خرجت " ربيعة " من المطبخ تجري، بسنها المكسورة التي أكلها السكر و ليس الفار، صارخة : )هجوم .. هجوم. .) لم تفزع الأم بدلالة الكلمة، لكثرة ما سمعتها في الأخبار، بقدر ما أثارها الصراخ المزعج، انفعال طفولي غير معهود، نمط غذائي غير منتظم، إفراط في الشكولاتة التي ليست من سكر بلدي... النمل يكتسح الطناجر النحاسية و الأواني الفخارية و الكؤوس البلورية، التي اشتراها الأب، رحمه الله، في أيام العز، يوم كانت الصناعة التقليدية تنمية لبلدي. لم يترك النمل مؤونة إلا أخد حظه منها، أصبح الشغب في المطبخ، الشغل و " الشقا " معطل بإرادة النمل، و المصالح المطبخية بيد النمل، و المصير الخبزي للعائلة يحدده النمل. أكيد انه ليس النمل الذي كان يعطي الدروس للصرصور المحترم الذي لا يظهر إلا صيفا، ليجني المحصول دون جهد، و قد يكون الآن في مهمة خاصة. قالت الجدة: "لا تقتلوا النمل فهو رمز الخير و السلطة"، و امتعضت الأم، فالمطبخ أصبح عالما غير مرغوب فيه، لا طعم للأكل أو الشرب، و وجبات الأبناء لا غنى عنها، و إن لم يأكلوها، فالشكلاطة "الملعونة" تذهب بالشهية و بالنقود. أصبح النمل هاجسا و مشكلة، و بحثا عن الأسباب، و التهمة موجهة ل"سكر بلدي"، فالجدة صاحبة "الحكمة " تؤيد الحكم التاريخي، و تنتصر لإفراد العائلة الذين مات أغلبهم ب"مرض السكر"، فأصبحت من " أنصار اللاسكر" و تعادي "السكرية"، و تصرخ باستمرار : (لا تكثروا من السكر..فهو يقتل )، لكن السكر بريء من تهمة العائلة. جلس الأب يفكر ، كأنه يهيئ محاضرة، ما سر هجوم النمل ؟ لماذا ظل البيت في مأمن مدة طويلة قبل هذا الهجوم؟ ما رسائل النمل الواقعية و التاريخية ؟ و لماذا يكون سكر بلدي سببا ؟ و متى كان السكر مشكلا ؟ إن سكر بلدي حلو و لا يمكن أن يكون متهما، ف"السكر قياس و حلاوة" و"من زاد في القياس فقد خرق معادلة السكر"، و النمل بريء من تهمة السكر، و السكر بريء من أكل سن "ربيعة"، و بريء من أمراض المغاربة. فالمشكل شيء آخر غير السكر، إنه مشكل المطبخ و حصانة المطبخ التي تركت النمل يدخل، أما السكر فهو طعم المطبخ، و كل شيء زاد على حده انقلب إلى ضده، و من حكمة السكر أن يوضع بالقياس المناسب و في المكان المناسب. إن سكر بلدي لا يعبأ بالتهم، فهو سكر و سيبقى سكرا و لن يغير من حلاوته، و مهمة النمل شيء آخر إذا أصبح "القياس السكري"، فهي تعرف متى تدخل إلى بيوتها حتى لا تحطم، و تعرف دورة الفصول و وقت الجد و العمل و وقت المحصول، و تخبئ الصيف للشتاء، و تستوعب "زمن العاصفة" و ربيعها، وتميز بين غناء "الصرصور" و "الزنبور" و "اليعسوب"، و تعفو عن سخريتهم في الشتاء، وتعرف معنى التسكع و الجوع و الغم و قلة الحاجة و كيف تتخلص منها، و تدعو بالهداية لسائر "الصراصير".