الحلقة السادسة كان المعلم رحمه الله يتفحص وجه العفريت وهذا الأخير يبحلق فيه بعينين جاحضتين وكأنه مقبل على مصيرمحتوم ، تسلمه من جدته، بعد أن اكتشفت حقيقة ما فعل بكتاب العربية .. وكانت رحمها تعتبر كل ما هو مكتوب بالعربي قرآن .. ولطالما رآها وهي تقبل ورقة ما وتضعها على الرف .. إلتفتت إلي وهي تكاد تنفجر من الغضب. - وزايدها بالمسخ .. آ الممسوخ .. كتمسح دقمك ( فمك ) بالقرقان ( القرآن ) - أ لآ آ العزيزة هذاك ما شي القرآن .. غير المطالعة والله العظيم - كيفاش .. ماشي العربية هذيك ؟ - وا ييه بلاحق .. راه ماشي القرآن - دبا نتينا ماش توريني فيك .. ؟؟ قطعتي الكتاب دالعربية ولا لا ؟ - وقطعتو .. حيت حنا قرينا ديكشي لي مكتوب فيه صافي .. كوزناه شحال هاذي - صبر يا باباك حتى ترجع لدار ونوريك .. والله حتى نقطع لباباك لحمك .. وانت آسيدي الله يرحم باباك .. ضرب ووزن .. وعرف فاين تضرب. أدرك العفريت أن الأمر قد دخل مرحلة الخطر وانه بفقدان حماية العزيزة رقية قد يواجه جحيم العقوبات المتكررة من قبل والده والمعلم. حاول التركيز في الدراسة لعله ينسى ما ينتظره في البيت لكن دون جدوى. إقترب المعلم من العفريت وهو يبتسم بسخرية لاذعة - جبتي لي لالاك باش تضربني ؟ - هاذيك ماشي لا لا هاذيك العزيزة رقية .. يماه دبا - ماشي مهم .. دابا من اليوم فصاعدا أي غلط بتحميلة .. أنت نهايتك ماش تكون الطرد وعلى يدي إن شاء الله .. رن جرس المدرسة وكم كره العفريت أن يرن ، تمنى لو لم تنتهي الحصة فقد كان الخوف يتملكه من كل جانب ، الأب وتوعداته والجدة بتوعداتها ، والمعلم وتوعداته .. ما عساه فاعل في وجه كل هؤلاء. خرج من باب المدرسة ولم يلفي يمنة أو يسارا إتجه مسرعا نحو مقر عمل زوج عمته فاطمة الذي كان ولا يزال يناديه " عمي محمد " والذي كان يعمل بورشة لصباغة وصيانة سيارات الفورد بمدبنة طنجة تسمى كاراج أونيفرسال بشارع البوليفار .. قصده من أجل الحماية. وكان يعلم أن الرجل بقلبه الطيب لا يمكن أن يرد له طلبا .. على الرغم من حزمه وصرامته في تربية أطفاله. - عمي - شني كتعمل هنايا ..؟ بسم الله الرحمن الرحيم !! مناين جيتي .. ؟ ما جاش موراك باباك ؟ - لا .. لا .. أنا متسنيتوشي ليوما .. حيت إلى داني للدار .. العزيزة حالفا فيا وهو حالف فيا .. ودابا جيت باش نمشي معاك لعند الدار دعمتي فاطمة. - تمشي معايا للدار ؟؟ يا هاذ البلا .. عمتك لي عندا يكفيوها .. وباباك دابا راه ماش يكون كيحمق عليك .. - ولا .. أنا ما ماشيشي للدار دبالفوري .. آعمي محمد الله يرحم يماك .. ماش يقتلوني .. حيت .. - اسكوت .. زيد قدامي .. نشوف بعدا باباك فاين هو .. يا لطيف .. يا لطيف كان العم محمد عنوان الصرامة والحنو معا.. العطف والإتزان في تمازج .. رجل كرس كل حياته في خدمة أولاده وتربيتهم بما يرضي الله .. لم يكن يضيع صلاة ولم تتجاوز إبتسامته حدود الأدب . لكنه كان يخفي وراء تلك الصرامة قلبا عطوفا وجوهرا نظيفا من طينة آباء الزمن الجميل. أحس العفريت يومها أن زوج عمته قد أدرك خطورة ما هو مقبل عليه .. لذا تركه داخل سيارة من سيارات العمل .. واتجه نحو والده الذي كاد يجن عندما فرغت المدرسة من كل التلاميذ ولم يجد لي أثرا. - شعاندك آ ولد خالتي .. على من كتفتش ؟ - العايل آولد خالتي ما جبرتوشي .. تلف ولا سرقوه .. فتشت البوليبار كامل وقلت مع بالي يمكن باقي فالمدرسة ولا ناعس فشي ركنة - لا .. غير تهدن آولد خالتي .. العايل ها هو عندي فالطوموبيل .. - وشني كايعمل عندك .. فاين جبرتيه ؟ - جا لعندي للكاراج حيت خوفان منك ومن خالتي رقية تضربو - يما .. تضربو ؟؟ واش هذا عقلك ياولد خالتي .. هي ما كتخلي حتى واحد يمد يدو عليه - والمهم دبا .. الضرب ما شي هو الحل .. الترابي آولد خالتي كتكون بالهضرة والتفاهم .. باش العايل ما يخافشي .. ويعمل فراسو شي موصيبة - فاين هو .. آراه ؟ - لا .. غير خليه ليوما عندي .. ماش نديه يتغدى مع العيال ونرجعو للمدرسة - خاليني غير نهضر معاه كان العفريت يتابع حديثه زوج عمته مع أبيه من شباك السيارة المفتوح .. ولما أيقن انا والده لا محالة ماسك به .. فتح باب السيارة الخلفي وتسلل على ركبتيه نحو صندوق السيارة الخلفي فتح الغطاء ووضع حقيبته المدرسة والتي كان أخطر ما يخشاه هو أن تقع في يد أبيه فيكتشف حجم الفضائح والمصائب التي يحملها معه إلى المدرسة . سلك نحاسي ، أربع أحجار .. ( الصمة ) ، جباد صغير .. لم يستعمله بعد .. والسيف القصديري الذي صنعه إستعدادا لمعركة جدته مع المعلم وهي المعركة التي انقلب فيها السحر على الساحر .. ما كان لأبيه أن يصدق عقله لو رأى طائر البرطال حيا في ركن من أركان المحفظة وقد تحولت إلى وكر لكل أعمال العفاريت. دخل في صندوق السيارة بهدوء وأقفل الباب عليه من الداخل .. أحس ببعض الأمان .. ومازال صوت أبيه وزوج عمته يتناهى لسمعه .. - فاين هو أولد خالتي واش كتمزح معايا - أنا خليتو فالطوموبيلا .. عاد هاذي دقيقة .. جا عندي للكراج كيبكي .. قالي إنتينا ماش تضربو والعزيزاه حتى هي .. - فاين مشا ؟ دابا وكان ؟؟ ياك قلتي عندك ؟؟!! فاين هو؟؟ دابا يكون مشا عندكوم للحومة دبرجيكا ( حومة بلجيكا ) ؟؟ أحس العفريت بسيارة زوج عمته تتحرك .. كان يسمعه وهو يتمتم مع نفسه - بسم الله الرحمن الرحيم .. فاين مشا هاذ البلا المسلط كان العفريت يتخيل الطريق الذي يسلكه العم محمد .. انكمش في ظلام صندوق السيارة الخلفي وهو يستنجد ببعض الهواء الذي كان يتسرب بكثرة من فتحات متعرجة في أعلى الغطاء. كانت سياقة عمي محمد زوج العمة فاطمة مثالا يقتدى به فالرجل شرب فن سياقة السيارات على يد أحسن المعلمين الأجانب في حقبتها التي كانت تخضع فيها للنظام الدولي . وبفضل حبه الشديد للإتقان بات أبرع سائق في كل مدينة طنجة وبرها. كان يقود بسرعة جنونية لكنه كمن يغزل الشوارع بالصوف كانت السيارة تنساب في يده بحكمة وموهبة ربانية وهو يكرر عبارة : - بسم الله الرحمن الرحيم .. يا لطيف ألطف .. بدات سرعة السيارة تقل وفجأة توقف المحرك .. ليسمع صوت زوجه عمته وهو يصيح - واش جا سعيد د الوافي لعندنا ؟ (سأل كبرى بناته لطيفة ) - لا .. أ با .. شني وقع - آعمي ... ها أنا هنا .. واااااا عمي ( صالح العفريت ) أنا فالماليطا دطوموبيل أعمي افتحلي .. صرخ العفريت بأقوى ما يملك من جهد .. فقد تمكن أخيرا من بلوغ بيت عمته وبكل تأكيد لن تصله يد والده ما دام في حمايتها. - طلع للدار .. الله يلعنها سلعة .. انت جن ماشي بنادم - وا عمي والله إلا خفت منو - طلع وخليني نمشي لعند باباك راه ماش يحمق عليك صعد العفريت درج بيت عمته فاطمة .. وكانت بدورها الصدر الحنون والقلب الرؤوف لكنها كذلك بارعة في استخدام الحزام عند الضرورة لكنه قطعا لن يكون أقسى من حزام أبيه الجلدي الأسود. استقبلته بوجهها البشوش وضحكتها الجميلة المتميزة .. ودأت تغني له أغنيتها الشهيرة - خويا سعيد ضرباتو مويي فهم العفريت أنها ترحب به .. طلبت منه غسل يديه ورجليه المتسختين لكي يتناول طعام الغذاء مع أولادها. أحس العفريت ببعض الألم في رجله وهو ينزع الحذاء .. غسل رجليه ويديه وجلس على الكرسي الخشبي داخل المطبخ ليتناول الطعام .. فإذا بجدته تفتح باب المطبخ .. وهي تصيح .. - سير يا بني .. كيف خرجتيها مني ليوما الله يخرج منك .. - الله يا يما ( صاحت عمته ) باراك من هاذ الهضرة .. جيت من بال فلوري ما هي غير خلفة دطريق - إيه خلفة دطريق بصح . خرج فيها عقلي بالبكا عليه .. ملي جا باباه كيقول بلي هرب .. أنا عرافتو عندكوم .. كيف جا بعدا ؟ - وارتاح أيما .. كلس ( إجلسي ) - الجدام الهيري هذا ماشي بنادم .. مسكت حزامها البلاستيكي واستعدت للطريحة .. لولا .. تدخل عمته فاطمة .. وبناتها ولولا إستعطافهم لها .. فتوقفت العزيزة .. وصاحت - أحيانا يا بنتي ملي ماش يشبرو باباه .. شني ماش يعملو .. انا خوفي عليه يقتلو ..خليه عنك أفاطمة هاذ الليلة الله يرضي عليك آبنتي ضحك الجميع وهم يقارنون كلام العزيزة رقية التي كانت قبل لحظات تريد ضربه فإذا بها الآن تبحث له عن مفر. وفهم العفريت أن العزيزة لن تكون سوى تلك المخلوقة التي لا يمكنها أن تتغلب على طيبوبتها. فقبل يدها واستسمحها .. وصعد إلى سطح بيت عمته وسرح بعينيه في زرقة سماء طنجة وهو يراقب من العلو الغابة والحديقة ( الجنان ) التي كانت يومها تفصل حومة بلجيكا عن حومة حسيسن غربا وعين قطيوط شمالا.. تموقع في ركن إستراتيجي فوق السطح وهو يرى زوج عمته يمسك والده من يده وهما يدخلان البيت لتناول الغذاء معا. ظل العفريت في بيته عمته بضع ليال كانت كافية لكن تنسى فضيحته ويهرب من العقاب وليبدأ التخطيط لفضيحة جديدة سأحكيها لكم لاحقا. شكرا على متابعتكم وإلى اللقاء في الحلقة القادمة للتواصل مع الكاتب عبر الفايس بوك الموقع الإلكتروني