الحلقة التاسعة طنجة 1971 إنتهز العفريت فرصة غياب المعلم فانضم إلى أقرانه الذين قرروا النزول إلى شاطئ البحر للعب كرة القدم. كانت فرحتهم لا تتخيل إذ لم يتعودوا ملامسة رمال البلايا في غير العطل الصيفية . كان العفريت يستفسر مدينته عن سر هذا السكون الغريب. فطنجة في فصل الخريف تتحول إلى مدينة مهجورة هامدة الحركة إلا من بعض السواح المتقدمين في العمر ممن يختارون زيارتها في غير فترة الذروة السياحية. كانت رائحة السمك المقلي تنبعث من المطاعم الراقية والعفريت مع رفاقه يسترقون النظر من الواجهات الزجاجية . - شوف .. شوف هذاك على طبسيل دحوت قدامو - آصاحبي .. هاديك الماكلا حرام - علاش حرام .. الحوت ماشي حرام - وشوف الردومة ( القنينة ) ديال البينو ( النبيذ ) قدامو - وتنتينا حماق العايل .. وشيني دخل البينو فالحوت - و راهوم النصارى كيطيبو الحوت بالبينو .. آ العوج - سكوت سكوت آ طرنون - والله العظيم العزيزة قالتالي اقترب الموكب من شاطئ البلايا وما هي سوى لحظات حتى انغمس الصغار في معركة مع غرباء من حي بلاصاطورو عندما حاول هؤلاء الإستيلاء على كرتهم. إستعملوا في معركتهم الحجارة والعصي والأيادي .. وتمكنوا من صد المهاجمين بعد أن تكبدوا بعض الخسائر و الخدوش. أحس العفريت بسائل ساخن يتقاطر على أسفل قميصه الأبيض - آ لطيف آخاي .. إنتينا مفلق ..( مجروح ) - فاين .. ؟ - فراسك .. ها الدم نازل !! - باقي كينزل .. شوف .. شوف .. ودابا - باقي .. قودتيها آ المسخوط - شوف .. دابا باقي كينزل ؟ - مشي مشي لعند العساس .. فالقهوة يعطيك شويش ( القليل) د تحميرا - وكتحرق - ألا آ صاحبي ما كتحرق والو .. جري جري توجه العفريت صوب أقرب مطعم .. وبلطف شديد طلب من أحد الواقفين عند بابه أن يمده ببعض مسحوق التحميرة .. ليسد به جرحه .. وكانت تلكم وسيلة ناجعة لوقف النزيف .. في طفولتنا التي لا نذكر أننا عرفنا خلالها أية رعاية طبية تليق بالآدميين. - خليني نشوف .. لا لا والو خاصك الخياطة آ ولدي .. مشي للسبيطار .. الجرحة غارقة - والله يرحم باباك آشريف غير عملي شويش دفلفلة خمرا .. وصافي - إيوا هاك دبر راسك .. وكيفاش وقعلك هادشي .. - والو كنا كنلعب الكورة وجاو شي عواول من بلاصا طورو بغاو يتعداو علينا .. ودابزنا معاهم .. إيوا وتفلقت فراسي - وفاين صباطك - خاليتو مع صوحابي عاد عفريتنا إلى رفاقه عند الشاطئ .. وفجأة إستوقفه منظر سيدة أجنبية كانت تتمدد على ظهرها وهي عارية الصدرين .. تأمل منظرها .. ثم حاول الإقتراب بدافع حب الإستطلاع وشيء من الغريزة .. بحث عن مبرر للحديث معها .. سألها بلغة إسبانية سليمة عن الساعة, فأجابته وهي تبتسم باللغة الفرنسية . ثم سألته ما سبب الدم فوق قميصه أخبرها بالأمر وهو يحملق في جسمها العاري, فقدمت له زجاجة كوكاكولا باردة أخرجتها من حقيبتها الصغيرة. كانت لطيفة جدا لكنه كان منبهرا بما يراه .. كان يكلمها وبصره يفترس أنوثتها. - أ لطيف أخاي شني شوفت ؟ - شني ؟ - هاديك النصرانية إلى ناعسة تما ما لبساشي الصوصطين , بزازلها عوريانين - بصح .. حلف ؟ - والله العظيم .. مشي تشوف تقاطر الأطفال على السائحة كل من جهة . وما يكاد يمر من أمامها الأول حتى يتبعه الثاني واعينهم الصغير مركزة على صدرها . كانت الأجنبية تبتسم لهم وهي تسألهم عن سبب وجودهم في البحر في يوم مدرسي. عادوا وتكوموا بالقرب من أحد الأسوار المحادية لفندق الموحدين, كان جل حديثهم يدور حول تلك الأجنبية العارية ولم يك معظمهم قد سبق له رؤية امرأة عارية الصدرين. تفننوا في صياغة العبارات وقد أخذت منهم الشهوة الفطرية مأخذا كبيرا. أما العفيرت فقد بدى عليه الخوف الشديد من العقوبة التي تنتظره بالبيت. فقد ضاع حذاءه الذي إختفى ولم يعد له أثر . - أصاحبي .. أنا خليت عنك الصباط وتلفتيه .. دبا كيفاش مش نرجع للدار؟ - حق ربي الحبيب .. خليتولك حدا الشبكة .. العربي كان هو البورتيرو (حارس المرمى ) هو آخر واحد جمع الحوايج - وشوفتي آ العربي .. دبا شيني ماش نقول لبا ولعزيزة .. راسي مفلق والصباط ضاع - ما تقول والو .. كول الهرماكا .. وبردها ونعس انهمك الصغار يضحكون والعفريت يبحث عن مخرج لمصيبته. ولم يجد حلا آخرا سوى التوجه إلى مكان عمل عمه السيد المفضل المريني , ومن غيره قادر على تدبير أمر حذائه .أليس عمي مفضل هو مصر كل أحذية العفريت وإخوته؟ تفرق الأطفال كل نحو وجهته فيما حمل العفريت محفظته وصعد نحو السوق الداخل حافي القدمين. طرق باب المخزن الكبير ( المعمل ) فسمع صوت عمه وصديق والده: - شكون .. زيد - أنا .. عمي مفضل هذا أنا - شيني جابك دابا .. ؟ كيفاش وصلتي لهنا ؟ شعاند .. الله الله .. شعاند راسك بالدم وحوايجك .. شيني وقعلك ؟!! - والو .. غير الأساذ ما جاشي . أو ملي خرجنا من المدرسة تعرضو لي شي عواول وهرموني بالحجار وسرقولي الصباط - صافي .. غير نتينا ماشي وهما تعداو عليك ؟ - صافي .. حق الجامع الحبيبة - جلس .. جلس .. هاك مسح وجهك من الدم . دابا تشوف شني ماش يعملك باباك .. - الله يرحم والديك آعمي .. عدلي شي صباط .. ياك انتينا معلم مخير - معلم مخير .. شيني دابا .. كتدورني فاللومبوط .. كتطور عليا .. صبر صبر دابا نشوفو صمت العفريت وهو يتأمل قسمات وجه عمه السيد المفضل فماذ سيفعل .. ؟ هل سيتركه يمشي حافي القدمين إلى غاية حي بال فلوري ؟ أم أنه سيشفق عليه بحذاء من مقاسه ؟ وهل سيتمكن من إخفاء الجرح الذي برأسه خوفا من أبيه ؟ ذلك ما سأحكيه لكم في الحلقة القادمة شكرا على متابعتكم وإلى اللقاء للتواصل مع الكاتب عبر الفايس بوك الموقع الإلكتروني