أحالت الأمانة العامة للحكومة مشروع قانون رقم 125.12 على البرلمان، ليوافق بموجبه على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة (سيداو)، طبقا لمقتضيات الدستور التي لا تجعل المواثيق الدولية سارية إلا بمصادقة البرلمان عليها. ويرى مراقبون أن على البرلمان تفعيل المادة 10 من البروتوكول والتي تعطي حق تحفظ الدول على المواد 8 و9 منه، كما يرون ضرورة اشتراط عدم التعارض مع الأحكام الشرعية القطعية سواء في التعاطي مع اتفاقية (سيداو) أو البروتكول الاختياري الملحق بها، و الذي كانت قد صادقت عليه الحكومة السابقة على بعد أشهر قليلة من انتهاء ولايتها، تفعيلا للمقتضيات الدستورية وتوابث الأمة المغربية. و يرى هؤلاء المراقبون أن «من حق المغرب كدولة طرف في الاتفاقية لضمان سيادته التحفظ على المادتين المذكورتين والمرتبطتين بفتح تحقيق تلقائي بمقتضى نص البرتوكول نفسه. وحق التحفظ هذا، استعملته مجموعة من الدول الأوروبية كانت قد وقعت على البروتوكول حسب وثائق الاتحاد البرلمان الأوروبي»، ويجري التشديد في ذلك على أن مبدأ التحفظ هو بغرض «التمسك بالسيادة الوطنية، وحماية الحق في الهوية الثقافية» في نطاق أحكام دستور المملكة، وانسجاما مع ذلك، يعتبرون بأن البرلمان المغربي مطالب اليوم بتأدية دوره في حماية التنزيل السليم للدستور، لأن الاتفاقية بالنسبة للمغرب حسم فيها أمره، إذ إن هناك قوانين وطنية ومنظومة تشريعية وثوابت وطنية لا يمكن أن يقبل في أي حال من الأحوال بتجاوزها. واستحضر هؤلاء ما كان قد أكده بيان المجلس العلمي الأعلى بشأن (رفع المملكة المغربية التحفظات على الاتفاقية الدولية لإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة بتاريخ 17 دجنبر 2008 )، و الذي جاء فيه أن سمو الشريعة الإسلامية فوق كل التزام، وجدد بلغة واضحة الموقف المغربي من التمسك بالثوابت الوطنية والدينية ورفض كل تجرؤ على الأحكام الشرعية الثابتة مثل قضية الإرث وغيرها من الأحكام القطعية.. والتي لا مجال فيها للاجتهاد. وذكر هؤلاء بتصريح للطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية والتعاون بالحكومة السابقة، غداة نقاش الموضوع بالبرلمان آنذاك، أكد فيه على أن رفع بعض التحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة شمل بصفة حصرية التحفظات التي أصبحت متجاوزة بفعل اعتماد تشريعات وطنية جديدة ومتقدمة، خاصة مدونة الأسرة وقانون الجنسية. وأكد على أنه، «تم الإبقاء على التصريحات المتعلقة بالمادة 2 الخاصة باحترام الأحكام الدستورية، ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف خاصة تلك المتعلقة بمسألة الإرث». وأشار هؤلاء إلى أن الدستور المغربي سواء في دباجته أو في فصله 19 اشترط في التعامل مع الاتفاقيات الدولية احترام الهوية المغربية وثوابت المملكة المغربية، وأكد الدستور في دباجته « جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة». وجاء في الفصل 19 منه «يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية،الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. وارتباطا بهذا السياق، اعتبر محمد الهلالي النائب الثاني لرئيس حركة التوحيد والإصلاح، أن موقف الحركة محسوم فيما يتعلق بمشروع القانون المتعلق بالبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية «سيداو» المحال على البرلمان للموافقة، لأن الموضوع - بحسبه- يتعلق بتحيين التشريعات التي أصبحت متجاوزة بحكم الإصلاحات التشريعية التي شهدها المغرب. وعقب القيادي بحركة التوحد والإصلاح بالقول «لكن لا نريد لأحد أن يرجع الموضوع إلى المربع الأول» مستحضرا في هذا الصدد الموقف الصادر عن المجلس العلمي الأعلى، و ما عبرت عنه الحكومات السابقة بكون «تحيين المغرب للتشريعات ورفع تحفظاته يتعلق أساسا بالتشريعات التي أصبحت متجاوزة ولا تمس بحال من الأحوال بالنصوص القطعية في الشريعة أو تحريم حلال أو تحليل حرام وفق ما جاء في الأدبيات والتصريحات». وأكد الهلالي على أن ما نتوقعه من البرلمان هو المصادقة على هذا البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية «سيداو» ضمن هذا النطاق، وضمن تصريح المغرب رسميا على المادة 2 من الاتفاقية. فالحركة سترحب بهذه الموافقة، شرط أن يكون نص هذا القانون واضحا في هذا الصدد، مستبعدة أي اتجاه آخر أو خيار لآخر قد يعيدنا من جديد إلى المربع الأول الذي المغرب في غنا عنه في ظل تحديات التنمية، بعيدا عن التقاطب الاديلوجي. من جهته، أكد عبد المالك زعزاع (عضو منتدى كرامة)، على أن الموافقة على تشريع وطني يحمل مقتضى دولي على مستوى الحماية فيما يتعلق بالانتهاكات التي تطال حقوق المرأة وعلى رأسها كافة أشكال التمييز، هو مسألة مهمة جدا من أجل حماية حقوق المرأة. وعبر في تصريح ل»التجديد» عن اعتقاده بأنه لن يكون هناك مشكلا على مستوى التطبيق، إذا ما احترم ما يسمى بخصوصية الشعوب أو بعض المقتضيات الجزئية المتعلقة بفلسفة قضايا المرأة على مستوى العالم الاسلامي، التي تختلف مع المقتضيات الدولية الغربية، فهناك مقتضيات دستورية تتعلق بدين الدولة، وكذلك مقتضيات تتعلق بالتشريع الوطني التي لا يمكن القفز عليها باسم حرية المرأة أو عدم التمييز. هذا، ويمنح البروتوكول الاختياري الذي كانت قد صادقت عليه الحكومة السابقة على بعد أشهر قليلة من انتهاء ولايتها، بمقتضى بنوده لجنة القضاء على التمييز، صلاحية أكبر في إجبار الدولة المصادقة عليه لتنفيذ الاتفاقية، «تفاديا للعقوبات التي يمكن أن توقع عليها إذا لم تلتزم التزاما كاملا بالتنفيذ». حيث يعطي هذه اللجنة الحق في تلقي الشكاوى الفردية، ثم المعاينة الميدانية، والتحقيق في تلك الشكاوى. ذلك أن البروتوكول «ينص على إجراءين يقيدان سلطة الدولة، ويلزمانها بالتنفيذ المحلي للاتفاقية وفقا للمعايير الدولية، ويتعلقان أساسا ب: - إجراء المراسلات: والذي يعطي للنساء أفرادا وجماعات الحق في تقديم الشكوى، ورفعها مباشرة إلى لجنة (السيداو) بشكل مكتوب. - إجراءات التحقيق: والذي من خلاله يمكن للجنة (السيداو) التحقيق في الشكاوى المقدمة إليها من النساء بشأن– ما تعده لجنة سيداو- أي إخلال بتطبيق الاتفاقية من قبل الحكومات».