لم ينتظر حكام قصر المرادية في الجزائر سوى ساعات قليلة، كي يستوعبوا إعلان المغرب ومجموعة "بوجو ستروين" عن إطلاق أحد أكبر المشاريع الاستثمارية في مجال صناعة السيارات ومحركاتها، حتى نسجوا حملة إعلامية تتهم المغرب بعرقلة توجه الأوربيين لفتح وحداتهم الصناعية في الجزائر. كارلوس تافاريس (الصورة)، الرئيس التنفيذي لمجموعة "بوجو ستروين"، استبق الأمر بالإعلان عن عدم وجود أي مشروع للمجموعة الفرنسية، التي تعتبر ثاني أكبر مجموعة أوربية في صناعة السيارات بعد فولكسفاكن الألمانية، في الجزائر، مبرزا أن إقامة المشروع في المغرب سينعكس إيجابا على الشركة، وسيرفع من مستوى تنافسيتها. واعتبر تافاريس، وهو أحد كبار المسيرين في عالم السيارات، أن مفاوضات فتح مصنع للسيارات والمحركات في المغرب ستتيح لمجموعة "بوجو ستروين" الرفع من مستوى تنافسيتها لغزو الأسواق العربية والإفريقية، التي تشير التوقعات إلى أن الطلب على السيارات سيرتفع بشكل صاروخي في بداية العقد المقبل من القرن الحالي. رسالة للجزائر وفي رسالة ضمنية وجهها إلى الجزائريين، قال كارلوس تافاريس إن المشروع الجديد سيستفيد من الخبرة التي راكمها المغرب في مجال صناعة السيارات، في إشارة إلى مصنع رونو طنجة المتوسط، كما سيستفيد من قربه من الأسواق المستهدفة في إفريقيا والعالم العربي. وتخطط المجموعة الفرنسية تشغيل المصنع الجديد في 2019 ، وينتظر أن يبلغ ذروة إنتاجه سنة 2023، حيث سيستقر بالمنطقة الصناعية الحرة المندمجة "أتلانتيك فري زون" بالقنيطرة، والتي تشكل بيئة تقترح على المستثمرين عرضا من الخدمات المتكاملة، وتتوفر على ميزتين أساسيتين، هما سهولة عمليتي التموين والتصدير، وحوض للتشغيل ذو جودة. وأورد مسؤول مغربي في قطاع صناعة السيارات لهسبريس، أن ما يجعل مجموعات صناعة السيارات تتردد في إطلاق استثماراتهم فيها، ويتعلق بفشلها في الوفاء بوعدها بشأن توفير أجزاء للسيارات مصنعة محليا لاستخدامها في مشروع "رونو بالجزائر"، حيث لم تتمكن من بلوغ النسبة التي التزمت بها، لتستقر فقط في 8 في المائة، مقابل أزيد من 40 في المائة بالنسبة لمشروع رونو في طنجة. وحسب المتحدث نفسه، فإن الجزائر تفرض على المجموعات العالمية لصناعة السيارات القبول بحصة الأقلية في رأسمال المشاريع التي ترغب في إطلاقها بالجزائر، لا يمكن أن تتجاوز 51 في المائة، عكس المغرب الذي يتعامل بمبدأ ليبرالي في هذا المجال، كباقي الدول المتقدمة". والدليل، يضيف المصدر، هو أن في هذا المشروع تفاوض المغرب مع "بوجو ستروين" كأي شريكين، ليستقر الاتفاق النهائي على إنشاء المشروع برأسمال مشترك حصلت فيه المجموعة الفرنسية على 95 في المائة من الأسهم، مقابل 5 في المئة للدولة المغربية في شخص صندوق الإيداع والتدبير". فرنسا "الاقتصادية" و"السياسية" وذهب هذا المحلل، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إلى أن "المغرب بخلاف الجارة الشرقية، بلد تحكمه القوانين في كافة المجالات، بما فيها الاستثمارات، وهو دولة منفتحة على الجميع، وتعمل على رفع تنافسيتها في مجال جذب الاستثمارات المستدامة". مولاي حفيظ العلمي، وزير التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة، قال لهسبريس إن المغرب راكم مجموعة من المكتسبات في مجال صناعة السيارات"، مبرزا أن "الاستثمار الجديد لمجموعة "بوجو ستروين" يشكل مرحلة جديدة ستجعل هذا القطاع يسير بسرعة أقوى. وأوضح المسؤول الحكومي أنه "قريبا سيتم الإعلان عن استثمارات جديدة في مجال الصناعات المرتبطة بتركيب وتصنيع المحركات والسيارات"، مبرزا أن "هذا الاستثمار يزيد من حجم الثقة في المغرب، من خلال عمل فريق ضم مسؤولين حكوميين بإشراف الملك محمد السادس. ويرى مراقبون أن المغرب انتقل إلى مرحلة جديدة تعتمد على النجاعة في الأداء، والوضوح في القرارات والقوانين، وتوفير مناخ يعطي كافة الشروط للمستثمرين للعمل في مناخ مربح للطرفين، وهو ما أقنع "فرنسا الاقتصادية" بتوسيع استثماراتها الإستراتيجية في المغرب وتعزيز علاقاتها معه. ومقابل فرنسا الاقتصادية التي ترى مصالحها بالمغرب، فإن "فرنسا السياسية" تحاول تعزيز مكانتها في الجزائر، التي تراهن على العواطف للضغط على الخارج للاستثمار فيها، وهي لغة لا وجود لها في قاموس الأعمال"، يورد مراقبون يتابعون ملف علاقات باريسوالجزائر.