لا يزال السجال مُتقدا بين العديد من أطياف المجتمع المغربي إزاء مسودة مشروع القانون الجنائي الذي طرحته وزارة العدل والحريات أمام الرأي العام للنقاش، حيث تباينت المواقف بين من يصر على أن هذا "القانون لن يمر"، وبين من يستعرض مزاياه ويقلل من حجم معارضيه. ومنذ أول يوم نشرت فيه الوزارة مسودة مشروع القانون الجنائي على موقعها بالانترنت، توزعت آراء الناس والمهتمين إلى فُسْطاطيْن رئيسيين، الأول يطالب برفض المسودة لأنها تعادي الحريات الفردية، وترجع بالحقوق القهقرى، والثاني يشيد كلية بمضامينها المتقدمة، وقليلون من اتخذوا موقفا وسطا. لن يمر.. نشطاء مغاربة عبروا عن رفضهم لفحوى مشروع القانون الجنائي باللجوء إلى صفحات الفيسبوك، حيث أنشئوا صفحة سموها "القانون الجنائي لن يمر"، انضم إليها آلاف المنخرطين الذين وجدوا في عدد من البنود القانونية تضييقا على الحريات الفردية للمواطنين. وانتقل الرفض إلى شخصيات مسؤولة سواء في الحكومة نفسها، أو في مؤسسات رسمية، أو نواب برلمانيين، انتقدوا فصولا قانونية بعينها، منهم محمد نبيل بنعبد الله، وزير السكنى والتعمير، الذي أبدى رفضه للعقوبات ضد مُفطري رمضان، باعتبار أنه "ليس هناك أي انحراف يدفع لتشديد العقوبات". واعتبر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن العقوبات التي نص عليها مشروع القانون الجنائي بخصوص العلاقات الجنسية خارج الزواج "تمس عمق الحريات الفردية داخل المجتمع"، لافتا إلى أن "المجتمع المغربي ليس فاسدا لدرجة تشديد العقوبات في هذا الموضوع". محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بدوره أبدى رفضه لمسودة القانون الجنائي، ووصمها بكونها تؤشر على تراجع في حرية المعتقد، مستدلا بالعقوبات الزجرية ضد ازدراء الأديان، كما انتقد التنصيص على تجريم إفطار رمضان، وقال إن ذلك "يحرج المغرب في المحافل الدولية". هوية المغاربة وفي الضفة المقابلة لمن ينادون بأن القانون لن يمر، اصطف المدافعون عن المشروع ليصفوه بأنه يحمل بين طياته "ثورة حقيقية" في مجال العقوبات، وفي المجال الجنائي بشكل عام، بالنظر إلى مراجعة العقوبات التي تهم الجنايات والجنح والمخالفات، وإدراج عقوبات على مخالفات جديدة تجددت بتطور المجتمع والجريمة". ويزر العدل والحريات، مصطفى الرميد، قال في البرلمان إن الرافضين للمسودة ينطلقون من خلفيات إيديولوجية بالأساس، تهم السكر العلني، وإفطار رمضان في مكان عام، والعلاقات الجنسية خارج الزواج"، مبرزا أن المعارضين هم "جمعيات تشكل أقلية من حيث العدد". مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية، الدكتور خالد الشرقاوي السموني، قال لهسبريس معلقا على هذا التجاذب، إنه لا ينبغي أن تخضع الحكومة لإملاءات مناوئي مشروع القانون الجنائي، خاصة موضوع تجريم الإفطار العلني، والعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج. ويشرح السموني بأن "الحكومة نفسها ينبغي ألا تخرج عن هوية المجتمع المغربي، والتي تعتبر نواة العقد الاجتماعي، الذي لا يستقيم السلم والأمن الاجتماعيان في أي بلد إلا بمراعاته"، مبرزا أن "من يريد هدم أسس المجتمع، بعلة كونية بحقوق الإنسان، يرتكب جريمة في حق تاريخ وحاضر ومستقبل الأمة". وتابع "لست في موقع المدافع عن حكومة بنكيران، أو عن إنجازات وزير العدل والحريات، وإنما أدافع على غرار الكثير من الغيورين على وطنهم، عن قيم المجتمع المغربي، وهويته التي تتميز بالتعددية الثقافية واللغوية، والمنصهرة في كنف دولة استمدت قوتها من صون قيم الإسلام السمحاء". وذهب الناشط الحقوقي إلى أنه "بعد تجربة أكثر من عقد في مجال الدفاع على حقوق الإنسان، يمكن الجزم بأن هذا المجال بات حلبة صراع بين الأمم والحضارات، جعلت منها الإمبريالية الاستعمارية، حصان طروادة لتحقيق مآربها في إفراغ المجتمعات من ثرواتها ومقومات نهوضها، بدعوى احترام مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".