"ستنشأ دولةٌ شيعية في المغرب يقيناً.. وسيكون بُنَاتُها هم هؤلاء الشيعة الجدد"، إنها إحدى الكلمات الشهيرة للناشط الشيعي المثير للجدل، ياسر الحبيب، المعروف بتشدده وغلوه تجاه التيار السني، التي ألقاها قبل سنوات من لندن، وهو يتحدث عما يسميه الاضطهاد الذي يتعرض له الشيعة في العالم، حيث سبق له أن وجّه خطاباً آخر، لشيعة المغرب على يكون لهم "دور كبير في الحركة المهدوية المرتقبة". لم يكن خطاب ياسر الحبيب، الذي تصفه بعض التيارات السنية ب"الرافضيّ" وتتهمه بسبّ والتهجّم على الصحابة، قبل أربع سنوات سوى دليلا على تواجد شيعي فعلي في المغرب، الذي يبقى نشاطه وخروجه للعلن محصوراً، عبر الاكتفاء بإصدار تصريحات وبلاغات إعلامية بإسم "الخط الرسالي بالمغرب"، إلى حدود إعلانه اعترافَ السلطات المغربية بمركز بحثي تابع له بطنجة، تحت مسمى "مؤسسة الخط الرّسالي للدراسات والنشر". وقرأ بعض المراقبين والمتخصصين في الشأن الديني صدور اعتراف قانوني بالمؤسسة ذاتها بمثابة اعتراف رسمي بالتيار الشيعي على التراب المغربي، فيما يذهب البعض الآخر أن هذا الاعتراف من شأنه أن يكون له ما بعده، من قبيل التحضير لتأسيس حزب سياسي ذي خلفية شيعية أو إنشاء جماعة دينية "شيعيّة"، كما هو الشأن بالنسبة لحركات إسلامية سابقة الوجود. وتأتي هذه التخمينات، في الوقت الذي خرجه فيه "الخط الرسالي" ببلاغ يشكو فيه ما وصفه بحملات التكفير والتحريض التي طالته من طرف شيوخ ودعاة مغاربة، مقابل صدور تقرير لمكتب المخابرات في جنوب إفريقيا الذي أعد بالتعاون مع مكتب التحقيقات المركزية "CIA" الأمريكي، ويتحدث عن الاهتمام المحدود لإيران في نشر المذهب الشيعي في دول القارة الإفريقية، ومن ضمنها المغرب، الذي أعلن قبل أسابيع تطبيع علاقاته الدبلوماسية مع طهران، بعد قطيعة دامت 6 سنوات ل"تدخل إيران في شؤون المملكة الدينية". وكان ياسير الحبيب قد وجه خطابا مباشرا لمن أسماهم "مغاربة أهل البيت"، بقوله "معركتنا كبيرة وشرسة مع رموز الباطل.. ما يبعث على الارتياح وجود أمثالكم من المستعدين لبذل الغالي والنفيس"، وهو ما عُدّ دعوة للنفير موجهةً إلى أتباعه بالمغرب، خاصة حين قوله "رجال من المغرب سيكون لهم دور في الحركة المهدوية المرتقبة حين يظهر مولانا صاحب الأمر.. من البشائر التي تدل على أن شيعة المغرب لم يخضعوا للحملات التشويهية التي يقوم بها أدعياء التشيع". فهل تفكر العقلية الشيعية بالمغرب في الخروج للعلن عبر تأسيس حزب سياسيّ، وهل ستتيح السلطات المغربية هذه الفرصة لهذا التوجه بعد أن سمحت بترخيص ل"الخط الرسالي" على مستوى مؤسسة بحثية؛ ثم، ما مدى واقعية هذا التيار في الاندماج السياسي والاجتماعي والحرص على احترام خصائص المملكة التي تحوم حول وحدة المذهب المالكي والعقيدة الأشعريّة ونهج المسلك الصوفي في التدين؟ حمادة: تأسيس حزب شيعي بعيد المنال هسبريس نقلت هذه الأسئلة إلى الباحث في الشؤون الدينية، منتصر حمادة، الذي اعتبر في بدء الأمر أن الحديث عن ترخيص مستقبلي لحزب شيعي في المغرب "أمرٌ سابق لأوانه.. إن لم نقل أنه خارج دائرة التفكير أصلاً"، موضحا فكرته كونَ التيار المذكور "متواضع تنظيمياً ولا يُمثل إلا بعض الفاعليين الشيعة المغاربة من الذين ينشطون أساساً في مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من الواقع المادي". حمادة كشف أيضا أن "الخط الرسالي" يعاني من صراعات حول الزعامة والوجاهة "التي يسعى إليها هذا الفاعل أو ذلك"، بالرغم من أن "الفصيل الرسالي"، وفق تعبير المتحدث، والذي خرج للأضواء مؤخراً "يتمركز على اسم أحد المحامين من طنجة"، في إشارة منه إلى الناشط الشيعي المغربي عصام احميدان. دستوريا، "لا يمكن الترخيص لحزب ديني أو طائفي"، يضيف الباحث المغربي، مشيرا إلى أن الاستثناء الوحيد يبقى تجربة حزب العدالة والتنمية، "تم عبر تحايل على قانون الأحزاب وإخراج سياسي تمّ التسطير له في دواليب صناعة القرار"، على أن الأمر تمّ لاعتبارات سياسية وأمنيّة، خارج دائرة الوثيقة الدستورية. وفي السياق ذاته، أكد منتصر حمادة أن أهم أسباب عدم اعتراف الدولة المغربية بتأسيس حزب سياسي إسلاميّ المرجعية، في إشارة إلى حزب البديل الحضاري، يرتبط بموضوع تشيع بعض قيادات الحزب، "سواء تعلق الأمر بالتشيع السياسي أو التشيع العقدي"، مضيفا أن لصناع القرار الحسم في طبيعة التشيع المقصود "في نهاية المطاف ورغم إصرار قيادة الحزب على نفي التهمة، لم يصدر الاعتراف، وإذا كان الأمر كذلك (هو فعلاً كذلك، بقوة الوثائق والوقائع..)"، متسائلا "كيف تعترف الدولة بحزب يُعلن صراحة عن نهله من مرجعية شيعية بشكل صريح وواضح". عامل آخر "سياسي وأمني" يرى فيه منتصرا حائلا دون الاعتراف بحزب يضم شيعة المغرب، وهو "التوفيق بين الولاء لمؤسسة ولاية الفقيه في إيران، والولاء لمؤسسة إمارة المؤمنين"، على أن هذه الأخيرة "ضامنة الأمن الروحي هنا في المغرب.. ولا يمكن الجمع بين ولاءين سياسيين في آن، باسم "الرسالية" "الإنسانية"".