أكد الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط، أودو شتاينباخ والذي تولى إدارة مركز الشرق الأدنى والأوسط، في جامعة ماربورغ الألمانية بين عامي 2007 و2010، أن الذين نفذوا الهجوم المسلح على مكتب مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية «جزء من تحرك يهدف إلى توسيع الفجوة بين المسلمين وباقي الأطياف في أوروبا، وتحريض التوتر والعداء بينهم» وأضاف أن «منفذي الهجوم هم أشبه بالمجموعات المتطرفة، التي ترهب المسلمين في سوريا والعراق» لافتا إلى أن «مثل هذه المجموعات تسعى لاكتساب مزيد من المناصرين من خلال اللجوء لمزيد من العنف». وحذر شتاينباخ من مغبة أن يخلق الهجوم وجهة نظر، تشرعن التحركات المناهضة للإسلام، التي شهدتها مدينة درسدن الألمانية مؤخرا، مشيرا أن «المشاركة في مسيرات حركة «أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب» المعروفة باسم (بيغيدا) ستزداد في أعقاب هجوم باريس داعيا إلى الحاجة إلى تعميق الحوار بين المسلمين وغيرهم في أوروبا، مشيرا إلى إمكانية لعب الأتراك دورا هاما في هذا الإطار، لاسيما في ألمانيا، وذلك من خلال بعض منظمات المجتمع المدني، وحتى على هامش الفعاليات الاقتصادية المتبادلة بين تركياوألمانيا، التي حقق فيها الجانبان نجاحا ملحوظا. وكان الباحث في شؤون الإرهاب في ألمانيا ميشائيل لوردز قد أعرب بدوره في حديث تلفزيوني أجرته معه محطة N24 الإخبارية الألمانية أن حركات متطرفة مثل حركة «أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب» والمشهورة بأسم «بيغيدا» وغيرها قد تحاول استغلال الحادث الإرهابي في فرنسا لتكثيف نشاطاتها الداعية لمحاربة المسلمين. وقال أنه» بالرغم من أن المشاكل الاقتصادية التي نحياها يتأثر بها المسلمون الألمان أيضا، إلا أن هذه الحركات تريد تحميل المسلمين المسؤولية وكأنهم هم من يقررون سياسات ألمانيا الاقتصادية والسياسية» وقال الخبير الألماني « تريد هذه الحركات والعديد ممن لف لفهم، انتقاد البطالة، والمخصصات القليلة، والضرائب، وارتفاع الأسعار، الا أنهم لا يجرأون على ذلك، وبدلا منها يحاولون إقناع أنفسهم وإقناع الآخرين بأن المسلمين هم السبب في كل المشاكل التي يواجهونها، وبأن الحل يكمن في مهاجمتهم». وأثارت مجلة شارلي ايبدو الفرنسية الساخرة جدلاً واسعاً عقب نشر رسوم كاريكاتيرية «مسيئة» للنبي محمد عليه السلام في أيلول/سبتمبر 2012، الأمر الذي أثار موجة احتجاجات في دول عربية وإسلامية وكررت المجلة الساخرة؛ إساءتها للرسول، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ عندما عنونت غلافها الرئيسي «ماذا لو عاد محمد؟»، حيث أفردت صورة لمن وصفته بأنه نبي الإسلام، مصورة إياه كاريكاتوريا؛ راكعا على ركبتيه؛ فزعاً من تهديد مسلح، يفترض انتمائه لتنظيم الدولة الإسلامية، مما أدى إلى هجوم على المجلة أودى بحياة12 شخصًا بينهم 4 من رسامي الكاريكاتير ورجلي شرطة. وبالرغم من التطمينات التي صدرت من قادة الغرب للمسلمين والتي اعتبرت أن لا علاقة بين الإسلام وبين منفذي العملية الإرهابية وأن الإسلام ليس مستهدفا في أوروبا وان الإسلام جزء من أوروبا الا أن الهجوم على المساجد في فرنسا عقب الحادث الإرهابي في باريس بالرغم من إستنكار المسلمين للحادث، واعتباره إرهابيا، وما سبقه من اعتداءات قبلها في السويد، وأيضا في ألمانيا وغيرها من الدول الاوروبية، ينذر بأن الوضع قد يصبح خطرا، وأن خشية المسلمين في أوروبا على أنفسهم منطقية ولها دوافعها ومبرراتها. ولا يريد المسلمون أن يجدوا أنفسهم ضحية السياسات الاوروبية، خاصة أن عدة دول أوروبية قد أعلنت عن تشديدات أمنية داخلية فيما تطالب حركات سياسية بوقف أسلمة أوروبا. وكانت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل قد أكدت في حديث لها لصحيفة «فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ» انها تتفهم قلق آلاف الأشخاص الذين يتظاهرون كل اثنين في ألمانيا (في اشارة إلى حركة بيغيدا المتطرفة) للمطالبة بسياسة هجرة أكثر صرامة خشية من أسلمة بلادهم، إلا أنها دعت الألمان مجددا إلى عدم المشاركة في التظاهرات المعادية للإسلام التي تنظم على حد قولها من قبل أفراد «لهم أهداف أخرى». وأضافت ان «قلوبهم مليئة بالحقد والأحكام المسبقة». وتعلن حركة بيغيدا رسميا عداءها للجهاديين أو الأجانب الرافضين الاندماج غير ان المشاركين في التظاهرات يحملون أيضا على «النخب السياسية» و»البيروقراطيين الاوروبيين» و»ووسائل الإعلام « لاتهامهم بالترويج لتعددية ثقافية «تذوب» فيها الثقافة الألمانية. إلا أن رئيس نقابة الشرطة الألمانية راينر فيندت أكد في مقابلة أجرتها معه شبكة «ان تي في» التلفزيونية ان العديد من المتظاهرين «فشلوا في حياتهم وعملهم ويلقون فشلهم على عاتق الآخرين، يبحثون عن كبش فداء». وتراقب ألمانيا التي أصبحت الوجهة الأولى للمهاجرين في أوروبا، بقلق صعود موجة شعبوية وتظاهرات كثيرة معادية للأجانب في الأسابيع الأخيرة، وتنظم هذه التظاهرات التي تجري في عدة مدن في مختلف أنحاء البلاد، وتدعمها حركات من اليمين المتطرف والنازيين الجدد، بما فيها الحزب المتطرف «بديل لألمانيا» وهي طبقا لمجلة «دير شبيغل» الألمانية حركة فتية معادية للعملة الموحدة اليورو ثم سلكت منحى معاديا للأجانب لا سيما المهاجرين. ولعل من أبرز حركات الموجة الشعبوية مجموعة «أوروبيون وطنيون ضد أسلمة البلاد» (بيغيدا) والتي يزداد نفوذها بشكل مقلق، وأصبحت تنظم منذ بضعة أسابيع ما يسمى «تظاهرات الاثنين» في محاولة لمحاكاة التظاهرات التي هزت النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية سابقا حتى سقوط جدار برلين قبل 25 عاما. ومن الجدير ذكره أن الحركة المتطرفة استعارت أيضا شعار تلك الفترة التاريخية «نحن الشعب» والذي استخدمه الألمان شعارا لمظاهراتهم لاسقاط الحكومة الشرقية، وسرعان ما انتشرت هذه التجمعات التي يضم بعضها مئات الأشخاص في كل من دوسلدورف وفورتسبرغ وروستوك وبوخوم (غرب) وميونيخ وغيرها من المدن الألمانية. ومنذ تشرين الاول/اكتوبر تجري تظاهرات في درسدن (شرق) كل يوم اثنين استجابة لدعوة حركة بيغيدا ضد الإسلام وطالبي اللجوء، والتي سجلت نجاحا متزايدا. فبعد ان جمعت 500 شخص في أول تظاهرة في 20 تشرين الاول/اكتوبر و10 آلاف مطلع كانون الاول/ديسمبر نجحت في استقطاب 25 الفا الاثنين الماضي. وقالت ميركل انها لم تلاحظ «أي أسلمة لألمانيا» معتبرة ان قلق مواطنيها قد يكون ناجما عن جهلهم للدين الإسلامي. وأضافت «لا نعرف الإسلام كفاية»، داعية أيضا الألمان المسيحيين إلى «تعميق معرفتهم بديانتهم». وبالرغم من التأكيدات الحكومية الألمانية، بأن المسلمين لا يشكلون منافسا للعاطلين عن العمل من الألمان، مثل تصريحات رئيس وكالة التوظيف الاتحادية فرانك يورغ فايسة لصحيفة «دي فيلت» الألمانية في وقت سابق والذي قال أن «المهاجرين لا ينافسون الألمان العاطلين عن العمل في الحصول على وظائف» معتبرا أن «معظم المهاجرين هم متعلمون ولديهم خبرات مهنية، وبأن الدولة الألمانية لديها نقص كبير في العديد من المهن التي تحتاج إلى تعلم وكفاءة، وبأن وجود المهاجرين يشكل رافدا مهما لشغر هذه الوظائف». بالرغم هذا كله نجد ارتفاعا كبيرا وتزايدا واضحا في نفوذ الحركات المتطرفة المعادية للإسلام حيث أفاد 29٪ من المشاركين في استطلاع أجرته شركة فورسا، بأنهم يرون أن حركة بيغيدا، اليمينة المتطرفة محقة في ما تفعله، فيما أوضح 13٪ من المشاركين أنهم يمكن أن يشاركوا في الاحتجاجات التي تنظمها «بيغيدا» في حال نُظمت النشاطات بمناطق إقامتهم أو في مناطق قريبة منهم، بالاضافة إلى أن 71٪ من المهتمين بحزب «البديل لأجل ألمانيا» الداعم لاحتجاجات «بيغيدا» يساندون المظاهرات المناهضة للإسلام والأجانب، كما ذكر الاستطلاع أن 10٪ من المشاركين أوضحوا أنهم يمكن أن يصوتوا لحزب يكافح الإسلام في ألمانيا في الانتخابات المقبلة. الا أن دراسة حديثة أجرتها جامعة درسدن التقنية؛ بينت أن الدافع الرئيسي للمشاركين في مظاهرات حركة «أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب» هو السخط على السياسة الألمانية، وليس العداء للإسلام. ووفقا للدراسة التي أشرف عليها أستاذ العلوم السياسية في الجامعة «هانس فورليندر»وأجريت مع حوالي 400 من المشاركين في مظاهرات الحركة؛ فإن 77٪ من المشاركين أوضحوا أن سبب مشاركتهم لا يتعلق ب «أسلمة الغرب» في حين قال 54٪ ممن شارك في تلك المظاهرات؛ أن عدم رضاهم عن السياسة الألمانية؛ هو سبب تلك المشاركة، وقال 20٪ إن انتقاد الإعلام هو الدافع وراء مشاركتهم في المظاهرات، وأرجع 15٪ من المشاركين تحفظاتهم على المهاجرين واللاجئين سببا أساسيا لمشاركتهم، و5٪ منهم قالوا إنهم يشاركون للإعراب عن معارضتهم للعنف القائم على أساس الدين أو الأيديولوجيا. وأظهرت الدراسة أن متوسط أعمار المشاركين في المظاهرات 48 عاما، وأنهم لا ينتسبون لدين معين، ومعظمهم حاصلون على تعليم جيد، وينتمون للطبقة الوسطى، ولديهم وظائف، ويحصلون على دخل أعلى من معدل الدخل في ولاية ساكسونيا الألمانية، التي تشهد عاصمتها درسدن المظاهرات الأكبر للحركة. وشهد مسلمو ألمانيا تطمينات حكومية المانية خاصة بعد المظاهرة الكبرى ضد الإرهاب في برلين والتي شارك فيها الرئيس الألماني يواخيم غاوك والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والعديد من الساسة الألمان بدعوة من مجلس المسلمين الأعلى في ألمانيا، وصرح غاوك ان الإسلام هو جزء من ألمانيا وان الألمان لن يسمحوا للإرهاب بتفريقهم. ورحب الإعلام الألماني بكلمات الرئيس حيث قالت صحيفة «شفيبيشه تسايتونغ» ان المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا هم جزء من ألمانيا. يجب أخذهم على محمل الجد كمواطنين في هذا البلد، يتمتعون بكل الحقوق وتترتب عليهم كل الواجبات. فيما قالت صحيفة «داس بيلد» الألمانية أن الوقفة الاحتجاجية هي حدث تاريخي، فهي تؤكد أن المسلمين والمسيحيين واليهود يقفون سوية من أجل مكافحة الإرهاب.