في مجتمعنا المغربي يهاجم الناس كل زواج مبني على اختلاف درجة التحصيل العلمي بين الزوجين وخاصة إذا كانت الزوجة متعلمة والزوج غير متعلم، ويحكمون على مثل هذا الزواج بالفشل ويترقبون ذلك في حال إتمام الزواج فعلا. فحسب رأيهم لا يمكن للمرأة المثقفة أن تقترن برجل أمي، فالمثقفة لا يمكن أن تتزوج إلا مثقفا رغم أن أغلبهم يتقبل فكرة اقتران المثقف من أمية حتى أصبح هذا الشعور سلوكا اجتماعيا. وهناك من الرجال من يرى أن الزوجة المتعلمة والمثقفة هي الزوجة المثالية، في حين أن البعض يحكم على هذه المرأة بأنها متعالية ولا تكف عن اختلاق المشاكل لقدرتها على مناقشة القرارات، والبعض الآخر يرى أن الزوجة المثقفة تكون قادرة على تربية الأبناء تربية صحيحة... وهناك من النساء من تقترن برجل يفوقها في التحصيل العلمي فتعاني من نظرته الدونية لها، حيث يشعر أن هذا نقص فيها ويشعرها بأنها لا تفهم شيئا في هذه الحياة. ويبقى السؤال: هل ينجح زواج المرأة المتعلمة برجل أمي والعكس هل ينجح زواج الرجل المتعلم من أمية ؟ بمعنى ما مدى أهمية التكافؤ بين الرجل والمرأة من النواحي العلمية والثقافية والفكرية عند تأسيس عش الزوجية؟ وهل تفوق الزوجة علميا على الرجل يمكن أن يولد عقد نقص لديه، تتطور إلى حد خلق فجوة بينهما، أم أن الحياة المشتركة بينهما يمكن أن تسير بسلامة، على اعتبار أن مقومات نجاح مؤسسة الزواج لا تتوقف بالضرورة على التكافؤ العلمي بين الطرفين؟ وللوقوف أكثر على موقف المجتمع من هذه المسألة قمنا باستقصاء أراء بعض المواطنين من كلا الجنسين، منهم من عاش التجربة ومنهم من له مجرد آراء ومواقف.. عائشة أستاذة متزوجة من رجل غير متعلم يعتبر الثقافة مضيعة للوقت، ويتضايق كلما وجد بين يديها كتابا، وهي لا تلومه في ذلك، لأنها تعتقد أن ثمة عداء بين الرجال والثقافة، كما أن الرجل المغربي لديه عقدة وهي أنه لا يقبل أن تكون زوجته أكثر منه ثقافة. تضيف قائلة « وهذا ما حدث معي، ولأني أدرك ذلك جيدا، فقد تكيفت مع الوضع ، وصرت أتحدث معه في الأمور التي يعرفها فقط، لكني كثيرا ما أتساءل لو كان الوضع عكس ذلك ، هل تراه صبر علي كزوجة غير مثقفة وتحمل تخلفي الثقافي كما فعلت أنا ؟» في حين تعتقد ماجدة أن الرجل حتى وإن لم يكن مثقفا تعجبه المرأة المثقفة، خاصة وأننا نعيش في عصر الثقافة والعولمة، لكنه يريدها في نفس الوقت ربة منزل وأما وملكة جمال ذات أناقة مميزة، وهذا صعب جدا على المرأة لأنه يحتاج إلى طاقة ووقت طويل فكيف لها أن تحقق هذه المعادلة الصعبة . تقول» وإذا تكلمنا بمصداقية وواقعية فإننا نجد أنه من الطبيعي أن تكون نسبة الأزواج المثقفين أكثر بكثير من الزوجات، فمسؤولية الزوجة أكبر وعملها كأم وزوجة لا ينتهي خلال 24 ساعة، بينما لدى الرجل وقت فراغ أكبر من زوجته، لأن دوامه ينتهي بساعة معينة. لكني أظن أن العلاقة الزوجية لا تسيرها الشهادات والدراسة أما لبنى، 24 سنة حاصلة على الإجازة في الدراسات العربية، فتقول : بالنسبة لي أوافق 100 % على الارتباط برجل غير متعلم، إذا كانت أخلاقه حميدة، فما فائدة الشواهد بلا أخلاق ؟ وبلا طرق تعامل مع الناس ؟ تضيف: قد عاشرنا أشخاصا ولم نكن نعلم أنهم أميون من أسلوب تعاملهم . وهناك آخرون تسأل نفسك كيف تخرجوا من الجامعة ؟ ثريا فتاة تبلغ من العمر 28 سنة موظفة بإحدى الشركات تقول : إذا قدر الله لهذا الزواج أن يستمر فسبحان الله قادر على كل شيء بالنسبة لي أرى أن التقارب الثقافي مهم جداً ؛ بداية الزواج بأميّ يعني انتحارا فكريا وتعمد إدعاء الغباء في أغلب حياتك ....الرجل مهما كان يفضل أن تكون العصمة والكلمة الفاصلة بيده. ولكي أضمن استقرار الحياة سأقوم بدور الجاهلة بدوام كامل بدون توقف.... تخيلي ذلك ؟؟ فكرة أن أضطر للشرح ومحاولة توصيل المعلومة للزوج مرهقة ... أريد منه أن يفهمني بدون شرح وتفصيل ... أريد أن أستمتع في الحوار معه لا أن أتهرب من محادثته، أرى حالات من هذا الزواج غير المتكافئ، صدقيني أبعد ما يكون عن الرضا فالزوجة دائماً تشعر بأن هناك شيئا مفقودا. وكان لفاتن، 26 سنة طالبة بالماستر، نفس الرأي انطلاقا من تجربتها، فهي تقول : أنا لا أفكر بالزواج من رجل غير متعلم لا لكوني أعتبر عدم تعلم الرجل ينقص من قيمته، لأن هناك رجالا أثبتوا كفاءتهم رغم عدم حصولهم على أدنى شواهد التعليم، ولست في حاجة إلى إعطاء أمثلة لهؤلاء، بل لأنه سبق لي أن خطبت لشاب لم ينه تعليمه الإعدادي، ولاختلاف مستوانا الدراسي تأزمت العلاقة بيننا لتنتهي بالانفصال . في نقاشاتنا كان دائما يحاول أن يستفرد بالرأي ويفرض كلمته مهما كانت غير صائبة، وكلما حاولت مناقشته بالمنطق يقول إني أحاول فرض رأيي فقط لأني أفوقه تعليما، ولا يكف عن ترديد أن أفكاري وتعليمي لا يهمانه، والأفضل أن أحتفظ بهما لنفسي، كنا نتشاجر دائما مهما كانت النقاشات بسيطة لتضارب أفكارنا بسبب تفاوت المستوى الثقافي، آخرها حين سألني عن أشعر الشعراء و بحكم دراستي للأدب العربي، أجبت في نظري ونظر العديدين هو المتنبي، فأخذ يسخر مني ويقول، بل هو الإمام علي بن أبي طالب، الأمر الذي أدى إلى وضع حد لهذه العلاقة. تضيف فكيف لي أن أفكر في الارتباط من أمي وعلاقتي لم تنجح مع متعلم، أبدا لن أرتبط إلا من شخص يفوقني في المستوى التعليمي أو يتكافأ مع مستواي أحمد 27 سنة يقول : التقارب في المستوى التعليمي بين الزوجين مطلوب كي يكون الطرفان قادرين على حل مشاكلهما و هم بكامل وعيهم الفكري. واقع الحياة يؤكد لنا أن بعض الزيجات تنجح و البعض الآخر لا يكتب لها النجاح، والسبب ليس له علاقة بنسبة التعليم التي حصل عليها الطرفين، بل بالتجربة والخبرة في أمور الحياة، مثلا نجد شخصا متعلما و حاصلا على شهادة تعليمية كبيرة لكنه فشل في زواجه و زوجته مساوية له في المستوى التعليمي، و على العكس يمكن أن نجد شخصا أميا تزوج بفتاة متعلمة ونحج زواجهما. أنا لا يهمني أن يكون الشخص أميا أو متعلما، المهم أن يكون الطرف الآخر يحترم شريك حياته و يشاركه في الآراء و يسانده و يقدم له الدعم المعنوي. يقول يوسف، 30 سنة و مجاز في الحقوق،» يمكن أن يفشل الزواج عندما يكون علم الزوجة واسعا فأصبحت شخصية مطلوبة مثلا في الاجتماعات أو التظاهرات أو نواد مختلطة، هنا يمكن أن لا يقبل الرجل غير المتعلم بهذا أما غير ذلك فممكن، إذا كانت الزوجة تمارس عملها دون مكانة للشكوك من قبل الرجل خاصة إذا كانت المرأة على أخلاق. سمية خريجة المعهد التكنولوجي متزوجة وأم لطفلين فهذا رأيها : كلما كان المستوى الثقافي متقاربا كلما كان التفاهم أفضل بين الزوجين، لأن لغة الحوار والنقاش بينهما تكون سهلة وواضحة ومقنعة في آن واحد، لكنها تصعب لما يكون الزوج غير متعلم، خاصة عندما يكون حساسا من هذه الجهة، فتجده دوما معاندا لزوجته ومتهما إياها بأنها متعالية فتقع المشاكل خاصة في تربية الأبناء وعلاقتها بأهله ....أما إذا كان متفهما ومقتنعا أن زوجته بحكم تعليمها العالي تفهم الأشياء أحسن منه « ولا أظن أنه يوجد رجل من هذا النوع، هنا سوف يقلد زوجته زمام الأمور في هذه الحالة يمكن للمركب أن يسير، لكن في وقتنا الحالي بحكم تفشي ظاهرة العنوسة، فإن المستوى التعليمي أصبح لا يهم.. وفي هذا السياق تذكرت إحدى زميلاتي في المعهد التكنولوجي حين قالت جملة في هذا الموضوع : لا أتصور نفسي متزوجة من رجل لا يعرف الخلية « بحكم أننا كنا فرع علوم طبيعية حينها ضحكنا كثيرا. واستبعدت الفكرة لكن بعد زواجي من رجل مستواه قريب من مستواي التعليمي رأيت صدق كلامها، وأظن أن التفاهم الكبير والسعادة التي أعيشها مع زوجي يعتبر التقارب التعليمي بيني وبينه أهم عامل فيها أما حمزة فيقول: هذا النوع من الزواج أراه كأي زواج آخر يفشل في حالة واحدة إذا نست أو تناست المرأة في لحظة غرور أنها امرأة قبل كل شيء، أعرف حالات عكسية رجال يملكون مالا لكنهم يفتقدون للعلم تزوجوا ممن لهن علم و النتيجة المرأة حبيسة في بيتها . فالأساسي هو عقل المرأة و أخلاقها قبل كل شيء و يقابله طبعا أخلاق الرجل و رزانته و حبه لبيته، فإخلاص الطرفين أساس كل زواج. محمد 34 سنة غير متعلم وأعزب ليست العبرة في التقارب في المستوى العلمي بالشهادة، العبرة بعقل صاحب الشهادة، فكثيرا ما أصطدم بأصحاب شهادات، لكن عقله متحجر، لو وصل إلى شهادة « الليسانس» و حدث أن تزوج من لها الماجستير أو أكثر لأحال حياتها إلى جحيم لعقدة النقص التي فيه، المهم أن يكون عقله متفتحا غير جاهل، يسعى للتعلم و الحصول على المعرفة في شتى المجالات حتى يعوض النقص العلمي، كالتاجر الناجح و غير ذلك، كما على الزوجة، إن وقعت في مثل هذا، أن تداري زوجها و أن لا تضعه في مواقف محرجة تذكره دوما بتدني مستواه العلمي ، بل عساها تحثه على الدراسة، لكن بطريقة لطيفة لا تجعله يحس أنها ربما ندمت على الاقتران به. و الكثير الكثير من الأمور. و أشيد في الأخير بمن قال بأن التفاهم و الانسجام و الحب، مع الابتعاد عن التكبر و التعالي من الطرفين، وسيلة لنجاح مثل هذا النوع من الزواج أما إسماعيل فكان له موقف مغاير، يقول : يخطئ الرجل أكبر خطإ حين يتزوج بامرأة تحمل شهادة علمية، إذ لابد أن تذله في يوم من الأيام بثقافتها، ولن يكون هذا الرجل صاحب الكلمة المسموعة في البيت. أما في حال استمرار هذا الزواج غير المتكافئ فقد يجد الرجل نفسه أمام أحد الخيارين أحلاهما مر، إما أن يتخذ القرار بالانفصال، إذا وصلت الأمور حدا يصعب التعايش معها، أو يضطر إلى الاستسلام ومجارات زوجته إذا أثمر هذا الزواج أطفالا، كي لا ينعكس الخراب الأسري عليهم في النهاية شهادة أهل الاختصاص يقول الدكتور ابراهيم بن ابراهيم اختصاصي في الأمراض العقلية والنفسية والعصبية: أكثر مشاكل هذا الزواج غير المتكافئ هو إحساس الرجل بأن مكانته كزوج على المحك أمام من يعرفونه، وشعوره بالدونية وبعقدة النقص، حيال زوجته المثقفة. بعض الرجال يتفهمون ذلك ويتقبلونه برحابة صدر، ولا يشعرون بالحرج، بل يفتخرون بها، وهناك من يشعر بالدونية وبعقدة النقص تجاه زوجته إذا كانت تحمل شهادة عالية وخاصة إذا كانت موظفة، وذلك نتيجة الأوضاع السائدة، وتقاليد المجتمع، ونتيجة لكل هذا، فإن الزوج يحاول أن يُعامل الزوجة معاملة مهينة أحياناً، وذلك لتفريغ ما بداخله من غضب ومشاعره السلبية، نظراً لأنه يرى بأن زوجته أعلى منه في جميع الأمور الحياتية، وهناك نساء يحتملن ذلك، ولكن إذا تمادى الزوج في تعامله السيء، فإن المرأة قد تطلب الطلاق إن مشكلة المرأة التي تكون أعلى من زوجها أكاديمياً، ويكون زوجها غير مُتقبل لهذا الوضع، فإن حياتهما تكون غير مستقرة، ويُسقط الرجل مشاعره بالدونية على زوجته، مما يجعل الحياة صعبة جداً في كثير من الأوقات. بالطبع هذا ليس تعميماً على الجميع، ولكن نسبة قد تكون صغيرة أم كبيرة من الرجال لا يقبلون بأن تكون الزوجة أعلى منهم مستوى .