فاز الحزب الشعبي الحاكم بإسبانيا في الانتخابات البلدية والجهوية التي جرت أول أمس الأحد، لكنه حقق أسوأ نتيجة انتخابية خلال 24 سنة، بخسارته عشر نقاط مقارنة بانتخابات 1991. فبحسب النتائج الرسمية التي نشرت مساء الاحد، فاز الحزب الشعبي، بزعامة رئيس الحكومة ماريانو راخوي، ب 27,03 بالمائة من الأصوات على المستوى الوطني، متقدما بفارق ضئيل على غريمه التقليدي، الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (معارضة)، الذي حصل على 25,04 بالمائة من الأصوات. ويبدو أن الناخبين عاقبوا الحزب الشعبي، الذي حقق فوزا كبيرا في الانتخابات البلدية والجهوية لسنة 2011 بحصوله على 37,53 بالمائة من الأصوات، على سياسته التقشفية، وخفضه ميزانيات قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم، وفضائح الفساد التي مست عددا من أعضاء هذه الهيئة السياسية الحاكمة بإسبانيا منذ أربع سنوات. ولم يتمكن الحزب الشعبي من الحصول على الأغلبية المطلقة في العديد من الجهات التي تمكنه من مواجهة الانتخابات العامة المقبلة المقررة متم السنة الجارية بثقة أكبر، بل إنه خسر نحو 2,5 مليون صوت و 4000 مستشار مقارنة مع انتخابات سنة 2011. كما أن هذا الحزب المحافظ مني بنكسة خطيرة في العديد من معاقله التقليدية كما هو الحال في مدريد وبلنسية، حيث تم تجاوزه من قبل قوائم حركة «الغاضبين»، التي باتت تتوفر على حظوظ أوفر لإزاحة الشعبيين من الحكم بالعاصمة الإسبانية. وعند انتهاء اقتراع الأحد، تأكد أن الحزب الشعبي لن يبقى في السلطة إلا في ثلاث جهات، هي قشتالة وليون، ولاريوخا، ومورسية، فيما خسر الأغلبية المطلقة في أربع جهات هي كانتابريا وكاستيا لا مانشا وبلنسية ومدريد، وقد يضطر للانتقال إلى المعارضة، في حال تكوين تحالف يساري في جهات أرغون وإكستريمادورا وجزر البليار. وبمدريد، معقل الشعبيين منذ سنة 1991 ومهد حركة «الغاضبين»، فإن الحزب الشعبي، الذي بالكاد جاء في مقدمة الترتيب في اقتراع أمس، قد يخسر لفائدة تحالف اليسار «أورا مدريد» (مدريد الآن) بزعامة القاضية السابقة مانويلا كارمينا المدعومة من قبل حزب بوديموس. وفي حال ما دعم الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني هذه الأخيرة، فإن مانويلا كارمينا ستصبح عمدة العاصمة الاسبانية. وببرشلونة، فاز تحالف آخر لليسار بقيادة آدا كولو، مؤسسة أرضية ضحايا الرهون العقارية التي تناضل ضد عمليات إخلاء المساكن، والذي دعمه حزب بوديموس في الانتخابات أمام أنصار استقلاليي كاتالونيا، ما يمثل ضربة قوية للحركة الانفصالية بهذه الجهة. وكان هذا التحالف أكثر تصويتا في برشلونة أمام حزب أرتور ماس، التقارب والوحدة وسيوداد نوس. وفازت قائمته بأحد عشر مقعدا، مقابل عشرة مقاعد لحزب التقارب والوحدة القومي المحافظ، وخمسة للحزب الجديد سيودادنوس (يمين الوسط)، وأربعة للحزب الاشتراكي الكتالوني. ولم يكن الناخبون أكثر رأفة بالحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، أبرز أحزاب المعارضة، الذي أحرز على 25,04 بالمائة فقط من الأصوات، أي أنه تراجع بنقطتين مقارنة بانتخابات 2011 ، وخسر ما مجموعه 775 ألف ناخب منذ سنة 2011. واعتبر بيدرو سانشيز، مساء الأحد في تعليق على هذه النتائج، أن الإسبان أظهروا أنهم يريدون التحول إلى اليسار، مشيرا إلى أنه يتعين على حزبه العمل على تكوين «حكومات تقدمية» وتحقيق «تغيير آمن»، وأن الحزب الذي انهزم في انتخابات أول أمس هو حزب ماريانو راخوي. وفشل حزب بيدرو سانشيز، الذي هزته الصراعات الداخلية وقضايا الفساد بالأندلس (جنوب)، في تلميع صورته على بعد أشهر من الانتخابات العامة التي ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل الاشتراكيين بعد صعود عدد من الأحزاب الحديثة النشأة مثل حزبا بوديموس وسيودادنوس. وخلق هذا الحزب الأخير المفاجأة في هذه الاستحقاقات البلدية والجهوية باحتلاله المركز الثالث وحصوله على 6,55 بالمائة من الأصوات المعبر عنها، متقدما على اليسار الموحد، الذي أصبح القوة السياسية الرابعة في البلاد. وحلحل حزب سيودادنوس، الذي أسسه سنة 2006 ببرشلونة المحامي الشاب ألبر ريفيرا، المشهد السياسي التقليدي، وسيصبح بالتالي رقما مهما في التحالفات المقبلة لتشكيل الحكومات في عدد من جهات إسبانيا، بحسب المحللين. ومن ثم فإن هذه الانتخابات البلدية والجهوية، التي جرت الأحد بإسبانيا، أكدت تحولا جذريا في المشهد السياسي، ووضعت نهاية للثنائية الحزبية التي سادت في هذا البلد الإيبيري منذ سنة 1978. كما أن استحقاقات أول أمس، وهي العاشرة من نوعها في تاريخ الديمقراطية الإسبانية، زادت من الشكوك بخصوص الخريطة السياسية في هذا البلد في أفق الانتخابات التشريعية المقررة في الخريف المقبل.