من مدينة سلا، اختارت الصحفية لورين كويشك أن تنقل مشاهد من معاناة بعض الأسر التي ذاقت المرارة بسبب غياب رجل عنها، فعبر تطرقها لموضوع الأطفال غير الشرعيين بالمغرب، كانت لورين مجبرة على الإحاطة بالموضوع من جوانب عديدة، خاصة منها الحقوقية والقانونية التي تعتبر حجر الأساس في الموضوع. ومن أهم ما ركزت عليه لورين، معاناة الأم العازبة التي تحمل همّ الأسرة مهما كان عدد أفرادها قليلا، فهمها الذي يظهر هائلا وهي حامل بطفل لا أب له، يتفاقم بعد الولادة ويستمر على نفس المنوال مع مرور السنون، وهو ما فصلت فيه في الربورتاج التالي: كنزة وابنيها عزيزة ومحمد، هم أسرة كباقي الأسر المغربية، لكن وفقا للحكومة المغربية، أسرة كنزة تعتبر غير موجودة، لأن أطفالها غير شرعيين، ويفتقرون إلى الوثائق الأساسية. "في بعض الأحيان، أفكر في ترك كل شيء ورائي، وأتمنى أن لا أعود أبدا" تقول كنزة، مضيفةً: "غرائز الأمومة فقط هي التي تمنعها عن القيام بذلك"، وباعتبارها أما عازبًا عاطلة، فوضعها غير مستقر أكثر من غيرها، هي وأطفالها الذين يصفهم المجتمع كما القانون بغير الشرعيين. في المغرب، الأطفال المولودون خارج إطار الزواج هم أطفال غير قانونيون، وعملية "إضفاء الشرعية" عليهم صعبة للغاية، خصوصا إذا كان الأب غير معروف أو غير موجود. هؤلاء الأطفال لا يتعرّضون للتمييز المجتمعي فقط، لكن عدم قدرتهم على الحصول على وثائق قانونية تجعل العديد من جوانب الحياة صعبة، منها على وجه الخصوص التمدرس والاستفادة من الرعاية الصحية ثم في وقت لاحق إشكال الحصول على وظيفة. في عام 2004، حصل تعديل قانوني لجعل الأمر أكثر سهولة بالنسبة للأمهات العازبات لتسجيل أطفالهم بالمدارس، ولكن الكثير من المواطنين المغاربة يقولون إن هذه التعديلات لم يكن لها تأثير عملي يذكر: "معظم الأمهات العازبات يعزفن عن تسجيل أبنائهن في المدارس خوفا وتفاديا لهذه الإجراءات"، تقول عائشة الشنا، رئيسة جمعية التضامن النسوي، الهادفة لمساعدة الأمهات العازبات في المغرب. وثائقي "الأنذال" لسنة 2014، الذي تمّ إنتاجه من قبل منتج البي بي سي السابق ديبورا بيركن، يسلّط الضوء على كفاح الأمهات غير المتزوجات والأطفال غير الشرعيين في المغرب، ويرصد قصة "رابحة" وعراكها مع المساطر وقوانين المحاكم في محاولاتها لإضفاء الشرعية على ابنتها، سلمى، بمساعدة من جمعية عائشة الشنا. ووفقا لجمعية إنصاف، وهي جمعية مهتمة بمساعدة النساء والأطفال، فإن الإحصائيات تشير إلى كون "المغرب يعرف ولادة ما يقدر بنحو 153 طفل غير شرعي كل يوم"، الغالبية العظمى من هذا العدد مصدرها الأسر الفقيرة. وفقا للشنا، حتى عندما يحصل الأطفال غير الشرعيون في المغرب على الوثائق القانونية التي يحتاجونها إداريا، فهم يظلون في مواجهة دائمة مع التمييز المجتمعي طيلة حياتهم. ويرجع السبب لكون المستندات والوثائق التي يحصلون عليها غالبا ما تستحضر الماضي، أي أنه حتى لو تم سرد أسماء خيالية للأب على سبيل المثال، فلن يُكتب اسم جده، ممّا سيكشف عن كون الطفل قد وُلد خارج إطار الزواج. أما القانون المغربي، فيعتبر أن كل العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج جريمة يعاقب مرتكبها، كما يمكن محاكمة المرأة فيها بتهمة الدعارة، ومتابعتها في ظل النصوص الخاصة بهذه التهمة. وبالإضافة إلى كل هذا، يتذوق الأطفال الذين يولدون من هذه العلاقات أيضا المرارة المترتب عنها منذ أيامهم الأولى، لأنهم لا يتمكنون من الحصول على بطائق تحديد الهوية إلا بعد عرض رخصة زواج الوالدين التي لا وجود لها في حالاتهم. من أبشع ما يترتب عن ما سبق ذكره، أن الأمهات يمكن أن يحاكمن بما يناهز مدة شهرين سجنا وغرامة مالية إذا لم يسجلن الطفل في غضون 30 يوما من الولادة. وهنا يظهر أن "القوانين متناقضة وتؤدي إلى فهم مختلف وتفسيرات متباينة بين السلطات المحلية التي قد تسمح وقد لا تسمح للأمهات العازبات في نهاية المطاف بالحصول على دفتر للحالة المدنية "، تقول ستيفاني ويلمان بوردات، محامية ومؤسسة جمعية (MRA) التي تتخذ من الرباط مقرًا لها، وهي جمعية غير حكومية تدافع عن حقوق المرأة. عدم الحصول على دفتر الحالة المدنية من قبل الأم العازبة وما يترتب عنه من مشاكل، لا يتوقف عند هذا الحد، بل يمتد ليطال الحياة التي يُراد ذلك الجنين الذي ولد بدون أب تأسيسها، فالحالة المدنية هي واحدة من عدة وثائق المطلوبة لتحديد الهوية القانونية، التي من الضروري التوفر عليها للحصول على رخصة الزواج. وهنا يتعقد الأمر أكثر، أي عندما يفكر الشخص غير الشرعي أن يدخل في علاقة شرعية لتفادي أن يعيد أبناءه نفس تجربته، وهنا يجد أن ماضيه ما يزال متربصا به وربما بما تبقى من حياته.