لكل شابة وشاب توقعات وآمال في نوعية الرجل والمرأة التي سينتهي بهما المطاف معا في عش الزوجية ، فكثيرا ما تتصور الفتاة ويتخيل الشاب شخصية محددة وشكلا مرسوما وحالة اجتماعية وثقافية واقتصادية معينة للزوج الذي يتمنيانه ، وقد يمضي الزمن فلا يجدان ذاك المبتغى فيتقدم الخاطب تلو الآخر لكنهم لا يتوافقون مع مواصفات الزوج النموذج، فيكون الرفض هو الجواب. ويظل الرجل من جانبه يطارد في الواقع المكتملة الأوصاف في تمثلاته وقد تبعد الشقة بينه وبين مرامه. فيا ترى ما مواصفات الزوج المثالي لدى المرأة المغربية بين الأمس واليوم ؟ وما الصفات التي لا يمكن أن تتنازل وتقبلها في الزوج ،وبالمقابل ولكي نعادل الكفة حاورنا رجالا مغاربة لنعرف مواصفات الزوجة المثالية من منظورهم وما يميزها عن امرأة الأمس المغربية ؟ وكيف يقارب علماء الاجتماع هذه الأحلام والأماني مواصفات الزوج المثالي لديهن عنها تقول أمال وهي صاحبة صالون حلاقة نسائي 33 سنة عازبة ، « أنا لا أهتم بالشكل كثيرا المهم أن يكون « مقبولا» كما لا أطلبه فاحش الغنى « لأنه حسبها إذا كان غنيا فوفاؤه على كف عفريت، ثم إن الماديات لا تدوم ، كل هذا شرط أن لا يكون سكيرا عربيدا بل يجب أن يكون متدينا يخاف الله. بشرى أربعينية معلمة بمدرسة للتعليم الحر قالت إن حلمها كان الزواج من رجل يخشى الله ، لا يدخن ولا يسكر، مقارب لها في السن لضمان التوافق الفكري والقدرة على التفاعلية المتقاربة مع المحيط ودرءا لحب التملك والغيرة. وتضيف « عندما يكون الرجل كبيرا في السن ويرغب في الزواج من فتاة تصغره، فهو يريد خادمة لشؤون بيته وممرضة لأوجاع الشيخوخة الكثر» وتصر على صفة التفهم لأنها في اعتقادها الضامن الوحيد لنجاح سفينة الزواج في مخر عباب الحياة، إذ تجعل الرجل يساعد الزوجة في أعباء البيت ويقاسمها تربية الأبناء ويتغاضى عن إهمالها لنفسها وزينتها تحت ضغط شواغل الحياة « . بشرى مثل آمال لا تهتم لأمر الوسامة كثيرا بضمانة أن يكون مقبولا في الحد الأدنى للشعور بالارتياح له لا بالنفور منه . وفي ما يخص إمكانيات فارس الأحلام المادية تشترط توفره على سكن يخصه لأنها ترفض بالمطلق العيش في بيت عائلته وتصر على الصراحة المطلقة بينهما لكي لا تنقلب الصورة المثالية التي يرسمها لها عنه لحقد وكراهية بعد انكشاف الأمر لأن حبل الكذب كما هو معروف قصير» فيغدو التكذيب حتى عند قول الصدق أمرا منطقيا وينقلب الاحترام حربا ضارية تعصف بحياتنا وتضعها في عنق الزجاجة « . وسألنا ياسمين ذات 26 ربيعا فأجابت أنها تحلم به : « «حرش» رزينا يحترمني يحبني ويقدرني «ومثلت للأمر بأن لا يلتفت للفتيات المارات من قربه تقول « إن وجدته يتلصص على مفاتنهن وينظر إليها بافتتان : « نعميهم لمو « وأن يفاجئني بلفتات جميلة شاعرية تحسسني بأهمية وجودي في حياته «، وتوده أنيقا نقيا لكن في غير مبالغة «يوليي كيتسابق معايا على المراية» ، وترغب به رجلا تتجلى رجولته في خلوه من شوائب الاستغلال والطمع والتطلب والخيانة وله شخصية قوية وليس إمعة أو «ابن أمه» ، كما يتوجب فيه الحفاظ على وعوده والتزاماته وألا يتملص من مسؤولياته ويرمي حمولتها بكاملها على عاتقها. وتسترسل قائلة إن أبغض ما لديها هي صفة الازدواجية عند الرجل فهي لا تطيق الشاب الذي يتبجح بمساره الحافل بالمغامرات العاطفية ولا يقبل منها سماع تجربة واحدة. في حين تقول لبنى 28 سنة، مجازة وعاطلة عن العمل ، وهي تنفث دخان سيجارتها على مهل : أريده متدينا يخشى الله مسؤولا حتى وإن لم يكن له عمل قار ودخل جيد لتستدرك بعدها أقبل به حتى من دون عمل وأقبل أن أتكلف بدله بمصاريف البيت شرط ألا يكون «نكار» (كثير الكلام) وبخيلا عاطفيا أو يحشر أنفه بشؤون النساء أو به آفة حب السيطرة والتملك باختصار أن يكون» ولد الناس « .ويلزم أن يكون طويلا عريض البنية . تقول كبيرة ( 24 سنة ، طالبة باحثة : مواصفات الزوج المثالي بالنسبة لي: الشيء الذي لا يمكن أن أتنازل عنه في شريك حياتي هو ألا يكون مدمنا على السجائر ومشتقاتها، ويتوجب أن يقدر المرأة ويعترف بها وبضرورتها في الحياة حتى تستمر، أن يتشاور وأن يناقش الأمور بمكيال العقل لا بالاندفاعية ، هذا من ناحية السلوك ،أما من الناحية المادية أحب الرجل الذي يتحمل مسؤولية البيت، ويتطلع لحمل ثقل النفقات، «الرجل الي كايجيب اللقمة لأولاده من فم السبع» من عرق جبينه ومن مصدر حلال، لا أشترط أن يكون غنيا وله سيارة فاخرة و.... ما أرغب فيه: زوج يقدر الحياة الزوجية، وليس لدي مشكل في السكن مع عائلته، بشرط أن يعطي كل ذي حق حقه. وتضيف « هناك شرط لا يمكن أن أقبله من زوجي المستقبلي وهو أن يطلب مني قطع صلة الرحم مع عائلتي مع العلم أن هناك شروطا وصفات يعدلها الزمن. فسمة الوسامة التي تكون موضة الصبيات تصبح بعد النضج تركيزا على المستوى الثقافي والمكانة الاجتماعية « وهكذا دواليك . سكينة صحافية تبلغ من العمر 23 سنة صرحت لنا قائلة : «مواصفات زوج المستقبل، (وتضحك) «ما بغيتوش يكون بلدي « ،أريده أن يكون محترما متفهما عصريا أي يجمع بين الأصالة والمعاصرة ، ميسور الحال يستطيع أن يكون أسرة وبيتا ، مرحا لأنني لا أحب النكديين ، أما عن الجمال فهو ليس معيارا مهما بالنسبة لي لأن الجمال هو جمال الأخلاق والروح ،أوده واعيا بطبيعة عملي، غيورا علي، مثقفا ومعيار الثقافة معيار أساسي لا تنازل عنه في مواصفات الزوج المثالي لدي ، حتى نستطيع أن نتناقش ونتفاهم بعقلانية، وأن نربي أبناءنا بطريقة حضارية.. والدين والصلاة والبر بالوالدين طبعا «ماناقشوش فيها « لأنها أساسية. حنينهن لرجال الأمس ما الفرق بين رجل الأمس واليوم ؟ ومن الأفضل خصالا ؟ سؤالان طرحناهما على فتيات عدة لنستجلي نظرتهن في رجال اليوم وردهن لتمثل الرجال عنهن الآن . الصحافية سكينة ترد قائلة :الميزة اللي كانت في الراجل «دزمان» كان كما يقولون «حرش» له قدرة على تكوين بيت وأسرة بحيث «يخدم ويدمر باش يعيش وليداتو» ولكن «دراري د اليوم مفششين، معكازين، كيتوكلوا على والديهم يخدمو عليهم ، رجعوا فحال لبنات مقابلين لمرايا واللباس والألوان وينسقو هادي مع هادي ، معندهومش مسؤولية، مستهترين، ضاربين الدنيا بركلة و كيشوفو فالمرأة نظرة ما مزياناش ، كلعبة يقضيو بها وقتهوم ويرميوها، والبعض منهم كيحتقرها إلى شفها قاريا حسن منو وخدامة في شي منصب حسن من ديالو، وكتخلص مزيان. «مبقاوش الرجالا» هكذا أجابتنا لبنى ، وتسايرها في الركب ذاته الحلاقة آمال معتبرة أن رجال الأمس كانوا أفضل بكثير من رجال اليوم. وتفسر المعلمة بشرى هاته النظرة السلبية بأن شباب اليوم « لقاوها كلها واجدة وساهلة وضصرو» . وحسبها فهذا الدلال الذي حظوا به أفسد لديهم حس المسؤولية « فالأكل جاهز والجنس متوفر بأبخس الأثمان فلم التعب بل ولم الزواج؟ «. وتضيف أن شباب اليوم له من صفة الشباب صغر السن فقط فصحتهم لهرم دبغت روحه وجسده كل صواعق الحياة ولهم نظرة « قذرة « للمرأة تستحيل من خلالها أن توجد فتاة فاضلة عذراء طاهرة، ويعانون من إحساس بتضخم الأنا الذي يمنحهم امتيازات تجعل المرأة تحتل دائما المرتبة الثانية بعده ، فتجده يقول : داري هذي « و « أنا الراجل» وكأنه يعشق المرأة للاستمتاع بضعفها أمامه بمنعها مما تحب والإحكام عليها بقبضة من حديد لتبقى دائما بحاجة إليه. وفي معرض ردها تبوح لنا لكبيرة قائلة :الرجل قديما كانت له هيبته كان يفي بوعوده «وقد فمو قد ذراعو»، كانت له عزة نفس وكبرياء عكس رجال اليوم مازالوا أطفالا يبحثون عن قضاء الوقت والاستمتاع بمصاحبة الفتيات. أما الجدية فنادرا ما نجدها فيهم وحتى إن تقدم رسميا للزواج بفتاته غالبا ما ينتهي ذلك الحلم في السنة الأولى عند أبواب المحاكم . أكره نظرة الرجل لبنات اليوم التي تنبني على أن الفتيات كلهن متشابهات كلهن مررن بتجربة الحب ما قبل الزواج، ومصاحبة الفتيان، وهذا راجع إليهما معا، بسبب تساهل الفتاة في الاستجابة للرجل، وبسبب ألوان الكذب التي يمارسها الرجل على النساء مستغلين حرمانهن العاطفي أحيانا ورغبتهن الشديدة في تحقيق حلم الزواج، إذ أنه مهما تعلمت الفتاة و مهما ارتقت في مراتب العمل ومهما سعت لتحقيق استقلاليتها، فإن المجتمع لا يعترف بها إلا في إطار تحقيق الهدف الأسمى ألا و هو الزواج .بالنسبة لي أنا لا أتفق مع هاته النظرة السلبية لأن المرأة برهنت في مواقف كثيرة على أنها قادرة على التواجد بدون الرجل مثال ذلك المرأة الأرملة التي تسهر على تربية الأبناء وكثيرة هي نماذجهن اللائي تخرج على أيديهن رجال في مناصب مهمة هذا شكلا أما ضمنيا لا يمكنني الانسلاخ من فكرة «المرأة لدارها و لراجلها «كونها من رواسب التنشئة الاجتماعية التي تربيت عليها منذ الصغر، ثم لا يمكننا العيش بمعزل عن المجتمع الذي يتقفى خطواتنا باحثا عن فرصة الدعاء لنا بمأثورات «الله يسهل عليك بشي ولد الناس» ،» الله يجيب ليك شي نقرا فين يغبر نحاسك « الخ ، وتشير إلى أن الاختلاف بين زواج اليوم والأمس: اليوم طغى عليه البعد المادي والأحلام الوردية التي ترسخ في عقلية الفتاة عبر الأفلام، زواج الأمس كان ناجحا أكثر بحضور عنصر النية . نخلص لاختلاف في نظرة المرأة المغربية لمواصفات فارس الأحلام فكل واحدة تمتلك تمثلا عما يجب أن يكون في زوج المستقبل، فتعالوا معنا نستجلي رأي الشباب عن الأمر نفسه . مواصفات الزوجة المثالية عند المغربي ياسين 32 سنة ، جامعي عاطل عن العمل أجاب « أتمناها من حيث الشكل أن تكون متوسطة الجمال وقصيرة القامة( هو طويل جدا عريض المنكبين)، موظفة بقطاع حيوي ومدخولها الشهري جيد وتتوفر على سكن خاص بها ، من محتد كريم ، « متبتة» رزينة وتحفظ أسرارنا الزوجية والعائلية «. صديقه رشيد التاجر الحر ذو 34 ربيعا قال» لن أقبل بها إن كانت تدخن أو تسكر ويجب أن تكون « ملتزمة « بعقلية «نقية « وغير ثرثارة وذات مستوى علمي جيد «( هو الذي لم يحصل على البكالوريا) لكنه يرفضها موظفة أو عاملة ،حتى تتمكن من تربية الأبناء وتكشف عن مهاراتها في الطبخ . صادفنا ابراهيم وهو شاب يبلغ من العمر 28 سنة ويشغل وظيفة مهندس، وسألناه عن مواصفات زوجة المستقبل التي يحلم بها فأجابنا بأنه طبقا لحديث الرسول ف « تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك « لذا فهو يرغب بها متدينة حتى ولو كانت أمية ويودها «حادكة» طيبة غير عنيدة أو كثيرة النقاشات، وركز على شرط أن تكون طباعها مخالفة لطباعه حتى يكون هناك تكامل بينهما . وقال « نساء الأمس كن يردن الستر فقط أما اليوم فقائمة شروط الخطبة تبلغ عنان السماء «. تدخل صديقه سعيد رافضا أن يتزوجها أمية لأن هذا سيصعب التفاهم والتفهم والتناغم بينهما، فلن تستطيع تفهم غيابه للعمل ليلا ولن تقدر على مطارحته الأفكار ومقارعته الحجة بالحجة ، لافتا في هذا الصدد الانتباه لظاهرة بدت له غريبة وفي تزايد مطرد وهي مجيء فتيات صغيرات السن من البوادي للمدن للزواج فيها من دون شروط فقط بالرغبة في الستر ، وهو ما يتوافق مع هوى رجال قهرتهم متطلبات من تقدموا لهن من بنات المدن ، ليتابع ضاحكا « في أحايين كثيرة تعلنها البدوية المتمسكنة حربا شعواء على أهل الزوج حتى تنفرد ببيتها وتحقق ما كانت تخفيه من طلبات». واعترف لنا سعيد أنه بالفعل لم تعد المسؤولية تغري الشباب، وأنه نقص حسها لديهم لكنه أرجع السبب للعوامل الاقتصادية المزرية وغلاء المعيشة في ظل بطالة تخنق كل رغبة في فتح بيت زوجي وتحمل نفقاته. هن في نظرهم نبدأ من حيث انتهينا أي بشهادة سعيد الذي يرى في فتيات اليوم نساء واعيات ويعترف بأنهن مساويات للرجل في الحقوق والواجبات ،وهو ما يغضب فريقا « رجعيا من الرجال «حسب تعبيره ويجعله يعتقد أنهن غير قادرات على تحمل المسؤولية في نظره، وهو ما ينفيه إذ يعتقد أن نساء اليوم يتمتعن بالصرامة والنباهة وحس المسؤولية . على عكس صديقه ابراهيم الذي يرى أن زوجات الأمس كن أكثر احتراما وتقديرا لأزواجهم ، وكن «حادكات» على خلاف فتاة اليوم التي لا تعرف حتى مدخل المطبخ في البيت ليختم تصريحه قائلا « نساء زمان كن حكيمات». نفس الفكرة وجدناها عند السيد ياسين الذي صرح لنا بأن نساء اليوم لا يتمتعن بالصبر ولا القدرة على المسؤولية ، فكيف يمكن الوثوق بهن لتأسيس بيت الزوجية، ويشاطره الرأي رشيد التاجر الحر الذي يضيف أن الاحترام فقد في نساء اليوم رغم تمتعهن بالتمدرس والتعلم إلا أن حياة الرغد والتحرر التي يقدمها الإعلام أثرت سلبا على قدراتهن وسلوكياتهن. الشاب نور الدين علق لنا على نساء اليوم اللواتي منهن سيختار فتاته النموذجية قائلا : « صرن سيل طلبات لا تنتهي « مشيرا إلى أن «عددا لا بأس به منهن ابتلين بالتدخين والسكر وصارت الميوعة عندهن تحررا وحرية فردية فلم يعدن يحترمن أنوثتهن فكيف بنخوة وكبرياء أزواجهن ؟» ويعلق على النظرة السلبية للفتيات عنهن بتساؤل « من ولد وربى هذا الرجل ؟ أليس هو منتوجهن ؟ رأي الحكماء حاولنا جس نبض أصحاب الزمن الجميل - نساء ورجالا - ليدلوا بدلوهم في نظرتهم لنساء ورجال اليوم ، وحتى نغرف من ذكرياتهم ونرفع عنها غبار النسيان ونجعلهم يستمرئون حلاوة الغوص في أحلامهم هم الآخرين أيام الصبا والصبابة في الزوجة المثالية والزوج المثالي. *مصطفى ستيني يعمل سائق سيارة أجرة ، كال من الميزان اللاذع من القول بسخاء قل نظيره لنساء اليوم، إذ بمجرد ما انتهينا من طرح السؤال عليه حتى انهمر كشلال متهما شابات هذا الزمن بانتفاء صفة الحياء والوقار منهن، أما الصبر فلم يطرق لهن بابا ، وأضاف مقارنا أن زوجته -الستينية مثله - مدبرة حكيمة أما زوجات اليوم فمتطلبات « كيف لزوج يقبض 3000 درهم كمدخول شهري أن يشتري لزوجته فستانا ب 4000 درهم ؟ ماذا سيأكل وإياها ؟ وكيف سيدبران أيام الشهر في انتظار موعد «الخلصة» والمصيبة أنها لا تعرف الطبخ ولا الكنس وتلزمها خادمة لتسيير أمور البيت بدلها « إيوا مقادو فيل تزيدو فيلة «.» ليخلص بنتيجة» إذن من الأفضل والأسلم أن يظل هذا الشاب من دون زواج وإلا فسيرتكب جناية لا محالة». سألنا محمد 62 سنة ، عامل، متزوج فلمع وهج الذكرى في عينيه ليبتسم قائلا كنت أرى في فاطمة زوجتي كل مواصفات فتاة أحلامي كانت - ولا تزال - جميلة كان يبدو لي الصبر والحزم في عينيها ولما تزوجنا لم يخب ظني بها ولولا صبرها وعزمها وتقديرها لظروفي المادية لكنت الآن مشردا ، فكياستها واقتصادها وتضحيتها مكنتني من الحفاظ على عائلتي وتدريس أبنائي . وعن نظرته لبنات اليوم فقد جاءت مفعمة بعبق الحكمة « المرأة اليوم أقدر على المسؤولية ، إذ لا يمكن إجحافها حقها الذي ناضلت من أجله فعلمها هو السلاح الذي أخرجها من براثين الاستغلال الذي يرى فيها محكوما عليه بالأعمال الشاقة من دون عرفان قبل وبعد الزواج ، امرأة ما يغيض الرجال منها هو رفضها لعلاقة زوجية مبنية على هرمية « سي السيد» الآمر الناهي بالمطيعة المستكينة ، ومن الرجال من لا يستحق حتى ذاك اللقب لأنهم لا يحوزون منه إلا جانب اللغط والتسلط والصراخ من دون توفير اللوازم حتى الضروري منها للبيت .» سألناه أن يمن علينا بعصارة خبرته فتفضل قائلا « إن العلاقة بين طرفين لكي تنجح ينبغي أن تكون مبنية على التشاور والتكافؤ والمعاملة بندية، لا باستعباد أو سيطرة بل قوامها الصبر والتفهم والتضحية المتبادلة، ومسايرة التطورات الاجتماعية فكريا لأن سر المأساة يكمن في أنه رغم التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي نعرفها لا تزال عقلية الغالبية متحجرة تحن لماضي الحريم وظلامية أسواره، « ويدلل على كلامه « سأضرب مثالا فرغم كل التقدم والتغير الذي لحق منظومتنا الاجتماعية ورغم تلاقحنا مع العالم إعلاميا ، فإني أتحدى نسبة 95 % من المغاربة إن أخطأ أحدهم وضرب زوجته أن يعتذر لها خلال 5 دقائق لأن ثقافة « أنا الراجل وهي غير مرا « تعشش في تمثلاتنا، وبصمة الهيمنة الذكورية لم تمح بعد منها « . وعن جو عدم الثقة بين طرفي المعادلة الذي لمسناه في تصريحات محاورينا، فقد أرجعه السيد محمد إلى الانبهار المفرط لدى الشباب والشابات في المغرب وبنفس المقدار بصورة المرأة والرجل الغني الرومانسي المتفهم والمتأجج العاطفة الذي تروجه لنا وسائل الإعلام في الأفلام والأغاني ، فأصبح الأمر يبدو وكأنه بحث عن مثالية زائفة لا عن صفات مشتركة لبناء أرضية مستقرة للزواج من دون مراعاة عوامل التربية والبيئة الاجتماعية والحالة النفسية والظرفية الاقتصادية التي تفعل فعلها في هذا الشأن. ولنوازن الكفة ونعطي كل ذي حق حقه حاورنا نسوة في خريف العمر منهن « لالة هنية « - 80 سنة - التي ردت بأن نساء الأيام الخوالي ونساء جيلها كن أكثر صبرا وإتقانا لفن الطبخ ، وكان لا يثير اهتمامهن سوى تصريف شؤون بيوتهن وتربية أبنائهن عكس «بنات اليوم مقابلين غير المسارية والفايس بوك وداك العجب ديالكم « كن حكيمات رحيبات الصدر نقيض فتيات اليوم «لي عقلهم طاير وخاوي». وفي حكم لالة هنية يتساوى الذكر والأنثى وما قلناه بضمير نون النسوة ينطبق تماما على جمع المذكر السالم الذي أصبح عليلا يشغل باله الإدمان والجنس والأكل ، ولا يستطيع توفير قوته فكيف بقوت عياله فتراه يلجأ وهو في ريعان شبابه وبجسده الضخم للتسول من دون أن يندى له جبين. وفي رأي مخالف تماما لوجهة نظر لالة هنية، تصرح لنا فاطنة ذات 50 ربيعا أن شباب وشابات اليوم من حقهن الحلم وتمني مواصفات محددة لمن سيشاركهن قطار الحياة حتى يسلكوا السكة الأصح، ويكون التمازج الذي يسهل تجاوز مطبات الحياة . وأيضا حسبها فالغنى والتفرد بميزات خاصة جدا تجعل كل نحلة وزنبور ينجذب لرحيق معين يستهويه وأينما حللت وارتحلت وعبر كل الأزمان يوجد الصالح والطالح إن من الرجال أو من النساء على حد سواء، وما يسر في اعتقادها إيجاد الشريك المناسب اليوم هو مناخ الانفتاح الحاصل الآن حيث يمكن الطرفين من التعارف والتبين إن كانت المواصفات المثالية لكليهما تنطبق على الثاني ، هاته السمات المرجوة في اعتقادها تتمايز من جيل لجيل وتؤطرها مقتضيات التطور الاجتماعي والاقتصادي والفكري للمجتمع ، وتقول «وكما لا يخفى عليكم فللمرأة قدرة عجيبة على التأثير في الرجل وسلوكياته وطباعه إن سلبا أو إيجابا - تضحك- « إن كيدكن عظيم «، وتفسر رأيها مستحضرة وصية أمامة بنت الحارث الشيباني لابنها العروس « كوني له أمة يكن لك عبدا وشيكا « ،وختمت تصريحها بقوله تعالى « الطيبون للطيبات والطيبات للطيبين» ومنه فحسن الطوية وعظم الثقة بالله هو حتما ما سيحقق الحلم والمراد ومن توكل على الله فهو حسبه إذ الرجال للنساء خلقن ولهن خلق الرجال . إنه غيض من فيض فلكل فتاة ولكل فتى توقعات وأحلام لمن سيشاركه -ها- حياته ، انتظارات تتمفصل في مواصفات وسمات معينة رغبة في ايجاد التفاهم وبناء وشائج السكينة والرحمة والمودة وهو ما أكد الباري سبحانه « هو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة « . شهادة ذوي الاختصاص ولتبين ما يقوله علم النفس الاجتماعي بهذا الصدد باعتباره الأقرب اختصاصا لهذا المجال، حاورنا الدكتور مصطفى شكدالي الأستاذ والباحث في علم النفس الاجتماعي فرد لما سألناه عن وضع صفات للزوجة والزوج المثالي من كلا الطرفين بأن هذا التصور هو في حد ذاته صورة نمطية متداولة ويرتكز على عموميات وليس على فرضيات قائمة الذات. فحين نسمع الشاب يتحدث عن «ولد الناس « أو «بنت الناس « أليس في هذا التمثل - لافتا إلى أنه بصيغة المتعدد لأنه يشمل أوصافا متعددة ? قول لا يقال وهو بنت الناس / ولد الناس مقابل بنت الشارع / ولد الشارع ؟ بمعنى أنه تصور يحمل في طياته تجريدا ومثالية للواقع ، وأيضا ينفي التجارب والحب ويثبت أقدام الازدواجية في التصور الذكوري. فالشاب يدخل مغامرات عاطفية وجنسية بدعوى البحث عن بنت الناس تلك ولما يقرر الزواج يريد «بنت ناس» لم يلمسها أحد، ما يكرس مفهوم الفحولة التي تتحدد بالمغامرات الجنسية للرجل مقابل مفهوم العذرية للمرأة . ويستفيض الأستاذ شارحا أن دخول الشاب في هذه التجارب المتعددة قبل الزواج يؤكد له أن الواقع مر وأن المواصفات التي يبحث عنها هي محض تمثلات هلامية وبحث عن لاشيء . وفي تفسيره للاتهامات المتبادلة بين شباب وشابات اليوم بالنقص في مقابل تمجيد رجال ونساء الأمس، أوضح بأنه حنين للماضي ويعد مؤشرا قويا من وجهة نظر علم النفس على صعوبة اختراق الواقع هنا والآن والاحتماء بالماضي فعندما يقول الشاب / الشابة « مبقاوش بنات الناس/ ولاد الناس « فهو يصادر وبطريقة غير مباشرة الهنا والآن ويحتمي بالماضي من خلال تبرير واه جدا لما فيه من إسقاطات لتجارب فردية شخصية على كل الحالات فهذا التقوقع حول الذات هو حنين تيئيسي للواقع ولعدم القدرة على المواكبة ما يحيلنا إلى كائنات ماضوية تقدس الماضي. ويشير الباحث إلى تغير القيم وما يفعله في تحديد معايير بنت/ ولد الناس التي أصبحت بمقاييس مادية : موظفة / موظف فأصبح االمبحوث عنه ليس زوجا أو زوجة بل مركزا وظيفيا و دخلا ماديا، ولم يعد الحب مرتبطا بالشخص في حد ذاته وإنما بوضعه ومركزه ودلل على قوله بأن بعض الشباب عند الزواج يقرر الارتباط لا بمن يحب ولكن بمن ظروفها المادية ميسورة وهذه الحال تصح على النساء أيضا. ويضيف أن التغير القيمي فعل فعله في مصطلح « ولد/بنت الناس» فبالإضافة إلى الحمولة الأخلاقية التي يعنيها فهو كان قديما يقال في المجتمع القروي غير المعقد وفيه الكل يعرف الكل ووقتها كان يحيل إحالة مباشرة للوالدين أي على الأصول فكان يقابله مصطلح ولد عائلة حيث يعرف الأب والخال والجد وجد الجد....و هو ما لا يفيده الآن فالشاب قد يلتقي بالفتاة في المقهى أو البحر أو العمل من دون أن يكون على سابق معرفة مفصلة بأهلها، لذا فهي مصطلح فضفاض لا يفي بما كان يعنيه قديما. ليخلص إلى أن التحول القيمي مرتبط بصيرورة مجتمعية تتداخل فيها عوامل متعددة ما أثر على العلاقة مع الذات ومع المحيط وكذا مع الآخر فصارت نتائج هذه التحولات القيمية تظهر بشكل جلي على المستوى العلائقي. فبعد أن كان الزواج بطريقة البحث عن بنت الناس يتم عبر الأم أو الخاطبة التي تبحث في محتد البنت ومن هؤلاء الناس الذين هي بنت لهم ويتم التعارف بين الزوجين في ظل المجتمع التقليدي يوم العرس أصبح العرس يحتفل به بعد الزواج وولادة طفل أو طفلين ، وأيضا غدت « المعاشرة تسبق الخطوبة» ثم نكتشف بعد حين أننا لم نكن مع بنت /ولد الناس . إذن فهناك تغيرات أحدثتها التحولات الاجتماعية والإعلامية وغيرها من العوامل على التمثلات القيمية، فسرى فعلها في التصورات والأوصاف وفي وسائط التعارف وطرق التلاقي .