قالت مصادر من الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، أبرز أحزاب المعارضة، إن هذا الأخير سيبدأ "في الأيام المقبلة" مفاوضات مع حزبي بوديموس (يسار) وسيودادنوس (وسط) لإقامة تحالفات، وذلك غداة الانتخابات البلدية والجهوية التي جرت يوم الأحد المنصرم بإسبانيا، والتي تميزت بتراجع الحزب الشعبي (الحاكم) من حيث عدد الأصوات. وأوضحت المصادر ذاتها أن بيدرو سانشيز، الأمين العام للحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، الذي حصل على 25,15 بالمائة من الأصوات، عبر يوم الاثنين عن نيته الاتصال بزعيمي بوديموس، بابلو اغليسياس، وسيودادنوس، ألبرت ريفيرا، لعرض "طريق للتفاهم في مواجهة المشهد السياسي الجديد". وتابعت هذه المصادر أن مبادرة بيدرو سانشيز، الذي تعهد يوم الأحد، بقيادة تشكيلات الحكومات اليسارية في البلديات والجهات الإسبانية، يهدف إلى بناء الجسور مع "الأحزاب الداعية للتغيير"، التي أبرزتها صناديق الاقتراع. كما ينوي الزعيم الاشتراكي دعوة قادة اليسار الموحد والقوى السياسية الأخرى التي حققت نتائج جيدة في البلديات الكبرى والجهات، مستبعدا، في المقابل، أي اتصال بزعيم الحزب الشعبي، رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، الذي يرى سانشيز أن "نهايته قريبة جدا" في رئاسة الحكومة. ومن جهته، أشار الأمين العام لحزب بوديموس، بابلو اغليسياس، إلى أن حزبه "منفتح على التفاوض مع الجميع"، لكن فقط أولئك "الذين لا يتسامحون مع الفساد" ويراهنون على الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والحد من سياسات خفض الميزانية. وذكر إغليسياس، الذي أكد أن الإسبان "لم يصوتوا على اتفاق ولكن من أجل التغيير"، أنه يتعين على الذين يتبنون سياسات التقشف أن ينعطفوا ب180 درجة للتفاهم مع حزبه بوديموس، المنبثق عن حركة "الغاضبون". أما ألبرت ريفيرا، زعيم سيودادنوس، الذي تأسس سنة 2006 وأضحى ثالث قوة سياسية بحصوله على 6,55 من الأصوات في انتخابات الأحد، فقال إنه "مستعد" للحوار مع الأحزاب الأخرى "من أجل حكامة إسبانيا لكن بطريقة مختلفة"، مشددا على أن حزبه سيشترط "التجديد السياسي والانتعاش الاقتصادي والاجتماعي" في الجهات التي يتوقف تشكيل الحكومة على حزبه. ويعتبر الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، الذي منح مرشحيه البلديين والجهويين حرية الدخول في تحالفات مع بوديموس أو سيودادنوس، أنه من الضروري فتح حوار مع زعيمي الحزبين على المستوى الوطني من أجل "تعزيز مسلسل التغيير" الذي انطلق في اسبانيا. وبحسب النتائج الرسمية التي نشرت مساء الأحد، فإن الحزب الشعبي بزعامة ماريانو راخوي حصل على 26,87 بالمائة من الأصوات المعبر عنها، متبوعا بالحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (معارضة)، بقيادة بيدرو سانشيز، ب 25,15 بالمائة، ثم حزب سيودادنوس، بزعامة الشاب الكاطالوني ألبير ريفيرا، ب6,54 بالمائة من الأصوات. وخلق هذا الحزب الأخير المفاجأة في هذه الاستحقاقات البلدية والجهوية باحتلاله المركز الثالث وحصوله على 6,55 بالمائة من الأصوات المعبر عنها، متقدما على اليسار الموحد، الذي أصبح القوة السياسية الرابعة في البلاد. وحلحل حزب سيودادنوس، الذي أسسه سنة 2006 ببرشلونة المحامي الشاب ألبر ريفيرا، المشهد السياسي التقليدي، وسيصبح بالتالي رقما مهما في التحالفات المقبلة لتشكيل الحكومات في عدد من جهات إسبانيا، بحسب المحللين. ويبدو أن الحزب الشعبي، الذي حقق فوزا كبيرا في الانتخابات البلدية والجهوية لسنة 2011 بإحرازه على 37,53 في المائة من الأصوات، عوقب من قبل الناخبين بسبب سياسات التقشف التي نهجها وخفض ميزانيات قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم، وسلسلة فضائح الفساد التي مست العديد من أعضائه. ولم يتمكن الحزب الشعبي من الحصول على الأغلبية المطلقة في العديد من الجهات بما يمكنه من مواجهة الانتخابات العامة المقبلة المقررة متم السنة الجارية بثقة أكبر، بل إنه خسر نحو 2,5 مليون صوت و4000 مستشارا مقارنة مع انتخابات سنة 2011. كما أن هذا الحزب المحافظ مني بنكسة خطيرة في العديد من معاقله التقليدية، كما هو الحال في مدريد وبلنسية حيث تم تجاوزه من قبل قوائم حركة "الغاضبين"، التي باتت تتوفر على حظوظ أوفر لإزاحة الشعبيين من الحكم بالعاصمة الإسبانية. وبمجرد انتهاء اقتراع الأحد، تأكد أن الحزب الشعبي لن يبقى في السلطة إلا في ثلاث جهات، هي قشتالة وليون، ولاريوخا، ومورسية، فيما خسر الأغلبية المطلقة في أربع جهات هي كانتابريا وكاستيا لا مانشا وبلنسية ومدريد، وقد يضطر للانتقال إلى المعارضة، في حال تكوين تحالف يساري في جهات أرغون وإكستريمادورا وجزر البليار. ويبدو أن الانتخابات البلدية والجهوية، التي جرت يوم الأحد بإسبانيا، أكدت تحولا جذريا في المشهد السياسي، ووضعت نهاية للثنائية الحزبية التي سادت في هذا البلد الإيبيري منذ سنة 1978. كما أن استحقاقات الأحد، وهي العاشرة من نوعها في تاريخ الديمقراطية الإسبانية، زادت من الشكوك بخصوص الخريطة السياسية في هذا البلد في أفق الانتخابات التشريعية المقررة في الخريف المقبل.