رمضانات مغرب الأمس (سيرة ذاتية) الحلقة الثانية: في ضيافة الدرك - يا الله يا وليداتي فالجوج ماش نجي موراكم - واخا آ با ودعنا أبي رحمه الله أمام باب المدرسة بعينين نصف مغمضتين من فرط السهر في أول ليلة من ليالي الشهر الكريم.. إنطلقت نحو الفصل وكلي فضول في شأن ما ستؤول إليه خطة الهروب .. كنت أراقب باب الفصل وقلبي يدق حتى أنني كنت أكاد أسمع نبضه أو هكذا كان يخيل لي .. إقترب مني المعلم السي الزياني رحمه الله وسألني عن شرودي وعدم إنتباهي للدرس .. فقلت له - بآداء تمثيلي في غاية الإتقان - أنني أفكر في والدتي المريضة .. فنظر إلي بعطف أبوي جامح وربت على رأسي وهو يردد دعواته لها بالشفاء العاجل. لم تمضي سوى لحظات حتى لمحت عيناي عبد الرحمن وهو يقتحم الفصل جريا نحو المعلم , كان يلهث ولا يكاد يكمل نطق الكلمات حتى يزدرد بعضا من ريقه . فهرول المعلم مذعورا وهو يطلب منه أن يجلس ويتكلم بهدوء حتى يفهم منه الأمر.. - مصيبة آ الأستاذ .. ضروري يجي معايا محمد سعيد للدار - علاش آولدي .. شني واقاع .. خير إن شاء الله - الواليدة ديالو مسكينة مريضة وجابولا البولانصيا ( الإسعاف ) - لا حول ولا قوة إلا بالله .. عاد كان مسكين ساكت كيخمم فيها - بصح آ الأساذ .. شوف واش يلحقا ولا ما يلحقاش .. - يا الله .. آجي آ محمد سعيد .. مشي للدار تشوف يماك .. وما تجيشي غدا خليك معاها والله يعجل بالشفا آ ولدي .. قبلت يده .. وكنا يومها نقبل يد المعلم كما الأب .. وانطلقت مع عبد الرحمن خارج الفصل نزهو فرحا - آ صاحبي انتينا خاطار .. مسخوط .. والو ما دا ما جاب تياق مسكين .. - وا .. زادك النهار دغدا فابور - ودبا شني ماش نعملو - دبا انتينا ماش تمشي للقسم دعبد اللطيف وتعاود نفس اللعيبة وانا ماش نمشي للقسم د احمد الجعواق .. صافي تفاهمنا - صافي مشات على باباها .. ضرب عليها ( ضربا العهد كفا بكف ) لم يتردد أحد من المعلمين في رفض إلتحاق العفاريت ببيوتهم بدعوى خطورة حالة أمهاتهم فتمت الخطة بنجاح وانسيابية ومكر. كيف لا وقد تفنن كل عفريت من العفاريت الأربعة في اثارة شفقة المعلمين وعطفهم .. ---------------- طنجة الساحرة , العروس النائمة بحلة الكسل .. كانت الشوارع شبه قاحلة إلا من موظف يركض نحو إدارته ونادل شبه نائم يحمل بعض كؤوس القهوة والعصير لزبناء أجانب من موظفي الأبناك والأطباء الذين كانوا يتخذون من حي البوليفار موطنا لمؤسساتهم . كانت أنوفنا الصغيرة تستنشق رائحة القهوة المحمصة ونحن نسترق النظر عبر اللوح الزجاجي لسواح يتناولون أشهى الحلويات وهم يتبادلون الحديث بصوت خافت .. - ولاد الحرام الكفار .. ما كايصوموشي - ولا آصاحبي هما ماشي واجب عليهم الصيام حيت هما نصارى - وأنا سمعت واحد الراجل كيقول فالجامع .. لي مصامش كافر .. - وعلاش دبا حنايا كفار حيت فاطرين - وحنا باقي عواول ( أطفال ) الصيام واجب على الرجال الكبار والنسا - دبا السبانيول كفار .. ؟ والفرنصيص كفار .. ؟ شكاتخربق .. !! - والله العظيم إلا سمعت الراجل كيقول لي ما صامش كافر - الصيام عند المسلمين آ الحولي شبار ( أمسك ) هز ( احمل ) هاذ السينيا د الكاوكاو .. ويا الله نضبروا على راسنا قطعنا الطريق الفاصل بين مدرسة طارق بن زياد ( مدرسة بيريي ) نحو البلايا ( الشاطئ ) قمنا بحفر كهف رملي على طرف سكة الحديد بمحاذاة رمال الشاطئ وأخفينا حقائبنا المدرسية وغيرنا ثياب الفصل الزرقاء بثياب تليق بالباعة المتجولين. - كاوكاو .. كاوكاو ... ها البيان .. سخوووون - بشحال البيان آ العايل - خمسة .. خمسة .. فرانك آ الواليدة ... - وشعاندو هايدا محروق - هاذاك غير اللون داللذة آ الشريفة .. قشر .. قشر .. وجرب .. - آ وعدي شماش نقشر الله يقشرليك الجلدة .. أنا صايمة الله يقبل - أو ملي إنتينا صايمة علاش كتسقسي ( تسألين ) على الثمان - مشي ليلي ( ليس لي ) للعواول آ المسخوط - أنا مرضي .. - لا .. باينا عليك .. المرضيين كا يقراو دابا .. انتينا باينا من هدوك الكوسالا ... - ودابا ماش تشري ولا نمشي .. - يا الله آرا وحد العشرة فرانك - كاوكاو .. كاوكاو .. ها البيان .. ها البيان سخون ... كاوكاو .. كاوكاو .. ها البيان .. ها البيان سخون بدأ القطار يتحرك .. كان كل واحد منا ينفرد بعربة من عرباته لبيع بضاعته .. تسارعنا نحو الباب فلم يسعفنا الوقت .. فزحام الممرات حال دون نزول أي منا قبل أن ينطلق متجها نحو مدينة أزايلا ( أصيلة ) .. بدانا نصرخ ونطلب من الحراس أن يوقفوا القطار لكي نتمكن من الهبوط .. فأفهمونا بأن الأمر ليس بهذه السهولة .. فالقطار لا يمكن أن يتوقف لأنه مرتبط بمواعيد وصول وخروج قطارات أخرى في نفس الإتجاه - خاصكوم تنزلوا فالمحطة دأزايلا آ العواول .. ولكن قبل ما تنزلوا ولابدا تخلصوا المركوب .. ولازم نسلموكوم للجادارميا .. باش واليديكم هما يخلصو .. واش فهامتو - والدينا ؟؟؟ - ايه .. والديكوم .. أدركت أن المصيبة وقعت .. وأننا سوف نؤدي ضريبة الكذب في أول يوم من أيام رمضان وصل القطار إلى مدينة أصيلا .. فمسك بنا الحراس وسلمونا لأحد عناصر الدرك الملكي .. كان طويل القامة .. حاد النظرات ويتكلم الفرنسية بطلاقة .. وكان فاجرا في عباراته .. عدواني ووقح لكننا كنا نتنافس لإقناعه بأننا لسنا مشردين .. حاول عبد الرحمن أن يقنعه بأنه يعمل ليعول أمه المريضة .. فيما ادعيت أنني يتيم الأبوين وأنني أعيش مع زوج خالتي الجبار .. السكير. كان أحمد الجعواق ( الكثير الصراخ ) وعبد اللطيف التيرا ( النحس ) يتابعان الأحداث في صمت واندهاش .. فلا قدرة لهما على مسايرة إبداعتنا أنا وعيد الرحمن في التمثيل والكذب. - اركب .. يا الله - الله يرحم باباك آ الشريف .. والله .. ما نعاودو .. - ما بغيت نسمع حتى كلمة .. ركبو وسكتو ولا ماش نكتفكوم بأربعة بيكم ---------------- تكومنا في غرفة مكتب أحد مسؤولي الدرك الملكي .. وكلنا نتابع تحركات الضباط .. ببذلهم الرمادية .. وكلما مر بنا أحدهم .. كنا نمسك به ونترجاه أن يطلق سراحنا .. لكن دون جدوى . دون جدوى .. سمعت أحدهم يقول بأن رجل شرطة بمدينة طنجة يبحث عن إبنه الذي هرب من المدرسة. ( التفت الي عبد الرحمان وهو يصيح متهما ) - وا صاحبي هاذا ما يكون غير باباك .. - بابا .. ولكن بابا .. ما كايجي حتا للجوج - ما نعراف .. شني وقع .. يمكن المدير شافنا وحنا هربانين ولا شافنا وحنا كنفرحو لم تمضي سوى ساعات على حالنا هذا .. حتى تناهى لمسامعنا صراخ والدي وهو يتحدث مع أحد رجال الدرك - والله يا باباهوم حتى ندفنهوم هنا .. فاين هما .. فاين هما الجنون - الله يهديك آ الشاف .. راهوم غير دراري , عواول صغار - هادو عواول .. هادو شياطين الإنس .. هادو إبليس وعائلتو فهمنا فيما بعد أن المعلمين أخبروا المدير بغياب كل واحد منا .. كل على حدة .. حالة إجتماعية مؤلمة تتكرر في المدرسة في نفس اليوم ؟؟ وفي نفس الساعة ؟؟!! ثلاثة أطفال بثلاث أمهات مريضات وبنفس القصة !!؟؟.. استغرب السيد المدير أن يكون سبب خروج كل واحد منا هو مرض الأم المفاجئ ولم تنطلي عليه الحيلة خصوصا بعد أن لمحنا ونحن نتعانق فرحا في ساحة المدرس قبل الهروب.. فخابر والدي هاتفيا بقسم الشرطة المركزي .. ولكم أن تتخيلوا ما حدث. كنت معلقا من قدماي ورأسي يتدلى الى الأسفل وأنا أتسلى بمحاولة أن ألمس بلساني الأرض .. وكأنني متعود على المكان والطريقة والسيرفس ( الخدمة التأديبية الجيدة ) سمعت صوت عبد اللطيف وهو يصرخ في بيته ووالده ينهال عليه بالحزام الجلدي .. فيما كان أبي يتناول وجبة الإفطار بهدوء بعد أن علقني في انتظار الوليمة الكبرى. ولكم أن تتخيلوا شكلي ولون قدماي وأنا ممدد فوق فراش جدتي رقية رحمها الله وهي تبكي وتلعن أبي على فعلته تارة وتارة أخرى تصرخ في وجهي وتقول: - إيوا كول يا باباك .. هاذا هو سهم لي كايعمل فعايل الجنون والعفاريت والشياطين .. إيوا دبا كمد على قلبك هاد الطريحة لي كليتي .. الله ينعلها نقلة .. أنت آ وليدي محال واش من بنادم .. أنا وحد العقل كيقولي إنتينا آ بني من هاذوك " بسم الله الرحمان الرحيم " .. غير قولي شكون لي مسلطك عليا انتينا وهذاك باباك الله يخليكم بالخلا بجوج.. وتجر تلابيبا لباسها الطويل وتتوجه نحو غرفتها لتعتصم وتصلي الله من أجل أن يحفظ العفريت محمد سعيد وكل أبناء وأطفال عبا الله كفا أجمعين من كل مكروه. صفحة الكاتب: www.acradiousa.com