في خضم الحديث المتداول حاليا بالمغرب، خاصة بعد الخطاب الملكي حول ضرورة الاعتناء بقياس الرأسمال غير المادي للبلاد، أشرف الباحثان إدريس الكراوي ونور الدين أفاية على تحرير وإصدار كتاب يقارب موضوع الرأسمال الثقافي، وطرق قياسه وتحديد معامله. وانطلق المشاركون في الكتاب من مساءلة النموذج الجديد لقياس ثروات الأمم والمجتمعات، إذ لم يعد يقتصر الأمر على إعطاء الأهمية المطلقة للناتج الداخلي الخام في تحديد ثروات المقاولات والاقتصادات الوطنية، بل تمّ استدعاء مقاربة تدمج الرأسمال غير المادي. وبالنسبة للكتاب، فإنه يلزم استدعاء كل أنماط الرأسمال: الطبيعي (من موارد طبيعية، وبيئة..)، والمُنتَج (مصانع، بنيات تحتية، بنايات، جسور..)، وغير المادي (الثقافة، المعمار، التراث، أماكن العيش، القيم، الرياضة...). ويتكون الرأسمال غير المادي من مجموع الموجودات التي تندرج في الرأسمال البشري، والرأسمال الاجتماعي، والرأسمال التنظيمي، فضلا عمّا يرتبط بموضوعات الكفاءة، و الابتكار، وقوة المؤسسات، وجودة الخدمات العمومية، وطبيعة حكامة الإدارة العامة للدولة مركزيا وترابيا. وتطرق الكتاب إلى أهمية المكونات الثقافية للمناطق الجنوبية، من حيث تاريخها وقيمها، في الوجدان المحلي والوطني، حيث إنه بقدر ما يتميز رأسمالها الرمزي بالوحدة، يختزن تنوعًا وتعبيرات مختلفة تمنحه غنى وثراءً وموقعًا أصيلا في البنيان الاجتماعي والثقافي المغربي.. واعتبر المصدر أنه "لا يتعين الاقتصار على اعتبار الثقافة الحسانية، وغيرها، رافعة للتنمية وثروة مجتمعية فحسب، لأن التحولات الجارية في طرائق العيش، والحركة، والتواصل تضع المرء أمام رهان كبير، يتمثل في كيفية التعامل مع مختلف مكوناتها وأشكال تعبيرها، وتأمين شروط استمرارها. وسعى المشاركون في الكتاب إلى مساءلة خلفيات وأسس وأبعاد الرأسمال اللامادي، والوقوف عند رهاناته وأدواره الفعلية في إنتاج الثروة، كما عملوا على إبراز شروط إمكان الوعي الشبابي بالتحديات التي يفترضها هذا الفهم الجديد لقياس الثروة. وتوقف الكتاب عند "طرق الانخراط في فضاءات العمل المدني والعمومي للمساهمة الفعلية في المجهودات التنموية الكفيلة بتحسين الحياة في الحاضر، وابتكار إنتاجات وأشكال جديدة تمتلك ما يلزم من شروط الاستمرار والاستدامة، حتى يتسنى للأجيال القادمة الاستفادة منها وتجاوزها في آن". ويتضمن الكتاب محاضرات افتتاحية شهدتها مدينة الداخلة سنة 2014، حاولت مقاربة إشكاليات الرأسمال غير المادي، وأنماط الذكاء الخاص الذي يتطلبه لتثمينه وتطويره وجعله رافعة للتنمية والعدالة الاجتماعية، وموقعه ودوره في تنمية الأقاليم الجنوبية. وكانت المداخلات قد همت أربعة أبعاد رئيسية: الرهانات التنموية للرأسمال الثقافي، ومقومات الرأسمال البشري وممكنات تطويره، والتراث اللامادي للثقافة الحسانية، ثم مواقع وأدوار المرأة في تنمية الأقاليم الجنوبية.