من أجل دولة أورشليم الفيدرالية قد يبدو العنوان صادما، خاصة في ظل التوترات الراهنة، لكنه حقيقة لا بد من مواجتها وهو سؤال يطرحه الكثيرون سرا أو في أحاديثهم الخاصة، فما الذي يمنعنا من طرحه علانية، بدون حساسيات أو خوف مرضي من النوايا المبيتة، ولم لا نعتبره نقاشا مفتوحا ما دام المهرولون نحو التطبيع يستغلون كل مناسبة للبحث عن التميز و تقديم انفسهم كأبطال يتحدون المنع و القطيعة، التي هي ظاهرية فقط، بينما يستمر الصراع الدائر هناك تتضارب فيه الحقائق و الوقائع، فلكل حقيقته و منطقه الى درجة اختلطت معها الأوراق و أصبح من الصعب التمييز بين الغث و السمين. لنفكر بطريقة منطقية، لقد استمر هذا الصراع لفترة طويلة، وما عاد الزمن يسمح بولادة أبطال من طينة صلاح الدين رغم تحفظاتنا، لأن شروط الحضارة تغيرت وأصبحت السياسة محكومة بمنطق المصلحة الخاصة، بعيدا عن شعارات الوحدة والقومية وغيرها من العناوين البراقة، ومن يدفع الثمن هو الانسان سواء الفلسطيني أو العربي أو الاسرائيلي، لأنه ضحية صراعات الساسة ومصالحهم التي لا تنتهي، في ظل خارطة متشابكة الأطراف. ماذا كسبنا من هذا الصراع، الذي يبدو أزليا لا تلوح في الأفق أية حلول ممكنة له، ما دامت كل الأطراف قد اختارت المهادنة بدل المواجهة، وأصبح التطبيع الضمني خيارا يلجئ اليه كل راغب في الكسب مهما كانت طبيعته، بل ان الأطراف المعنية نفسها تخوض صراعا من أجل السلطة، فقدت معه القضية أكثر مما فقدته في صراعها مع الدولة العبرية، دون أن تلوح في الأفق بوادر تصالح تخدم الشعب قبل السلطة أو الدولة. أنا الآن أتحدث كمواطن، قد أترجم أفكار شريحة معينة من المواطنين العرب، وقد تكون أيضا أفكار كثير من الساسة لكنهم لا يعبرون عنها لأنهم محكومون بمنطق السياسة العامة. اذا كانت فكرة قيام دولة فلسطين الى جانب دولة اسرائيل تبدو مستعصية وبعيدة المنال، تكاد تحيط بها المستحيلات من كل جانب، فلماذا لا ندعو الى خلق دولة فيدرالية تحمل اسم أورشليم تتكون من ثلاثة أوأربعة كيانات منها الضفة الغربية، قطاع غزة، اسرائيل، لكل منها حكوة محلية و برلمان محلي، ويتوحد الجميع في حكومة فيدرالية و برلمان فدرالي، دولة بهوية واحدة وديانات وشعوب متعددة، عاصمتها القدس تتقاطع فيها الحضارات، وتستطيع أن تتحول الى قطب للعالم باعتبار أن هذه الأرض لها قدسيتها عند جميع الدينات السماوية، ويمكنها عن طريق السياحة الدينية فقط أن تتحول الى قوة اقتصادية مهابة الجانب، توفر لشعوبها الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لحياة مستقرة كريمة بدلا من هذا الصراع الذي يستنزف الأرض والانسان، ويحول المنطقة الى برميل بارود فوق فوهة بركان قد يحرق المنطقة كلها. لماذا لا ننزع فتيل الحرب وهذا الاحتقان، لنؤسس لمشروع السلام بعيدا عن التعصب والعداوة الدينية المفتعلة، حتى لا نسقط في فخ الأطروحات الا رهابية أو الخرافات الشيعية حول الصراع بين اليهود والمسلمين. التعايش ممكن والحوار ممكن، لكننا ألفنا ان نوجه دائما أصبع الاتهام للآخرين، تطبيقا لمقولة الفاعلية الغيبية، حتى نخلي ذمتنا. انني أدعوكم الى أن ننظر للقضية بموضوعية و أن نفتح نقاشا حول هذه المسألة بعيد عن التعصب، ربما نستطيع أن نمنح للأجيال القادمة بعضا من الأمل ؟