بقلم الدكتور عبد الصمد الديالمي »في إطار المناظرة الوطنية التي نظمتها وزارة الصحة حول الإجهاض يوم 11 مارس 2015، قدم مصطفى بن حمزة عرضا تمركز حول تحريم الإسلام للإجهاض. وقدم ذلك التحريم على أنه تحريم قطعي ونهائي وأنه من ثوابت الإسلام. تدخلتُ في المناقشة من أجل عرض مجموعة من النقط. أولا، تطرقتُ إلى تحريم الإسلام للإجهاض فبينت أن تحريم الإجهاض منذ الحمل لا يوجد إلا عند المالكية. فتساءلت، انطلاقا من مقالتي بعنوان " في مكافحة الإجهاض السري بالمغرب "، وهي منشورة سنة 2010 بالمجلة الإلكترونية " الأوان "، تساءلت عن سبب تغييب المذاهب الفقهية السنية الأخرى عند التطرق لمشكل الإجهاض، وهي مذاهب سنية تبيح الإجهاض إلى حدود نهاية الأربعين يوما بعد الحمل، أي قبل التخلق في نظر الشافعية والحنبلية، أو إلى نهاية الشهر الرابع قبل نفخ الروح عند الحنفية. وأكدت أن اختزال موقف الإسلام من الإجهاض في موقف المالكية لا يستقيم علميا. ثم تساءلت عن سبب تغييب الفقيه لهذا الاختلاف الفقهي عند مخاطبة عامة الناس في وسائل الإعلام البصرية والسمعية : لماذا لا يبين لهم أن تحريم الإجهاض منذ الحمل مرتبط فقط بالمذهب المالكي؟ وخلصتُ إلى أن تصرف الفقيه بهذا الشكل يجعل منه فقيها متمذهبا يوهم الناس بأن الإسلام حرم الإجهاض بشكل قطعي ونهائي. ويمنعه هذا الطرح من أن يكون عالم دين يعرض المذاهب الفقهية كلها بموضوعية ليبين للناس أن الإجهاض موضوع خلاف فقهي، فيجتهد من أجل إيجاد الجواب الإسلامي المناسب لمغرب اليوم بخصوصياته وحاجياته ومصالحه. طيلة عرضي وتفصيلي في هذه القول، لم أخاطب أبدا بنحمزة ولم أشر إلى عرضه. كان تحليلي تحليل سوسيولوجيا دينية، غير مشخصن بالمرة. ثانيا، أشرتُ إلى أن تحريم الإجهاض لا تأخذه العازب المغربية بعين الاعتبار عند مواجهة حمل غير مقصود وغير مرغوب فيه. همُّ العازب هو التخلص من الحمل تجنبا للسخط العائلي والاجتماعي رغم شعورها بالإثم نظرا لاعتقادها أن الإجهاض حرام قطعا. وهو اعتقاد خاطئ ناتج عما سمعته تلك العازب من فقهاء متمذهبين لا يهتمون بحقيقة الإسلام بقدر ما يهتمون بالترويج لمذهبهم. من هنا خلصتُ إلى أن تقنين الإجهاض أصبح حاجة ماسة في المجتمع المغربي الراهن نظرا لواقع الممارسات الجنسية قبل الزوجية ونظرا لعدم الولوج الكافي للخدمات الصحية الواقية من الحمل غير المرغوب فيه. ويبقى الإجهاض حقا إنسانيا للفتاة الحامل في انتظار تحديث حقيقي للمجتمع المغربي، أي في انتظار تقنين إنساب "الطفل الطبيعي" إلى أبيه البيولوجي حفاظا على مصلحتي الأم والطفل. ثالثا، أشرتُ إلى مثال الملك البلجيكي بوداون الذي استقال من منصبه لمدة يومين لكي لا يصادق على قانون يجيز الإجهاض، وذلك احتراما لعقيدته الكاثوليكية. ومكّنتْ استقالته الوزير الأول من المصادقة على ذلك القانون الذي صوت عليه البرلمان بأغلبية مطلقة. وأخيرا، كانت توصيتي أنه يجب احترام خيارات كل المغاربة من خلال وضع قانون يقر وينظم حق المغاربة في الإجهاض، ويعترف للرافضين للإجهاض بحقهم الشخصي والفردي في عدم ممارسته. بعد انتهاء من مداخلتي، عم تصفيق شديد وحار داخل القاعة. وعندما أجاب مصطفى بنحمزة، بدأ بالقول أنني لا أعرف في المذاهب شيئا (لأنه لم يرض أن نبهه عالم اجتماع إلى أن عرضه مجرد موقف متمذهب وبالتالي ناقص علميا). ثم كرر سبه المجاني للمرة الثانية حين نعتَ كلامي "بالتخربيق" فخرج طبعا عن حدود اللياقة ولم يحترم المقام ولم يردع من طرف رئيس الجلسة. وصبرتُ على ذلك. ثم عاد للمرة الثالثة فنعتني بالجاهل. عندها انفجرتُ في وجهه وقاطعته وأوقفته عند حده ولقنته درسا في الأدب قائلا له : "أنتَ لم تُجِب وأنتَ غير مؤدب. وأنتَ لا تعرف إلا السب والشتم". رد فعلي هذا ليس عنفا وإنما دفاع عن النفس ضد شتم/عنف مجاني لم يستطع صاحبه الرد على تحليلي العلمي بشكل علمي لأنه مجرد فقيه متمذهب. بعد تهدئتى من طرف وزير الصحة/رئيس الجلسة ومن طرف الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، استمر بنحمزة في إجابته محاولا تدارك تخلفه عن الإشارة إلى المذاهب السنية الأخرى في عرضه. ولم يجب عن السؤال الجوهري الذي طرحته في مداخلتي: "لماذا لا يقول الفقهاء المغاربة للمغاربة عبر وسائل الإعلام أن الإسلام لم يحرم الإجهاض قطعا، وأن الإجهاض مسألة خلافية بين المذاهب الفقهية وبين الفقهاء داخل نفس المذهب، وأن الإجهاض موضوع اجتهاد، وهو الاجتهاد الذي قام بها حديثا علماء إسلام في دول إسلامية أخرى"؟ من حسنات هذه النازلة أنها مكنتني من التمييز بين صحافة نزيهة عرضتْ ما جاء في مداخلتي بشكل موضوعي وبين صحافة ورقية-بصرية رديئة وفرجوية، ركزت على لحظة غضبي متجاهلة أسبابه، قصدها تشويه صورتي الإعلامية، متناسية تماما الفعل السوسيولوجي الهام الذي قمتُ به، وهو التمييز بين الفقيه المتمذهب (المحرم المتزمت المقلد الجامد) وبين عالم الدين (المتفتح المجتهد الميسر البشوش). ومكنتني أيضا هذه النازلة من اكتشاف العدد الهائل من النساء والرجال الذين يساندونني في تحليلاتي، في آرائي، في مواقفي، والذين وقفوا في جانبي أثناء هذه المحنة المتجددة ضد بنحمزة وأمثاله، أولئك الذين يؤمنون بضرورة مغرب أفضل يساهم في تنويره فقه أفضل. إلى هؤلاء امتناني الصادق، ووعدي بالاستمرار في التنوير كلما استطعت .« فضلا عن هذا البيان، علّق الدكتور عبد الصمد الديالمي على بلاغ الديوان الملكي في موضع الإجهاض السري، يقول : »بلاغ جميل وقوي وشجاع، ويعيدني (في إطار المقارنة بين ملكين) إلى نازلة ملك بلجيكا "بودوان" التي حكيتها أثناء المناظرة حول الإجهاض السري. رفض بدوان التوقيع على قانون الإجهاض الذي صوت عليه البرلمان البلجيكي سنة 1990، وذلك بدعوى تعارض القانون مع عقيدة الملك، المسيحية الكاتوليكية المحرمة للإجهاض. لذلك اضطر الملك للاستقالة لمدة يومين إلى حين أن وقع الوزير الأول على القانون، ثم عاد الملك إلى عرشه يمارس مهامه الملكية بشكل عادي. في بلاغ الديوان الملكي المغربي لمساء أمس، رسالة جوهرية ومهمة للغاية تنادي بحل قضية الإجهاض عبر الاجتهاد. وهذا معناه أن لا وجود لموقف إسلامي حاسم يحرم الإجهاض قطعا قبل انتهاء الشهر الرابع من الحمل، وأنه لا بد من أخذ الحاجيات الحالية بعين الاعتبار. هذا يعني أن الملك، بصفته أمير المؤمنين، يأمر بالاجتهاد، ضدا على أولئك الذين أقفلوا باب الاجتهاد في موضوع الاجهاض نظرا لتمذهبهم ولتقليدانيتهم. فالملك هنا حازم ضد أولئك الذين يقولون أن الإجهاض حرام بغض النظر عن مدة الحمل وعن الأعذار. ويتضمن البلاغ أيضا رسالة استراتيجية تبين أن أمير المؤمنين ملك المغرب لم يتفوق فحسب على ملك بلجيكا، بل هو في طور التفوق الحضاري على الفاتيكان نفسه. فقرار أمير المؤمنين بفتح باب الاجتهاد يعني أنه يشجع على السير نحو تقنين الإجهاض والاعتراف بضرورته في حالات معينة، وفي ذلك تجاوز لجمود المسيحية في الموضوع. إنها رسالة تكتب تفوق الإسلام على المسيحية، في مجال يتعلق بالموجة الثالثة من حقوق الإنسان، وهي موجة الحقوق الجنسية والإنجابية. إنه ربح مزودج للملك، ربح في الدين وبالدين، وربح في مجال حقوق الإنسان، الكل لفائدة مغرب حداثي. « المراسل : معاد وشطين طالب باحث بكلية علوم التربية – الرباط