صدر أخيرا كتاب نقدي لمحمد مفضل، أستاذ باحث بجامعة شعيب الدكالي، موسوم بعنوان "السخرية في الثقافة الرقمية"، عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر، يتناول المؤلف فيه بروز السخرية الرقمية كآلية من آليات النقد السياسي والاجتماعي خلال وبعد الربيع العربي. ويتكون الكتاب من أربعة فصول، يتناول الأول والثاني مقدمات نظرية للتعريف ببعض المفاهيم الأساسية في البحث، كالحياة اليومية والخيال النتري والحوارية، ويركز الفصل الثالث على تحليل المنشورات الساخرة على الفيسبوك، فيما يعتبر الفصل الرابع تحليلا تفصيليا لعلاقة ممارسة السخرية بالسلطة والمجتمع والثقافة. الثقافة والسخرية ويعتبر هذا الكتاب تجربة جديدة في مجال الدراسات الثقافية للفضاء الافتراضي، ودراسة مؤسسة في هذا المجال لتوجه نقدي جديد في الثقافة العربية، حيث إن دراسة السخرية في الفضاء الافتراضي للفيسبوك تستدعي مقولات نقدية جديدة تتماشى والتطور الحاصل في التواصل داخل المجتمع الإنساني. وأطر محمد مفضل تحليله لهذه الظاهرة، عبر مقاربة نقدية تفترض وجود ترابط قوي بين طبيعة السخرية الرقمية كتعبير، ونقد، ومقاومة، وطبيعة علاقات السلطة السائدة والقيم الثقافية المهيمنة. ومهد الكاتب لتحليل هذا الترابط بمقدمات نظرية تهم أساسا علاقة السخرية بالثقافة السائدة، حيث أكد أن الثقافة تحدد طبيعة السخرية، وحدودها وآلياتها النقدية، محاولا تتبع أوجه التشابه بين بعض المقولات الأساسية في نظرية الأدب وطبيعة النص الرقمي. وأكد الكاتب على علاقة السخرية اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا الفيسبوك بالحياة اليومية، كفضاء حقيقي لتشكل القيم وممارسة المقاومة للسلطة المهيمنة، والتعبير عن الخيال النثري، وعن فلسفة الإنسان العادي في تفاعله مع الأحداث السياسية والمعيش اليومي. أشكال السخرية على الفيسبوك واستعرض المؤلف مختلف أشكال السخرية الممارسة على الفيسبوك، مع تحديد واضح لها كالباروديا والتهكم والهزل والاستهزاء والفكاهة والضحك. وتوصل خلال تحليله لعينة من المنشورات الساخرة نشرها فيسبوكيون مغاربة لخلاصات أساسية تهم واقع الممارسة الساخرة على الفيسبوك. وبعد تقييمه للممارسة الساخرة من حيث كونها خطابا للنقد والمقاومة ودورها في إبراز علاقات السلطة، ختم الكاتب عرضه بتحليل للمعطيات من خلال نماذج نقدية تحليلية في الدراسات الثقافية وخصوصا نظريتين أساسيتين، نظرية الأبعاد الثقافية للهولندي هوفشتيدا ونظرية التغير القيمي للباحث الأمريكي انغلهارت. وقدم في نهاية البحث خلاصات مهمة تتعلق بطبيعة الثقافة السائدة في المغرب، من حيث تقبل المغاربة للتوزيع غير المتكافئ للسلطة، ومدى إيمانهم بالقيم الفردية كحقوق الإنسان والمساواة، ومدى استعدادهم لتقبل التغيير، كما ناقش نظرية التغير القيمي وخصوصا التقابل الذي تتبناه هذه النظرية بين قيم البقاء وقيم التعبير عن الذات، ومدى وجود تقابل فعلي بين هذه القيم في المجتمع المغربي. ويؤسس هذا الكتاب لنظرة جديدة للسخرية، من خلال تركيزه على البعد الإيديولوجي والثقافي لفعل السخرية، فالسخرية ليست فعلا نقديا منعزلا ينتجه شخص لاستهداف شخص آخر، أو مؤسسة اجتماعية، أو سياسية، بل تعبير من خلال الحياة اليومية للمواطن في تفاعله مع المعيش، عن مواقع خطابية في إطار صراعات ايديولوجية، أو علاقات سلطة غير متكافئة، أو نقاشات بين مجموعات تتبنى قيما ثقافية مختلفة في مجتمع معين. وتضيء دراسة السخرية، من هذا المنظور، خريطة الصراع القائم بين المصالح والإيديولوجيات والقيم، وبالتالي شكل النموذج الثقافي الذي يتشكل باستمرار، من خلال التجربة الحية والتفاعل بين الذوات في الواقع الفعلي والافتراضي على السواء.