أكد سامي شرشيرة، المستشار والخبير المغربي لدى المؤتمر الإسلامي لوزارة الداخلية الألمانية، وعضو المجلس الإداري لمنظمة "المساواة" لولاية شمال الراين فيستفاليا، أن الجالية المسلمة، ومنها المغربية، في ألمانيا تعيش وضعية مضطربة بعد الهجوم الإرهابي على جريدة "شارلي ايبدو" الفرنسية. وأفاد شرشيرة، في حوار مع هسبريس، بأن "عدد الهجومات الإرهابية على المؤسسات الإسلامية بألمانيا، وخصوصا المساجد، تزايد بشكل ملموس"، مشيرا إلى "نشاط كبير لحركات عنصرية، مثل حركة "بيغيدا" للتأثير على صناع القرار بألمانيا لاتخاذ مواقف سلبية اتجاه الجاليات المسلمة. وأبرز الناشط المغربي بأن "انتشار الفكر المتطرف في ألمانيا ليس ظاهرة حكرا على الشباب المسلم الذي يغرر به للقتال مع "الدولة الإسلامية" في العراق والشام، ولكن تخص فئات أخرى، من قبيل شباب ألماني مسيحي يذهبون للقتال بشرق أوكرانيا وغرب روسيا". وهذا نص الحوار مع الخبير المغربي سامي شرشيرة: بدت ألمانيا بموقف أكثر نضجا في سياق الأحداث التي شهدتها فرنسا بعد الهجوم الإرهابي على جريدة "شارلي إيبدو"، حين أكد مسؤولوها رفضهم لما يسمى الإسلاموفوبيا..ما تقييمك لخلفيات الموقف الألماني الذي صفق له المسلمون؟ الموقف الألماني في سياق الأحداث الإرهابية في باريس كان موقفا جد مسؤول، وحريصا على عدم تهميش الجاليات المسلمة في بيئتها الاجتماعية في ألمانيا. صناع القرار في المجتمع الألماني أعلنوا بصرامة عن تضامنهم مع المسلمين الألمان، ورفضهم القاطع لتهميش الإسلام، أو وضعه تحت طائلة الشبهة. هذا الموقف في ألمانيا، وبالأخص بالنسبة للقوى السياسية، يعد ثمرة الحوار الألماني مع المجتمع المدني والمسلمين ومنظماتهم في السنوات الخمسة السابقة، والذي تبلورت في نطاقه عدد من المبادرات الهادفة، مثل التصريحات العلنية لرؤساء الدولة الألمانية بأن الإسلام جزء لا يتجزأ من المجتمع الألماني، أو الإصلاحات الجذرية التي قام بها وزير الداخلية الحالي في نطاق المؤتمر الإسلامي للحكومة الألمانية. وتتزامن هذه المبادرات أيضا مع تطور كبير وحكيم للمنظمات الإسلامية الكبرى في ألمانيا، والتي حققت في تمثيليتها تقدما كبيرا ومحترفا، ما يمكنها اليوم بالتواصل مع عدد كبير من أطراف المجتمع الألماني المسؤول. ولعل خير دليل على ذلك نتائج الاستطلاع الحالي لمؤسسة "فورسا"، التي تعد من أهم مؤسسات الاستطلاع الألمانية، والتي حقق فيها المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا أكبر معدلات ثقة في المجتمع الألماني، بتطور يصل إلى 13 نقطة إضافية، مقارنة مع السنة الماضية. هل يمكن اعتبار كلام المستشارة الألمانية ميركل بأن "الإسلام جزء لا يتجزأ من المجتمع الألماني" كلاما حقيقيا، أم أنه لمجرد الاستهلاك الإعلامي بعد حادثة "شارلي إيبدو"؟ تصريحات رئيسة الحكومة الألمانية بأن الإسلام جزء لا يتجزأ من المجتمع الألماني، ما هي إلا تكرار للمقولة الشهيرة للرئيس الدولة الألمانية الأسبق "كريستيان فولف"، لكن بدون أي تقليص من مصداقيتها أو جِدتها. لكن لا يمكننا تجاهل حقيقة مهمة؛ وهي أن المجتمع الألماني لم يحقق لحد الآن توافقا على هذه الحقيقة الاجتماعية التي تفرض نفسها، فالألمان يظلون منقسمين إلى مؤيد ومعارض لهذه الحقيقة. وجدير للذكر أن أنجيلا ميركل حملت العلماء المسلمين أمام البرلمان الفيدرالي الألماني مسؤولية توضيح علاقة الإسلام بالعنف والإرهاب. وهذا يدل بشكل مباشر على أن الخلاف الاجتماعي على صحة المقولة "إن الإسلام جزء لا يتجزأ من ألمانيا" يتسبب في صراعات داخلية في أوساط الحزب المسيحي الألماني الذي تترأسه المستشارة الألمانية ميركل، وهو ما أرغمها على تعديل أقوالها في هذا الحوار المجتمعي الحساس. أغلب المواقف السياسية الإيجابية عن الإسلام في ألمانيا تكون مبدئيا بعيدة عن الاستهلاك الإعلامي، ولا تكون كذلك إلا نادرا، وبالأخص إن كانت هذه المواقف على مستوى السياسات الفيدرالية. كلام المستشارة الألمانية يدل عن قناعة في تصريحاتها، وفي نفس الوقت يعبر عن انقسام المجتمع الألماني حول هذه النقلة النوعية في ترسيخ الإسلام بالديار الألمانية. كيف تعيش الجالية المسلمة، خاصة المغربية منها، حاليا في ألمانيا بعد الهجمات الإرهابية على أهداف فرنسية؟ الجالية المسلمة في ألمانيا تعيش حاليا وضعية مضطربة بعد الهجوم الإرهابي على الجريدة الفرنسية "شارلي ايبدو"، وخاصة بعد إعادة عدد من الصحف الألمانية نشر الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كرمز لتضامنها مع الصحفيين الفرنسيين ضحية الاعتداء الإرهابي بباريس، ما يزيد من استياء المسلمين بألمانيا. لكن الأخطر من ذلك أن عدد الهجومات الإرهابية على المؤسسات الإسلامية، وخصوصا المساجد في تزايد ملحوظ جدا، حيث تعرضت في الأسابيع الأخيرة كثيرا من المساجد لعمليات حرق وتخريب. وفي نفس الوقت نشهد تحركا كبيرا لحركات عنصرية مثل حركة "بيغيدا" للتأثير على الأحزاب السياسية وصناع القرار بألمانيا لاتخاذ مواقف سلبية اتجاه الجاليات المسلمة، وبالأخص العربية والتركية منها. وبادرت حركة "بيغيدا" أيضا في تكثيف مظاهراتها الأسبوعية ضد الإسلام والمسلمين كل يوم اثنين لتشمل أكثر من 20.000 متظاهر في ولاية ساكسونيا. الجالية المغربية، أكبر الجاليات المسلمة العربية بألمانيا، تستنكر هذه التطورات السلبية في حقها، وتتزايد مخاوفها أن تمتد هذه الظاهرة المعادية للإسلام والمسلمين لتشمل فئات أخرى من المجتمع الألماني، ما سيكون له حتما عواقب كارثية على الجاليات المسلمة والمغربية بألمانيا. الصورة: من اليمين إلى اليسار: طوماس دي ميزيير، وزير الداخلية الألماني، مانويلا شفيسيغ، وزيرة العائلة والشباب الألمانية، سامي شرشيرة، خبير لدى وزارة الداخلية الألمانية، والبروفيسور روزنبروك، الرئيس الفيدرالي لمنظمة المساواة. كيف استقبل أئمة المساجد ما جرى في فرنسا، وكيف ردوا عليه في خطبهم؟ لم تكتف المنظمات الإسلامية بمساجدها وأئمتها بنبذ الهجوم الشنيع على الصحفيين الفرنسيين بباريس فقط، بل بادرت بعدد من البيانات والأنشطة والوقفات الاحتجاجية على إقحام الإسلام في الهجمات الإرهابية في فرنسا. وخصص أكثر من 2.000 مسجد بألمانيا خطبة الجمعة مباشرة بعد الهجوم الشنيع ضد الصحفيين الفرنسيين للتنديد به وتبرئة الإسلام منه، كما قام عدد كبير من الأئمة بوقفة احتجاجية أمام مقر القنصلية الفرنسية بمدينة فرانكفورت تأييدا لرفضهم لأي عمل إرهابي باسم الدين. وقامت المنظمات الإسلامية الكبرى بوقفة ضخمة أمام بوابة براندنبورغ بالعاصمة الألمانية برلين شارك فيها أكثر من 10.000 متظاهر إلى جانب كل من الرئيس الألماني والمستشارة الألمانية ومعظم البرلمانيين وممثلين عن الأديان الأخرى وعدد كبير من الشخصيات الألمانية البارزة. هناك من يعتبر أن تدريس قواعد الدين الإسلامي السمح في مدارس الجالية المغربية بألمانيا لعبت دورا في تحصين الشباب المغربي هناك من التطرف. هل هذا صحيح؟ تدريس قواعد الدين الإسلامي السمح في المدارس الحكومية الألمانية هو من أهم الخطوات لتحصين الشباب المسلم والمغربي من خطابات الجماعات المتطرفة، لكن هذه الخطوة لا يمكنها إلا تكون حلقة من حلقات شبكة متكاملة لمحاربة التطرف الديني، وتحصين الشباب المغربي والمسلم من الخطاب السلفي الجهادي. لابد من تكثيف البرامج الوقائية التي تعتمد على القواعد العلمية للعمل الاجتماعي وقواعد البيداغوجية الاجتماعية، كذلك لا بد أن يُبذل مجهود كبير لتحسين الوضعية الاجتماعية للشباب المسلم من برامج مهنية وفرص عمل، وكذلك برامج لتقليص العنصرية والتمييز والإقصاء الذي يواجهه خاصة الشباب المسلم، والنهضة بآفاق مواقعهم الاجتماعية. قدت مشروعا للاندماج يهم الجالية المغاربية بمنطقة دوسلدورف..الى أين وصل؟ وماذا تحقق منه من نتائج؟ الذكرى الخمسون كانت بالفعل لحظة مفصلية في تاريخ تواجد الجالية المغربية في ألمانيا وهي من أهم المحطات التي عاشتها الجالية المغربية بألمانيا في السنوات الأخيرة. ليس فقط من حيث حجم وأبعاد هذه الذكرى التي استطعنا فيها عن طريق أكثر من 45 أنشطة ثقافية وسياسية واجتماعية التعريف أكثر بالجالية المغربية في ألمانيا وقضاياها المركزية. بل أيضا من حيث الديناميكية التي عرفتها الجالية المغربية في ألمانيا بعد الذكرى، حيث اُسِست ابتداء من سنة 2013 عدد من المؤسسات الألمانية-المغربية المستقلة والوازنة والتي تساهم اليوم بشكل فعلي وفعال في النهوض بشؤون الجالية المغربية وتأطيرها والدفاع عن مصالحها. وتمكنت كذلك الجالية المغربية بخلق خط تواصلي مباشر بينها وبين وزارة الداخلية الفيدرالية الألمانية، حيث عُين خبير مغربي من خبيرين مستشارا لدى المؤتمر الإسلامي للحكومة الألمانية. كذلك تمكنت الجالية المغربية بمشاركة مع وزارة الداخلية لولاية شمال الراين فيستفاليا بتثبيت البرنامج الوقائي "دليل دوسلدورف" ضذ السلفية الجهادية والتطرف الديني. ونحن اليوم بصدد تثبيت مشروع اجتماعي ضخم يصب في تأسيس خدمات اجتماعية إسلامية شاملة بأدوات جد معاصرة للعمل البيداغوجي المحترف. ما هو دوركم كناشطين مغاربة ومسلمين تقيمون في ألمانيا في درء انتشار الفكر المتطرف في أوربا؟ نحن نؤكد في كل مناسبة على أن انتشار الفكر المتطرف في ألمانيا ليست ظاهرة اجتماعية محتكرة على الإسلام والمسلمين، بل هي ظاهرة تخص المجتمع برمته على عدة مستويات. فكما نرصد – وللأسف الشديد – شبابا مسلما يغرر به للقتال مع "الدولة الإسلامية" في العراق والشام، نرصد أيضا على سبيل المثال شبابا ألمانيا مسيحيا يذهبون للقتال بشرق أوكرانيا وغرب روسيا. ونحن على يقين بأن أحسن وسيلة لمحاربة هذه الظاهرة هو العمل الاجتماعي الوقائي في المدرسة، وفي الحي، وفي الجمعيات الرياضية، وفي المساجد، وفي أوساط العائلات والجاليات المُستهدفة. وسيكون دورنا كجالية مغربية مسلمة مثلا هو أن نتقدم لشركائنا في المجتمع من بلديات ومصلحات وإدارات ووزارات، بالمناهج المناسبة التي تكون - بحكم معرفتنا بتاريخ وأوضاع وعقليات الجالية المغربية - مؤهلة بأن تحقق نجاحا كبيرا وخصوصا في أوساط الشباب المغربي المسلم لضمان أكثر للسلم الاجتماعي. العمل الميداني قاعدة أساسية بالنسبة لنا من أجل التغيير.