إن انتشار ظاهرة الإجهاض بشكل مرعب في العالم كله، نتيجة انحلال الأخلاق وانتشار الفساد والمجون ، قد أثار جدلا واسعا في العديد من البلدان ، منها بلدنا الحبيب، فقد كثر الحديث مؤخرا عن مسألة الإجهاض أو " الإسقاط" ، بين التيارات الحداثية والإسلامية، حيث دعت الكثير من الجمعيات إلى تقنينه وجعله مباحا، وذلك لما لمنعه من مخاطر على الإنسان وعلى المجتمع كله، سيما عندما يتعلق الأمر بحالات معينة ك: الحمل المترتب عن زنا المحارم، وكولادة الصبي معاقا...، وما إلى ذلك من الحالات التي تمسكوا بها ، وقبل ذلك وبعده فالمرأة حرة في جسدها تفعل بها ما تشاء، وقد تم إصدار كتابا في الموضوع للدكتور عبد الصمد الديالمي (صاحب المناظرة في الآونة الأخيرة مع الدكتور مصطفى بنحمزة في نفس الموضوع) سماه ( الانتقال الجنسي في المغرب: نحو الحق في الجنس في النسب وفي الإجهاض)، في المقابل نادى كثير من فقهاء المملكة بعدم الاستجابة لدعاوى الحداثيين في أمر الإجهاض، وذلك لما يشكل من خطر على الإنسان، لأن الله عز وجل هو وحده الذي يمنح الحياة، ولذلك فهو وحده الذي يمنعها، ولا دخل للإنسان في ذلك، سيما إذا وجدنا أن الجمعيات والهيئات التي تنادي بتقنين الإجهاض هي التي كانت ولا تزال تنادي بنمع عقوبة الإعدام، ولسان حالهم يقول اقتلوا الأبرياء " الأجنة"، وبرئوا المجرمين والقتلة. فما موقف الشرع الإسلامي من الإجهاض ؟ وما مخاطره على الإنسان والمجتمع كله؟ إن حق الحياة هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، بل إنه أعظم مقصد بعد حفظ الدين، والنصوص في ذلك كثيرة جدا وأكبر من أن تحصى في مقال أو دراسة، ولذلك فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الإجهاض حرام في جميع مراحل الحمل: أي ابتداء من استقرار النطفة في الرحم ، وقال بعض فقهاء الأحناف والحنابلة بجواز الإسقاط قبل الأربعين يوما، وذلك أن الجنين يكون نطفة ولا حياة فيها،(أنظر الونشرسي : المعيار المعرب ، ج4 ص 236، الوزاني : النوازل الكبرى ج3ص 376، البوطي : مسألة تحديد النسل ص 128 ) بيد أن هذا التفصيل في أحكام الإجهاض لا تجد القائلين بالتقنين يتحدثون عنه، بل ينادون بالحق فيه وفقط، بل إن الدكتور عبد الصمد ديالمي في مناظرته التي عقدتها وزارة الصحة اعتبر أن تحريم الإجهاض ليس قول العلماء ، ولاقول جمهور الفقهاء ، بل هو موقف المالكية ، والقائل بالتحريم إنما يوهم المغاربة فقط، ولا أدري أين وجد الباحث هذه الأحكام !!؟ ، وقد أحببت أن أنقل هنا كلاما نفيسا لحجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله ، حيث يقول " العزل ليس كالإجهاض والوأد، لأنه جناية على موجود حاصل، فاول مراتب الوجود وقوع النطفة في الرحم، فيختلط بماء المرأة، فإفساده جناية، فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش، فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشا.."( الغزالي أبو حامد: إحياء علوم الدين ج2 ص 51)، فهذا حجة الإسلام وهو الخبير بقواعد الشريعة وبمقاصدها ومناطاتها ومآلات أحكامها، وهو فقيه شافعي ، وليس مالكيا حتى يقال إن القول بالتحريم ليس قول الفقهاء ، ولكنه قول المتمذهبين بمذهب مالك ... ، والنص أعلاه بيان واضح في أن الإجهاض يحرم كلية من وقوع النطفة في الرحم إلى خروج الجنين إلى الدنيا. ومما يستند إليه القائلون بالحق في الإجهاض، قولهم إن الحمل حين يكون نتيجة زنا المحارم، أو نتيجة الاغتصاب أو كان الجنين معاقا ... هنا يصبح الإجهاض ضرورة، وذلك رحمة بالطفل الذي سيولد دون أب وبالطفل الذي سيولد ناقصا، ولا شك أن الطفل في هذه الحالات هو بريئ وضحية ، ولا حول له ولا قوة، ولا دخل له في كونه معاقا أو كونه نتاج علاقة خارج نطاق الشرع ...، فهل كونه ضعيفا ينبغي أن نقتله لنتخلص منه ويتخلص منا؟ الجواب لك أيها القارئ، ثم إن الداعين إلى منع عقوبة الإعدام هم أنفسهم الذين يدافعون عن حق المرأة في الإجهاض، أي أن المجرم المغتصب والزاني بأمه وبأخته وسائر أقاربه له الحق في الحياة، ولكن الجنين البريء سيدفع ثمن الخطيئة !!! أي منطق هذا؟ سيما إذا عرفنا أن تصور الإسلام للإنسان لا يقتصر على كونه بيننا يأكل ويغدو ويروح، إنه أبعد من ذلك ، فالإسلام اعتنى بالإنسان قبل ولادته وبعد وفاته، اعتنى به كونه ضعيفا وقويا...