التقيانهن.عددهن في تزايد. في سنة 2009 فقط أنجبن 27 ألف مولود خارج مؤسسة الزواج. تلك النظرة المحقرة والفقر ينهشهن من الداخل، وهذه معاناتهن التي يلجأن إلى "ماما الشنا" لإنقاذهن منها. "فبراير.كوم" تحقق بالصوت والصورة في قضية لازالت طابو. اللي خرجات للدعارة والله العظيم معذورة، والكلام هنا ل"أمل" التي لم تتردد في أن تفتح قلبها ل"فبراير.كوم" لكنها لا تخفي أنها تخاطبنا باسم مستعار، لا يهم إن كانت أمل أو سعيدة، وإن كان الاسمين معا لا ينطبقان عليهما، سعيدة تجد صعوبة عند كل نهاية شهر في تسديد واجب كراء تلك الغرفة المتواضعة، والتي يصل ثمن كراءها 700 درهم، أمل لازالت تحلم بغذ أفضل تأخر كثيرا. تحقيق "فبراير.كوم" يأخذكم إلى ما وراء طابو الأمهات العازبات والمواليد الذين يزداد عددهم بالآلافبالصوت والصورة وهذا رابطه: الشنا:الامهات العازبات أنجبن 27 ألف طفل في كازا! وليست هذه سوى بدايات المعاناة التي لا تقف في مشوار الحياة التعيسة، فحينما تتوجه أمل إلى المستوصف، مثلا، ترافقها تلك النظرات التي تسخر منها، وهي التي قُدر عليها أن تصبح أما عازبة.. غادرت قسرا فضاء العائلة الفقيرة نحو الشارع، حيث كل أصناف الانحراف والدعارة أيضا، وإذا كان العديد من الأمهات العازبات اللواتي التقتهن "فبراير.كوم" أكدن لنا أنهن يقاومن، فلا يلجأن إلى بيع أجسادهن من أجل إعالة أبنائهن، كما أكدت لنا إحداهن في مركز التضامن النسوي (أنظر الفيديو)، فقد كان لإحداهن الشجاعة لتقول لنا بالحرف:"اللي خرجات للدعارة والله العظيم معذورة" تردد محاورتنا من جديد وهي تضغط بشدة على مخارج الحروف بلغة عامية قاسية. الذي يجمع بين أمل وسعيدة وسوسن أيضا، أنهن أمهات عازبات، لكن سوسن التي كتب عليها أن تعيش حياة الأم العازبة بعدما تم اغتصابها، استسلمت لوضعها الجديد، بما في ذلك حالتها المادية المتعسرة، لكن أمل، وتذكروا أنها لا تحمل من هذا الاسم إلا السراب، انطلقت من الصفر، وارتمت في فصول التكوين والدراسة برحاب جمعية التضامن النسوي لصاحبتها عائشة الشنة، أو "ماما الشنا" كما يحلو للكثير من ضحايا حمل لقب "الأم العازبة" الذين يحتمون ببيت التضامن النسوي من الفقر والجهل والظلم، أن ينادونها.. اليوم أمل اجتازت امتحان الباكلوريا بنجاح، في نفس الوقت الذي تدرس فيه تقنيات الإعلاميات، وتشتغل أيضا، وهو ما مكنها من اكتراء غرفة، صحيح أنها متواضعة، لكنها تكفي لإيواءها وصغيرتها:"هناك الكثير من الأمهات العازبات بنين حياتهن بعرق جبينهن، وهناك الكثيرات اللواتي ساعدتهن الجمعية للحصول على عمل ومنهن من درسن أو أكملن دراستهن"، تقول أمل وعلامات الفرح تتراقص في عينيها. إنها حياة عشرات المئات من الأمهات العازبات، ليس كلهن بالضرورة يمرن من جمعية التضامن النسوي، ولكن اللواتي يرمين تعاستهن على أطر الجمعية يستفدن من برنامج اجتماعي متكامل، فلنستمع لرجاء المساعدة الاجتماعية التي قضت سنوات في فضاءات الجمعية:"إنهن يستفدن من دعم مالي من صنفين، 300 درهم تسلم لهن كل شهر، و15 درهم يحصلن عليها كل يوم، وهو التشجيع الذي يمثل 75 في المائة من هذا البرنامج، بالإضافة إلى المرافقة الصحية والإنجابية والاجتماعية، على أساس أن يتحملن ال25 في المائة المتبقية حتى لا يتكلن على الجمعية في كل حاجياتهن، إننا نعمل بالمثل الصيني لا تعطيني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد".تقول رجاء التي راكمت تجربة في العمل الإجتماعي قبل أن تضيف:"هناك بعض الجمعيات التي تساعدهن في توفير سكن شهري على أساس أن تسدده الأم العازبة على شكل اقتطاعات لمدة يمكن أن تصل إلى خسمة أشهر"، ولذلك تقاطعها أمل التي أخبرتنا أنها واحدة من الأمهات العازبات اللواتي استفدن من هذا البرنامج، بما في ذلك برنامج المساعدات الذي يختلف من الفوطة إلى الحليب الخاص بالأطفال والطعام، الشيء الذي يمكن أن يصل إلى 3500 درهم في الشهر، إضافة إلى الإكراميات التي تمنحها الجمعيات الخيرية أو المحسنين للجمعية، وليس للأمهات مباشرة، قبل أن تختم رجاء:"المغزى من ذلك هو أن نعلمهن أن يعتمدن على أنفسهن شيئا فشيئا، وعلى أن يتحولن من ضحايا سلبيات إلى ضحايا فاعلات".. لكن ليس كل الأمهات العازبات مثل أمل، فلنستمع من جديد للمؤطرة الاجتماعية رجاء:"لا يعقل أن تفتح هذه حسابا بنكيا من المساعدات التي تتوصل بها من جمعيتنا، فيما أخريات لا يوفرن ما يسددن به فاتورة الماء أو الكهرباء، بل إن منهن من يرتمين في جحيم الدعارة. هذا الوضع لا نقبله، ونجتهد لكي تتجاوزنهن ". من مرارة حياة الأمهات العازبات، ومن عمق محنهن وتعاستهن، تحتفظ عائشة الشنا بالكثير من تفاصيل المعاناة، سير ذاتية سوداء مند أن فتح أصحابها أعينهم، المئات من اللواتي لم يجدن فضاء يحتمين فيه سوى "ماما الشنة" وجمعية "ماما الشنة"، لكن اليد الواحدة لا تصفق كما يقول المثل المأثور، ولذلك لا يمكن أن تلبي جمعية التضامن النسوي كل الحاجيات، ولذلك بالضبط، كان على عائشة الشنا أن تطرق جميع الأبواب الموصدة، ولذلك كان عليها أن تطلب بالضرورة التدخل الحكومي:"500 مليون سنتيم لسد تعويضات المساعدات الاجتماعيات ومصاريف الضمان الاجتماعي واقتطاعات التأمين والمواد الغذائية وفواتير الماء والكهرباء والتطبيب.."، تقول عائشة بتواضع شديد، لكن أحد الممولين يكشف حقيقة المجهود الجبار الذي تقوم به للا عاشة، وهو يصرخ أن هذه السيدة أمنت للأمهات العازبات جزيرة للسلم في عالم مليء بكل أنواع الانحراف والجريمة، لمدة تزيد عن خمسين سنة من العمل الشاق المتواصل، ومع ذلك فإن الحاجيات أكثر وأكبر، ولذلك بالضبط تتساءل "ماما عائشة" بصوت خافت لكنه يخفي مرارة سيدة تعاني من قلة الحيلة:"أين هي المنظمات الحكومية؟ أين هي المقاولات المواطنة؟ لحدود الآن لا أملك سيارة ولا أستجدي أحدا، لقد وهبت نفسي لقضية الأمهات العازبات منذ خمسين سنة، ومع ذلك لم نستطع أن نتحكم في هذه الظاهرة على الأقل في الدارالبيضاء، فما بالكم في بقية المدن، وهذا ما يحز في نفسي. إنني أتألم، ولذلك حان الوقت لتتدخل الحكومة، والمنظمات غير الحكومية، وكل الضمائر الحية، علينا أن نجهر عاليا:كفى ". بنفس المرارة وحجم الغضب وقوة المعاناة التي جعلت "ماما عائشة" ترفع الصوت للكل تقول "كفى"، تصرخ ليلى مجدولي الكاتبة العامة للجمعية، لأنها بكل بساطة لا تقوى على إيجاد الحل المناسب للمعادلة العصية، ضلعها الأول ليس إلا ارتفاع الحاجيات، أما الثاني فهي التكاليف المرتفعة:"هناك من يعتقد أننا نتلقى الملايير، وأن ميزانية الجمعية تقدر بالملايير أيضا، لكن الحقيقة ليست كذلك تماما، وإلا ما كان علينا أن نطرق العشرات من الأبواب الرسمية، لكي نؤمن حاجيات 35 أم عازبة، من المواد الغذائىة وحليب الأطفال والفوطة الصحية "ليكوش" والتطبيب، فهل تعلمون كم هو عدد الضحايا؟ إنهم بالآلاف". المعادلة صعبة، عصية على الحل، بالنسبة للجمعية، علما أن كل شيء ممكن، والكلام دائما لليلى، فإذا تدخلت الحكومة والمنظمات الإنسانية غير الحكومية وأصحاب الضمائر الحية، يمكن تطويق الظاهرة، ويمكن حل كل القضايا المترتبة عن جرائم الاغتصاب والعنف ضد النساء، من الأمهات العازبات إلى أطفالهن، لكن ليلى تصر على أن الدعم المالي ليس هو الإجراء الأول والأخير الذي سيقضي على الظاهرة:"علينا تغيير القوانين أولا، ويجب أن تساير هذه القوانين التطورات التي تحققت على الميدان، والتي ساهمت فيها الأمهات العزبات اللواتي كسرن المسكوت عنه في هذا الطابو الاجتماعي، وأعطين النموذج بأنهن قادرات على أن يكن فاعلات في الحياة المجتمعية، كلما أعطيت لهن الفرصة والإمكانيات، ولدينا حالات استطعن تربية أبنائهن بطريقة جيدة، ومنهن من اعتلين مراتب مهمة. حينما تتوفر كل هذه الشروط، نكون قد وضعنا القضية في سكتها الصحيحة".
عندما يتعلق الأمر برد الاعتبار للأم العازبة، والدفاع عن حقوقها وحقوق طفلها، نجد عائشة الشنا في المقدمة، وعندما يتعلق الأمر بالدفاع عن حقوق النساء مهما اختلفن في درجات الانتهاك الذي تعرضن له، نجدها في الصفوف الأمامية للتكثل الجمعوي الذي أطلق عليه "ربيع الكرامة"، وهو الإطار الجمعوي الذي ضم 22 جمعية، ولا يدافع بالضرورة عن حقوق النساء، ولا يحمي بالضرورة النساء المعنفات، كالأمهات العازبات على سبيل المثال، ولكنه النسيج الجمعوي الذي أصرت عائشة الشنا أن لا يدافع لا عن المرأة ولا عن الرجل، ولكن عن هما معا، أي عن الأسرة:"سيأتي ذلك اليوم الذي سنقدم فيه تجربتنا للعالم"، تقول الفاعلة الجمعوية عائشة الشنا بافتخار، علما أنها لم تنس أن الطريق لمحاربة الظاهرة، أو على الأقل، تطويقها طويل وغير مفروش بالورد، ولذلك بالضبط، تركت رجاء المساعدة الاجتماعية التي عايشت الكثير من الحالات، الباب مواربا لمعالجة القضية من جانب آخر، ليس إلا القضاء الذي يختلف في التعاطي مع الحالة الواحدة، على الرغم من وضوحها، سواء في حقيقة الجرم كالاغتصاب، أو في النتائج المترتبة عنه، كالأطفال، ولذلك تطالب رجاء وعلامات الغضب تتملكها بضرورة تجاوز هذه الوضعية وهي تردد:"شي كيشرق شي كيغرب" وتضيف:" لابد من إجراء تغييرات على القانون الجنائي تكون ملائمة مع المرجعية إسلامية، لأنه إذا كان المغرب قد صادق على المواثيق الدولية في بعدها الحقوقي، فإنني لا أرى تعارضا بينها وبين الإسلام، وكلاهما يدافعان عن المرأة وعن شرف المرأة وعن حقوق الطفل.. كلنا نسعى لحماية الأم والطفل أيضا الذي يمثل مواطن الغد، لا نريده إنسانا حاقد فقط لأن أمه عازب، ولا نريد أن يحقد عليه المجتمع فقط لأنه منتوج علاقة كان لها أن تستمر في فضاء أسري، فعندما تجد المرأة العازبة من يقبل ظروفها الاجتماعية ويطلبها للزواج، تقع في إحراج شديد بسبب طلب إثبات الزوجية، وعندما لا يتجاوب القانون مع مثل هذه الحالات، نكون عمليا قد استنزفنا قوانا جميعا، حتى حينما يريد الأب أن يعترف بابنه، نقع في بعض العراقيل القانونية من قبيل إحضار العدول مع أن المدونة تقول بإقرار الخط فقط، كما نسقط في بعض التفاصيل، كالتشطيب على الاسم القديم واستبداله باسم جديد، الذي يتطلب عقدا جديدا بدل العقد القديم، علما أنه لا يتم اعتماد الحمض النووي".
لاحظوا أن القضية معقدة ومتشعبة، وأن الكفاح المرير للشنا ولرفيقاتها في جمعية التضامن النسوي يحتاج لأيادي كثيرة لتقدم العون، خصوصا أن أرقام النساء العازبات في تزايد:"كل يوم تصبح 100 شابة أما عازبة"، تقول ماما عائشة بكل صراحة، ثم تضيف ما هو أمر" كل شيء طابو، من الحديث عن التربية الجنسية سواء في المدارس أو في الأسرة، إلى موانع الحمل، وهو ما يزيد في عدد الضحايا من النساء، أضف إلى ذلك أن القوانين لا تحمي المرأة المعنفة بما يكفي، ولكم في الأرقام التي يتم الإعلان عنها بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد المرأة، ما يؤكد أننا نغرق في الوحل". تتذكرون بالتأكيد أمل وسوسن، وتتذكرون بالضرورة معاناتهن وقد تحولن إلى أمهات عازبات قسرا، وها هي نوال التي لم تحتفل بعد بعيد ميلادها الثالث والعشرون، فكتبت عليها نفس المعاناة، حينما أحببت جنديا، فطال ذلك الحب لأربع سنوات، قبل أن ينتج بذرة بدأت تتحرك هذه الأيام في أحشائها، لكن "زوجها" تخلى عن الحب وعن الوعد بالزواج، أما حينما انتفخت بطنها، واكتشف أفراد أسرتها الفاجعة، طردتها من أحضانها، فنامت الحكرة إلى جانب الجنين، الضحية الأكبر.. أما طامو ذات الملامح البربرية الجميلة التي رفضت في البداية التحدث إلينا، مخافة تسرب "الفضيحة"، قبل أن تقتنع بالرسالة المثلى من هذا التحقيق، فقالت إن مصيبتها بدأت حينما اشتغلت عاملة في أحد المنازل لأنها لم تستطع إكمال دراستها بسبب فقر الأسرة المتواضعة أصلا، ولذلك عندما هربت من منزل مشغلتها بسبب جبروتها، على حد قولها، وجدت نفسها في الشارع، وبالضبط في أحضان وحش اغتصبها، وهي اليوم حامل:"حتى الشراب شربتو غير باش نطيح الولد، ولكن الغالب الله"!! مصائب لا تتوقف، ومحن لا تنتهي، والظاهرة في اتساع، ليس لأن أمل وسوسن ونوال وطامو اغتصبن، ولكن لأنهن نماذج ليس إلا، والمساعدة الاجتماعية سعاد الطاوسي تؤكد ل"فبراير.كوم" أن الوقت حان لمواجهة الظاهرة بحزم، والحل يبدأ بتسطير خطة شمولية تتجاوز النظرة التجزيئية، ويبدو أن سعاد على صواب، وهي تتقاطع في ذلك مع عائشة الشنا وليلى مجدولي والمساعدة الاجتماعية رجاء، وقد دققن ناقوس الخطر الذي يتهددنا وينمو بين ظهرانينا بهدوء، وليست هذه خطبة إنشائية، وإنما الحقيقة التي وقف عليها "فبراير.كوم" في هذا التحقيق الذي قادنا إلى أغوار مظلمة ومآسي سوداء.. ليست نعيمة التي بدت مثقلة بالهموم وعمرها لا يزيد عن 22 سنة بسبب المصائب التي تعيشها أمها التي اغتصبت وأنجبت في الشارع وهي صغيرة، وتعيش اليوم أسوأ أيامها بسبب أخيها الذي يجتهد في ضربها وإهانتها، أما زوجها فلا يهمه إلا المال، ومشغلتي بدورها لا تتوقف عن سبها:"لاتكتفي بإهانتي، وتمارس علي تعذيبا جسديا بشعا، فما ذنبي أنا التي اغتصبت وأنا ما أزال صغيرة؟"، ما ذنبها؟ أجيبوا من فضلكم؟ فهل تعلمون أنه بسبب كل هذه المتاعب المقرفة التي تلاحقها منذ اليوم المشؤوم، فكرت في الانتحار أكثر من مرة؟ عفوا، هل تعلمون أنها حاولت مرة وفشلت؟