمم المتحدة في الصفحة 43 من قائمتها الشهرية (أبريل 2011م) من النص الفرنسي خبر رفع التحفظات هذا، مع التأكيد بأن المغرب أبقى على تصريحاته بخصوص المادة 2، والفقرة الرابعة من المادة 15، وكذا الفقرة الأولى من المادة 29.
والخطير في هذا القرار، هو أنه اتخذ في غمرة الحراك الشعبي الذي كانت تشهده بلادنا كما العديد من البلاد العربية، ولو قدر لأمره أن ينكشف وقتها لتسبب في تأجيج الأوضاع الغير مستقرة أصلا، ولكانت له تداعيات سلبية على مسلسل الإصلاحات السياسية والدستورية التي أعلن عنها جلالة الملك في خطاب 9 مارس 2011.
ولعل هذا ما يفسر التكتم الشديد الذي أحيطت به عملية اتخاذ هذا قرار، قبل أن يتم تهريبه إلى دهاليز الأمم المتحدة في غفلة من الرأي العام وحتى الشركاء السياسيين؛ إذ لم يتم الإفصاح عنه إلا بعد مضي أكثر من أربعة أشهر عن تاريخ إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بالأمر؛ حيث نشر الإعلان عن رفع التحفظات، دون التصريحات، موقعا عليه بالعطف من قبل رئيس الحكومة هكذا كتبت عباس الفاسي، بالجريدة الرسمية في عددها: 5974 الصادر بتاريخ: 2 شوال 1432 / الموافق: 1/9/2011.
ولكن ما قيمة هذه التصريحات المتبقية، حتى وإن تجاوزنا الخلاف الحاصل بين فقهاء القانون الدولي العام بشأن مكانتها الاعتبارية وسلّمنا جدلا بامتلاكها نفس ما للتحفظات من قوة قانونية، في ظل وجود بيان لجنة "سيداو" الذي لم تعترض عليه أي من الدول الأطراف، وفي ضوء المادة 19 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي تحظر التحفظ إذا كان منافيا لموضوع المعاهدة وغرضها، وهو الأمر الذي أكدت عليه المادة 28 من اتفاقية "سيداو" ذاتها في فقرتها الثانية ؟؟؟
د عدم كفاية الضمانات الدستورية والقانونية في عالم تحكمه موازين القوة
رُبّ قائل يقول بأن المغرب بات أكثر من أي وقت مضى في منأى من أي اختراق تشريعي ينال من ثوابته الدينية ومقوماته الحضارية في ظل دستور 2011، وهذا أمر لا يمكن أن يجادل فيه أحد على الأقل من الناحية النظرية.
وأول ما يستوقفنا في هذا الصدد هو تنصيص الدستور في تصديره على أن "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة"، "وهذه الصفة كما قال الزعيم علال الفاسي رحمه الله مهمة جدا بالنسبة لضمان حياة إسلامية في بلد كل أبنائه مسلمون ومتمسكون بصفة الإسلام، ومتشوقون لاستمرار نشاطهم الوطني في إطاره، أما النص على دين الدولة الرسمي، فهو شيء ثانوي إزاء الصفة الإسلامية للدولة" (علال الفاسي: معركة اليوم والغد؛ ص: 58؛ الطبعة الثانية: 1999؛ مطبعة الرسالة). "كما أن الهوية المغربية بنص التصدير تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء".
وإذا كان المشرع الدستوري قد جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، ودعا إلى العمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة؛ فقد اشترط بأن يتم ذلك في نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة التي يتبوأ فيها الدين الإسلامي موقع الصدارة؛ وهذا خلافاً لما يتوهّمه البعض من "سمو مطلق" لهذه الاتفاقيات.
وإلى جانب إعادة تأكيده في فصله الثالث على أن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية"؛ تبقى الإضافة النوعية التي جاء بها دستور 2011 هي تنصيصه بوضوح على أن الأمة تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح أولاً، والوحدة الوطنية متعددة الروافد ثانياً، والملكية الدستورية ثالثاً ، والاختيار الديمقراطي رابعاً وأخيراً (الفصل 1).
وبالنسبة لموضوع المساواة بين الرجل والمرأة الذي هو لب اتفاقية "سيداو"، فقد نص الدستور في فصله 19 على تمتع "الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب"، لكنه رهن كل ذلك بأن يتم في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها؛ الشيء الذي يتعارض مع جوهر اتفاقية "سيداو".
وكيف لنا أن نجمع بين تأكيد المشرع الدستوري المغربي على أن:"الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع"(الفصل 32)؛ وبين رفع التحفظ مثلا عن المادة 16 من اتفاقية "سيداو" التي تهدف ، فيما تهدف إليه، إلى هدم البناء الأسري القائم على هدى من شريعتنا الإسلامية؟؟؟
لقد رُفعت آخر التحفظات خلال شهر أبريل من عام 2011، أي في ظل العمل بدستور 1996 الذي جاء في فصله الحادي والثلاثون ما نصه:"تقع المصادقة على المعاهدات التي يمكن أن تكون غير متفقة مع نصوص الدستور بإتباع المسطرة المنصوص عليها فيما يرجع لتعديله". وبالنظر إلى ما سبق وأن أوردناه من عدم جواز التحفظ على جوهر اتفاقية "سيداو"، فإن قرار سحب التحفظات كان يستلزم القيام بمراجعة دستورية هي في حكم المستحيل بنص ذات الدستور الذي يؤكد بأن "النظام الملكي للدولة وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة"(الفصل 106). الأمر الذي عاود المشرع الدستوري التأكيد عليه في نسخة 2011 بقوله:"لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وبالاختيار الديمقراطي للأمة، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور" (الفصل 175).
فحتى لو عرض أمر هذا البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية "سيداو" على المحكمة الدستورية قبل المصادقة عليه بموجب الفصل 55 من الدستور الحالي، إما بإحالة من الملك، أو رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو سدس أعضاء المجلس الأول، أو ربع أعضاء المجلس الثاني، وأفتت بمخالفة أحد بنوده لأحكام الدستور؛ فإن إجازته، كما توضح ذلك الفقرة الأخيرة من ذات الفصل، ما كانت لتتم إلا بعد القيام بمراجعة دستورية غير واردة أصلاً.
ومهما يكن من أهمية هذه النصوص الدستورية وحجيتها البالغة فإن المطلوب هو تفعيل مقتضياتها على أرض الواقع، لا مجرد التبرك بمضامينها وجبر الخواطر بمكسب تدبيجها؛ خاصة وأن هناك من لا يخفي نيته في تعطيل العمل بها وتجاوز أحكامها بسن ممارسات يسمونها تجاوزا "دستورية"، تمهيدا لإلباسها لبوس الأعراف الملزمة بعيدا عن أي استشارة ديمقراطية. وهنا تبرز أهمية الضمانات الواقعية التي تشكل حائط الصد الفعلي في وجه أي مؤامرات داخلية ولو كانت مسنودة بجهات خارجية، ضمانات يعكسها واقعاً وممارسة رأي عام يقظ تؤطره قوى الوطن الحية من أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية وهيئات المجتمع المدني الحقيقي لا الصوري.
ذ التصديق على البروتوكول الاختياري وسؤال التقدير السياسي
بين تاريخ مصادقة المجلس الوزاري على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية "سيداو"، في اجتماعه المنعقد بمراكش يوم 27 ذو الحجة 1433ه / 12 نوفبر 2012 م، حين كانت البلاد تعيش مرحلة تلمس الخطى ومحاولة الخروج من رحم الأزمات الخانقة التي أنهكتها اقتصادياً ونخرتها اجتماعياً، وتاريخ السابع من شهر يوليوز الجاري الذي أرّخ لتصديق مجلس النواب على هذا البروتوكول؛ شهد المغرب تحولات كبيرة إن على المستوى الاقتصادي الذي عرف تطورا مضطردا، أو على المستوى الاجتماعي الذي تغير أسلوب التعاطي معه بشكل لافت، أو على المستوى السياسي، وخاصة الدبلوماسي منه، الذي عرف انتعاشة بعد ركود عمّر لسنوات عجاف فقد خلالها المغرب مكانته المرموقة على مسرح الأحداث الدولية.
وحسبنا الإشارة إلى الفتوحات الدبلوماسية التي دشنها جلالة الملك محمد السادس من خلال جولاته الإفريقية الثلاث، والتي أعادت مُصالحة المغرب مع عمقه الاستراتيجي باستحضار البعد الديني كعامل أساس في إعادة الدفء للعلاقات مع بلدان القارة السمراء. وكذا التجربة المغربية في تدبير الشأن الديني ومواجهة مظاهر الانحراف العقدي والسلوكي ومظاهر التطرف بشتى تلاوينها، والتي أصبحت محط تقدير واهتمام المجتمع الدولي...
وهذا ما يعني بأن الموقع التفاوضي للمغرب على الصعيد الدولي استعاد الكثير من قوته وحيويته، بل وتعزز أكثر بإضافات نوعية جعلته يتجاوز مرحلة الدروشة واستجداء عطف ورضا الدول الكبرى عبر تقديم المزيد من شهادات حسن السيرة والسلوك؛ فقد شد نسبيا عن طوق التحكم الاستكباري ولم يعد يتحمل الخضوع والخنوع أمام أي نوع من الوصاية الخارجية.
فإذا كنا قد نجحنا في إبعاد البلاد عن شبح الوقوع تحت رحمة برنامج التقويم الهيكلي الذي سبق وأن فرض على المغرب سنة 1983 من قبل صندوق النقد الدولي؛ فكيف نقبل على أنفسنا السقوط في تقويم آخر بمضامين قيمية واجتماعية هدامة يحمل بشائر اتفاقية "سيداو" وبروتوكولها الاختياري الذي ارتضينا أن نجعله سيفا مسلطا على أعناقنا، وكأننا بتنا قاصرين عن تمثل قيم الحرية وحقوق الإنسان في بلادنا فأصبح لزاما علينا تقديم القرابين لسدنة "سيداو" في كل وقت وحين.
لقد كان جلالة الملك واضحا وصريحا في رسالته إلى المشاركين في أشغال الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش (27.11.2014)، حين قال:"إن إفريقيا لا يمكنها أن تظل مجرد مستهلك لقوانين دولية، تمت صياغتها في غياب تام للقارة. كما أنها لا ينبغي أن تظل، دائما، موضوع تقارير دولية وتقييمات خارجية. فإفريقيا بلغت درجة من النضج، تؤهلها لاحتلال المكانة التي تستحقها ضمن الهندسة الدولية لحقوق الإنسان، والنهوض بدورها كاملا في هذا المجال"؛ فكيف نقبل، ونحن جزء من إفريقيا، أن نظل موضوع تقارير دولية وتقييمات خارجية؟؟؟
ذلك أن كونية حقوق الإنسان يضيف جلالة الملك "تكتسب مشروعية أكبر، حينما تمثل التنوع الإنساني وتحميه، وعندما تتبناها كل شعوب وثقافات العالم، وتساهم في صنعها وبلورتها"، فنحن نريدها كونية توافق واختيار، لا كونية إكراه وإذعان. فكما يقول الزعيم الهندي المهاتما غاندي:"تستند كل التسويات على الأخذ والعطاء، ولكن لا يمكن أن يكون هناك أخذ وعطاء على الأساسيات. أيّ حل وسط بشأن الأسس هو استسلام، لأنه عبارة عن عطاء دون أخذ".
هذا لا يعني بتاتا الدعوة إلى اعتزال العالم والانطواء على الذات، وإنما نريد انفتاحا على هدى وبصيرة كي لا يتحول إلى انكشاف فاضح تغدو فيه الأبواب مشرعة أمام الأجنبي ليتحكم في مصائرنا وينتقص من سيادتنا متى شاء وكيف يشاء.
ختاما أقول...
كلامي هذا، إلى الذين كانوا، حتى وقت قريب، يقولون في" سيداو" ما لم يقله مالك في الخمر؛ قبل أن ينقلبوا على أعقابهم مساندين ومباركين لإجماع المستلبين ومن شايعهم من المغفلين؛ كلامي هذا، إلى من اعتبروا بالأمس التصديق على "سيداو" خطاً أحمر دونه التضحية بالغالي والنفيس، فإذا بهم يتحفونا بقراءات جديدة تتأول تعسفاً ما في الدستور من نصوص وتحيد عمّا اشتملت أحكامه من فُصُوص؛ كلامي هذا، إلى من انتصروا، في معركة المراجعة الدستورية، لترسيخ الهوية الإسلامية للدولة المغربية، بأنّا نربأ بهم أن يُستدرجوا إلى تقديم تنازلات مجانية فيما يعود لرأس الثوابت الوطنية؛ كلامي هذا، إلى من نحبهم حتى وإن اختلفنا معهم، على أمل أن يراجعوا أنفسهم ويعيدوا ترتيب أوراقهم ومن تم جدولة أولوياتهم بما ينسجم ومرجعيتهم؛ كلامي هذا، إلى صناع القرار في مغرب الثقافة والحضارة والتاريخ، مذكراً إياهم بأن باب الانسحاب من اتفاقية "سيداو"، الواقعة تحت طائلة البطلان بمقتضى الدستور، وبروتوكولها الإذعاني الحامل هو الآخر لفيروس البطلان، يبقى مفتوحا لمن توفرت لديه الإرادة السياسية واستند إلى قوة شعبه الحيوية لمواجهة كافة الضغوط الدولية.
*هذا ملخص لدراسة أكثر تفصيلا تحمل نفس العنوان ويمكن الرجوع إلى نصها الكامل بصفحتي على الفايسبوك: [email protected]
- نائب برلماني: عضو لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.