قضية وسؤال تطرحهما المرأة التي لم تتح لها الظروف والتقاليد فرصة التعليم بالشكل المتكافيء الذي أتاحته للرجل، وإن كنا في السنوات الأخيرة نشهد ونتابع نهضة علمية تشارك فيها المرأة كما يشارك فيها الرجل، ولكن ماذا تفعل الزوجة التي لم تحصل على قدر من التعليم يتناسب وثقافة زوجها ودرجاته العلمية..؟! كثيرا ما نجد المهتمات بقضايا المرأة متفقات على ازدواجية المسؤولية بين الزوج والزوجة، وعلى ضرورة التقارب العقلي والفكري بينهما حتى تسير سفينة الحياة الزوجية سيراً طبيعياً، فالحب وحده لايكفي لسيرها، أحياناً يفضل الرجل أن تكون زوجته أقل تعليما منه معتقدا أن تفوقه العلمي عليها سيضمن له حياة هادئة هو السيد فيها، ولكن التجربة العملية أثبتت ان التقارب العلمي والثقافي بي الزوجين يخلق تجارب أكثر نجاحاً، هل فعلا تعد أمية المرأة امام ثقافة زوجها، إعاقة معرفية تزعجها.! وهل المشكلة لها حل؟ اسئلة ردت عليها الباحثة فاطمة الزهراء مرداس مستمعة في مركز لاسعاف النساء في وضعية صعبة.
تقول: ان الوقت لم يفت، فالزوجة التي لم تحصل على قدر من التعليم يتناسب وما حصل عليه زوجها، تستطيع أن تنمي معارفها وثقافتها بالقراءة، تبدأ بالمجلات التي تهتم بالأسرة، ثم بالمجلات الأدبية والثقافية، وبعدها لديها الكتب التاريخية والفكرية، فقط عليها أن تتحلى بالإصرار والدأب، وان تدرك أهمية الثقافة بالنسبة لها ولزوجها، على الأقل عليها أن تقرأ وتطلع على الصحف اليومية والاهتمام بأبرز القضايا المحلية والعالمية المطروحة، ثم يمكنها مثلا أن أن تضع لنفسها برنامجا تعليمياً متدرجاً لن يستغرق منها أكثر من ساعتين في اليوم، بعدها ستدرك كم كان ضروريا ما حققته لها ثقافتها ولزوجها ولبيتها وأيضا لمجتمعها.. إننا نعيش وفقاً لتقاليد مجتمعنا، وهي جزء من موروثاتنا الاجتماعية التي تلزم الرجل بالزواج من ابنة عمه أو قريبته التي لم تحصل على قدر كاف من التعليم، بينما حصل هو على تعليمه من جامعات اوروبا، وهي موروثات لاتجد غضاضة في ان يكون للرجل دور في نهضة مجتمعه، بينما الحوار بينه وبين زوجته مقطوع، ولكن على المرأة والرجل ان يرفضا هذا الوضع، وان يبذلا معا جهداً لتضييق الفجوة الفكرية بينهما، ويستلزم الأمر شجاعة من الرجل وإصراراً من المرأة، وفي أحيان كثيرة يلجأ الزوج إلى صديق له أو إلى عدد من أصدقائه طالباً مشورتهم في أمر يعترضه، في الوقت الذي لايفكر في اللجوء إلى زوجته حتى لمجرد استطلاع رأيها.. إن لجوء الزوج إلى أصدقائه للتشاور معهم تاركاً زوجته، يعدّ من أقسى السلوكيات على نفسها، فهو السلوك الذي يذكرها باعاقتها الثقافية والمعرفية وتباعدها الفكري عن زوجها، لكن على المرأة أن تأخذ هذه الأمور بشيء من التعقل والاتزان، كما أن عليها ألا تستسلم لهذا الوضع.. نعم العلم يصقل الشخصية ويطور وعيها، لكن لايقف العلم عند مجرد الحصول على الشهادة الدراسية، فلدينا في حياتنا اليومية مثلاً الكثير من حاملات الشهادات اللاتي لايتمتعن بشخصية قوية ناجحة، كما ان التجارب العائلية تؤكد أن بعض النساء الأميات يلعبن أدواراً، ولديهن آراء غالباً ما تكون صائبة بجانب العلم، توجد الخبرة العملية التي تصقل هي الأخرى الشخصية، لكن على مثل هؤلاء الزوجات اللاتي يشعرن بتباعد أزواجهن عنهن ألا يستسلمن لهذا الواقع وألا يعتمدن فقط على الخبرة اليومية التي تعطيهن خبرات جمة، يجب عدم الاعتماد على ذلك فقط، بل لابد من تنمية القراءة والقدرة على الإطلاع، أي التثقيف الخارجي الذاتي الذي يكون أجدى في بعض الأحيان من الحصول على شهادات دراسية، كما أن للزوج دورا أساسيا مع زوجته، فعليه أن يشجعها على القراءة وأن يشاركها في الحوار واتخاذ القرار في أمور حياته، حتى تلك الأمور العملية وسوف يجد حتما في رأيها ما يعينه وما ينير له طريقه، وتصبح هي أقرب المقربات له من الأصدقاء، وأعتقد أن الرجل أصبح مدركا لأهمية تعليم المرأة ودورها في المجتمع، لذا سيصبح من السهل عليه أن يشجعها على التعليم والتطور. فأن تكون الزوجة غير متعلمة، أمر مقبول اجتماعيا، لكن تنفجر المشكلة عندما يقضي الزوج احتياجاته الذهنية خارج إطار أسرته مع أصدقائه،و لمعالجة هذا الوضع لابد أن تشعر الزوجة أولا بوجود المشكلة، كذلك لابد أن يشعر بها الزوج، ثم لابد أن يشعرا معا أن هناك احتياجا يلبى خارج علاقتهما اليومية المنزلية، أي أن الاحتياج والتواصل الثقافي والإنساني يلبى خارج العلاقة الزوجية، في هذه الحالة لابد للمرأة أن تبدأ حتى لو كانت البداية من الصفر، أي أن تبدأ بخوض معركة الأمية، وقد أصبح هذا متاحا، الآن أصبحت المجتمعات متنبهة لدور المرأة وأدركت أن تخلف المرأة هو جزء من تخلفها العام، ويوجد الآن مناخ اجتماعي عام يتيح للمرأة التعلم في الكبر في دورات محو الأمية والتعليم الغير النظامي، وعلى الزوج في هذه الحالة أن يصبح طرفا مساعدا لزوجته لأنه سيكون أول المستفيدين من تلك التحولات التي ستحدث لزوجته. وهكذا يمكن لهذا الجدار السميك الذي أقامه التفاوت الثقافي والتعليمي بين الزوج والزوجة أن يتهاوى، فلم يعد التعليم النظامي هو المصدر الوحيد للعلم، فقد بات في المجتمع روافد أخرى للعلم والثقافة منها «الصحف والمجلات والكتب والبرامج الإذاعية والتلفزيونية»، هذا بالإضافة الى إمكان الحصول على برنامج دراسي محدد إذا سمحت بذلك مسؤولياتها كأم وزوجة، كل هذا قادر على تقريب المسافات بين الزوج والزوجة وهدم الجدار المسميك الذي ينشأ بينهما نتيجة للتفاوت الفكري والثقافي، كما يمكن للزوجة أن تطالع الكتب الدراسية لأولادها، بل صادفت في إطار عملي الميداني مع الجمعيات النسائية ،، صادفت أمهات درسن مع أولادهن سنة بسنة، وللزوج دور مهم مع زوجته، أولا لابد أن يشجعها وأن يدفعها للتعبير عن رأيها أيا كانت بساطته وألا يواجهها بسخرية واستخفاف، وكأنه يؤكد على تميزه الثقافي والعلمي عليها، أيضا من الممكن أن يقدم لها كتبا على سبيل الهدايا ويحثها على قراءتها، ثم مناقشتها فيما تطرحه تلك الكتب، ومن واجبه أيضا أن يحيطها بمناخ ثقافي من أسر الأصدقاء في سهرات تأخذ الطابع الثقافي عموما. من هنا سوف تضاف إليها معلومات ضرورية وبلاشك سوف تكتسب ثقة بنفسها تدفعها الى المزيد من المعرفة والثقافة. ليبقى الحوار الذهني بين الزوجين أمر ضروري، ويمثل فقدانه خطرا على الحياة الزوجية، وتقع مسؤولية درء هذا الخطر على عاتق الزوجين معا دون القاء المسؤولية على أحدهما فقط..