لقد عرفت إسبانيا يوم الأحد 24 ماي 2015 انتخابات بلدية وجهوية ،وتأتي هذه الانتخابات في ظرفية اقتصادية خاصة، وفي مرحلة تميزت بالعديد من المعطيات أهمها الانتقادات التي وجهت للحكومة الحالية والسياسة التقشفية التي تتبعها ،كما تميزت هذه المرحلة بالعديد من التجاذبات السياسية ما بين قوى سياسية صاعدة تطمح للتغيير ،وأحزاب كلاسيكية سئم المواطن الإسباني من احتكارها لتدبير الشأن العام ،وارتباطها بالعديد من فضائح الفساد والرشوة، هذا الأمر كانت له تداعيات خصوصا بعد النتائج النهائية المعلن عنها بخصوص الانتخابات الجهوية والبلدية بإسبانيا، والتي جاءت عكس انتخابات 2011 التي كان قد حصل فيها الحزب الشعبي على فوز كبير بحيث حصل على 37,53 بالمائة من الأصوات ،ولكن انتخابات 24 ماي أعطت درسا للأحزاب التقليدية ،وكانت نتائجها صادمة بالنسبة للحزب الشعبي الذي حصل على 27,03 ./. وذلك بحصوله على 6.032.496 من الأصوات المعبر عنها و 22550 مستشار ،وقد فقد الحزب في هذه الانتخابات ما يقرب عن 600 ألف ناخب مقارنة مع انتخابات سنة 2011،وهو بذلك قد يكون قد خسر الاغلبية التي كان قد حصل عليها في انتخابات 2011 . ويرجع المهتمون هزيمة الحزب الشعبي في هذه الانتخابات إلى السياسة التقشفية التي نهجها خصوصا على مستوى القطاعات الاجتماعية والحيوية كقطاع التعليم وقطاع الصحة ،ثم كذلك فضائح الفساد التي مست العديد من أعضاء الحزب الشعبي ،بل الأكثر من هذا، أن الحزب الشعبي مني بهزيمة ونكسة خطيرة في أهم معاقله التقليدية كما هو الحال بالنسبة لمدريد وبلنسية ،حيث تم تجاوزه من طرف التيارات الصاعدة وحركة الغاضبين التي باتت قريبة من إزاحة الحزب الشعبي من الحكم في العاصمة مدريد. أولا: أحزاب وتيارات صاعدة قادرة على قلب المشهد السياسي الإسباني وإعادة ترتيبه انطلاقا من نتائج هذه الانتخابات ،يبدو أن الحزب الشعبي الذي كان يسيطر على أهم الجهات في إسبانيا وغالبية البلديات والأقاليم ،فإنه انطلاقا من هذه الانتخابات لم يبقى تحت سيطرته إلا ثلاث جهات وهي قشتالة وليون ولاريوخا ومورسية، فيما خسر الأغلبية المطلقة في أربع جهات وهي كانتا بريا وكاستيا ولامنشا وبلنسية ومدريد . وقد يضطر للانتقال للمعارضة في حالة تحالف اليسار في جهات أرغون واكسترمادورا وجزر البليار ،كما أن الناخبون في إسبانيا لم يفوتوا الفرصة ليعاقبوا كذلك حتى الحزب العمالي الاشتراكي . أبرز أحزاب المعارضة ،الذي أحرز على 25,04./. من الأصوات وذلك بتراجع نقطتين مقارنة مع انتخابات 2011 ،لكن المفاجأة التي عرفتها هذه الانتخابات هو صعود أحزاب جديدة وتيارات صاعدة ظهرت مؤخرا في إسبانيا ،وهي جاءت على أساس التغيير وبنت تصوراتها على رؤية تجديدية تنطلق من انتقادها لكل السياسات المنتهجة أو التي سبق أن تم انتهاجها من طرف الحزب الشعبي اليميني ،أو حتى من طرف الحزب العمالي الاشتراكي، كما أن هذه الأحزاب جاءت على أنقاض الأزمة المالية الاقتصادية التي تعرفها إسبانيا ،والتي وجهت بخصوصها هذه الأحزاب انتقادات لاذعة للحزب الحاكم وهو الحزب الشعبي الذي عجز عن إيجاد حلول لهذه الأزمة التي شردت العديد من العائلات الإسبانية ، كما أثبتت عدم قدرة الحزب الحاكم ومن خلاله الحكومة على وضع حلول ناجعة لهذه الأزمة. وقد جاءت معظم هذه التيارات من احزاب اليسار وحتى من اليمين،،وأهم هذه التيارات " " بحيث خلق كل من حزب مواطنون ciudadanos و" قادرون PODEMOS" المفاجأة الكبيرة لحصوله على 6,55 ./. من الأصوات المعبر عنها متقدماciudadanos " على اليسار الموحد الذي أصبح القوة السياسية الرابعة في البلاد ،وقد عمل حزب سيودادنوس انطلاقا من هذه النتائج التي حصل عليها على خلط الأوراق ،بحيث سيصبح رقما مهما ومعادلة صعبة في التحالفات المقبلة في عدد من الجهات بإسبانيا حسب نتائج الانتخابات الجهوية المحصل عليها. كما أن المرشحون المستقلون والمدعومون من حركة بوديموس اليسارية بمعية حركة سيودادنوس ذات التوجه اليميني المعتدل ، وانطلاقا من هذه النتائج نجدها سيطرت على غالبية المجالسة البلدية والإقليمية ،وبات بإمكانهم قيادة هذه المجالس في حال تحالفهما ضد النواب اليمينيين والاشتراكيين. وما يمكن استنتاجه واستخلاصه من هذه الانتخابات هو انتهاء هيمنة الحزبين التقليديين في إسبانيا وهما الحزب الشعبي والحزب العمالي الاشتراكي على الانتخابات الجهوية والانتخابات البلدية والإقليمية ،ووصول أحزاب سياسية صاعدة جديدة مثل حزب" قادرون " (حزب يساري ) وحزب "المواطنون" (حزب الوسط ) «المواطنون Podemos اللذين قلبا المشهد السياسي ،واصبحا هذين الحزبين قوة محددة للمشهد السياسي وتركيبة المجالس الجهوية والجماعية المقبلة .وقد صوت الناخبون الأحد في الانتخابات الإقليمية والبلدية وهم يرغبون في أن يعيدوا رسم المشهد السياسي وتركيبة المجالس الجهوية والجماعية .كما أن هذا التصويت كان يرغب منه الناخبون الإسبان إعادة رسم المشهد السياسي الوطني الإسباني ،الذي يسيطر عليه الحزب الشعبي ،وذلك من خلال تمكين الأحزاب الصاعدة وجيل جديد شاب يتطلع إلى التغيير من المسؤولية على مستوى هذه المجالس. ثانيا : العبر التي يمكن استخلاصها من الانتخابات الجهوية والبلدية بإسبانيا إن العبر التي يمكن استخلاصها من الانتخابات الجهوية والبلدية بإسبانيا كثيرة ،فإذا قمنا بتحليل الأرقام التي حصلت عليها كل الأحزاب والتي تبين تراجع كل من حزب اليمين بشكل كبير. وتأتي هذه الانتخابات بعد الازمة التي أسفرت عن العديد من الصدمات و التي لم يتم معالجتها عن طريق الانتعاش التي بدأت تعرفه إسبانيا خلال سنة 2014 بحيث وصل النمو بها إلى 1,4./. وكانت نتيجة هذه الأزمة هو ارتفاع البطالة في صفوف الشباب ،مما جعل العديد منهم يهاجر هاربا منها ،وقد وصلت نسبة البطالة من الشباب 23,7./. بالإضافة إلى السياسة التقشفية التي نهجتها الحكومة التي يترأسها الحزب الشعبي ،وظهور إلى السطح بعض مظاهر الفساد التي تورط فيها العديد من أعضاء الحزب الشعبي اليميني، كل هذا كان كافيا، لكي يطاب العديد من المواطنين بالتغيير ومنح جيل جديد من الشباب الثقة لكي يتحملوا المسؤولية. ومن هنا يمكن أن نتساءل عن العبر التي يمكن استخلاصها من الانتخابات الجهوية والبلدية الأخيرة في إسبانيا؟ خصوصا وأن المغرب مقبل على انتخابات جهوية وبلدية في شتنبر المقبل ،في ظرفية تتميز بالعديد من المعطيات أهمها التدافع القوي ما بين الأغلبية بزعامة حزب العدالة والتنمية الذي يترأس الحكومة ،والذي يسعى إلى الحصول على الاغلبية على مستوى المجالس البلدية والجهوية، والمعارضة التي تعتبر أن هذه الحكومة ارتكبت أخطاء كبيرة ، من خلال انتهاجها لسياسة تقشفية ساهمت في تراجع مستوى عيش المواطنين، كما أرهقت كاهل المواطنين بالزيادات المتتالية سواء على مستوى المواد الغذائية، أو على مستوى مواد البنزين، رغم انخفاض ثمن برميل البترول على المستوى الدولي. كما أن الحكومة الحالية لم تستطع إيجاد الحلول للبطالة ،خاصة بطالة أصحاب الشواهد التي أصبحت في ارتفاع مستمر ،بل أن الحكومة الحالية أوقفت محضرا لتوظيف المعطلين الذي تم توقيعه من طرف الوزير الاول السابق ،وعدم قدرتها على وضع حد لمظاهر الفساد ومحاربته التي تغنت به كثيرا حينما كانت في المعارضة ،وفشلها كذلك في وضع حد لمظاهر اقتصاد الريع ،وعجزها عن إيجاد حلول ناجعة لحل الأزمة المالية ،التي بدأت ظلالها تخيم على المغرب ،فهذه الحكومة لم تجد إلا جيب المواطنين عن طريق الزيادات في الأسعار لحل هذه الأزمة عوض ابتكار الحلول و استقطاب الاستثمارات الدولية و تشجيع الاستثمار الوطني لرفع نسبة النمو للخروج من الأزمة ،كما أنها لم تفي بالوعود التي قطعتها على نفسها أثناء الحملة الانتخابية، وهذا ما يجعلنا نقارب ونشابه ما بين الحكومة الإسبانية التي يقودها الحزب الشعبي اليميني، وحكومة عبد الإله بنكيران . كما أن السياسة التي نهجتها الحكومة الإسبانية في العديد من المجالات، خصوصا ما يتعلق بالساسة التقشفية ،وتجميد الوظائف ،تجميد الأجور وغيرها من الإجراءات الأخرى ،التي كانت لها آثار سلبية على حياة المواطن الإسباني، مما جعل المواطن الإسباني يعاقب الحزب الشعبي على هذه السياسة التقشفية التي انتهجها وأضرت بالمواطن. نفس المعطيات التي أطرت سياسة الحكومة الإسبانية نجدها أطرت سياسة حكومة عبد الإله بنكيران مما يجعلنا نطرح التساؤلات التالية هل يمكن أن يحدث هذا في الانتخابات الجماعية والجهوية المقبل في المغرب؟ وهل سيعاقب الحزب الذي يترأس الحكومة انطلاقا من السياسة التقشفية التي نهجها والتي أضرت بأصحاب الدخل المحدود؟ هل لدينا تيارات صاعدة في المغرب قادرة على خلق بديل جديد لهذه الاحزاب التقليدية التي توالت على تدبير الشأن العام سواء الوطني أو المحلي ؟ هل يمكن أن يكون لدينا تيارات مثل بوديموس وسيودادانوس قادرون على خلق بديل وإقناع المواطنين للتصويت عليهم في الانتخابات المقبلة بالمغرب؟ هل أحزابنا لها القدرة والجرأة السياسية أن تقدم وجوها جديدة لم يسبق لها أن تحملت المسؤولية قادرة أن تجدد وأن تخلخل المشهد السياسي ،وان تغير خريطته وأن تطرح البديل كما فعلت بوديموس وسيودادنوس؟ إن الحل للعديد من الإشكاليات الجوهرية على مستوى الجهات والبلديات ،خصوصا وان هناك نصوص تنظيمية تتعلق بالجماعات الترابية صادق عليها مجلس النواب ومجلس المستشارين وهي الآن في طريقها إلى النشر بعدما تم إدخال بعض التعديلات التي تم اقتراحها، و التي تحتوي على مضامين جديدة ومهمة ،حاولت أن تجد إيجابات قانونية على العديد من الإشكاليات، فهذه القوانين التنظيمية تتطلب نخبا جديدة قادرة على استيعاب مضامينها . فهل احزابنا استفادت من درس الانتخابات الجهوية والبلدية بإسبانيا ؟ -أستاذ القانون العام بجامعة عبد المالك السعدي