AHDATH.INFO – برلين – خاص ‘‘لن ندع أنفسنا نُحرق من أجل آرائنا، فنحن لسنا واثقين كل الوثوق منها؛ لكن ربما من أجل أن يكون لنا الحق في أن تكون لنا آراء، وأن يكون لنا الحق في أن نغيّرها.‘‘: فريدريك نيتشة كانت برلين هذا الأسبوع على موعد مع التاريخ، بحسب العديد من المراقبين. لقد بدت بوابة براندنبورغ بأعمدتها وأضوائها وعربتها الرباعية ساحرة، وهي تضم كل أطياف المشهد السياسي الألماني. جاؤوا جميعا تلبية لنداء المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، الذي دعا إلى تنظيم مظاهرة تحت شعار "نقف سوياً لنظهر موقفنا". وهي التظاهرة التي جاءت من أجل تأبين ضحايا مجزرة باريس الارهابية. فلم يسبق أن عرفت ألمانيا توافقا في تاريخها المعاصر: مسيحيون ويهود ومسلمون ومواطنون، وقفوا جميعا للتنديد باعتداء باريس الدموي من جهة، وبالكراهية والتعصب الديني من جهة أخرى. وبالقرب من السفارة الفرنسية المحاذية لبوابة براندنبورغ الشهيرة، تكلم الساسة الألمان وفي مقدمتهم رئيس البلاد، يوآخيم غاوك ليقول: "كلنا ألمانيا"، وموجها خطابه للإرهابيين: "كراهيتكم هي الباعث لنا على الوحدة". غير أن أقوى التصريحات، تبقى للمستشارة أنغيلا ميركل التي قالت وبحضور قادة وسياسيون ألمان: إن "الإسلام بات اليوم جزء من ألمانيا". إنها من دون شك إشارة مهمة لدعم المسلمين المعتدلين والمسالمين. وتأتي هذه التظاهرة، بعد يوم واحد من مظاهرات شهدتها عدة مدن ألمانية لمعارضي وأنصار حركة "بيغيدا" المعادية للإسلام. كما أن هذه التظاهرة جاءت تعبيرا عن رفض برلين للدعوات التي تبث المخاوف من طرف هذه الحركة مما تزعم بأنه "أسلمة" للغرب. استغلال حركة بيغيدا لهجمات فرنسا أمر "دنيء" وصف وزير الداخلية الألمانية توماس دي ميزيير اسغلال حركة "بيغيدا" اعتداءات باريس لأغراض سياسية، بالأمر "الدنيء". كما اتهم الوزير الألماني الحركة المعادية للإسلام بالمساواة بين الإسلام كدين والإسلام السياسي، مضيفا أن ما تحاول بيغيدا فعله يعد لعبة غير شريفة. انتقاد "بيغيدا" الحركة التي أطلقت على نفسها "وطنيون أوروبية ضد أسلمة الغرب"، لم يقف فقط عن النخبة السياسية الألمانية، بل أن عدة رسامي كاريكاتير من فرنسا ودول ناطقة بالفرنسية، بينهم الرسام وليم بيرنار وليم هولتروب المؤسس الشريك لصحيفة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة، أصدروا منشورا ضد استغلال حركة "بيغيدا" المناهضة للإسلام لاسم زملائهم في مظاهرتهم. وجاء في المنشور الذي وقع عليه 11 من رسامي الكاريكاتير بينهم بيرنار أن "بيغيدا ترمز إلى كل شئ حارب ضده زملاؤنا بشارلي إيبدو في عملهم ". ويقول أيضا "نحن رسامو الكاريكاتير الفرنسيون والناطقون بالفرنسية مذعورون من قتل أصدقائنا. ونشعر بالاشمئزاز من أن قوى يمينية تحاول استغلال ذلك كأداة لتحقيق غاياتها". وكانت حركة "بيغيدا" قد ناشدت أنصارها بارتداء أزياء حداد على ضحايا شارلي إيبدو في لتظاهراتها ليوم الاثنين الماضي، وذلك بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس الأسبوع الماضي. حركة ترفع شعارات اجتماعية بخلفية نازية. دأبت الحركة على تنظيم مظاهرات أسبوعيا منذ أكتوبر الماضي في مدينة دريسدن عاصمة ولاية سكسونيا الواقعة شرقي ألمانيا التي ارتبطت مرارا بعنف النازيين الجدد ضد الأجانب. ويكمن خطر حركة "بيغيدا" في تنوع الشرائح الاجتماعية التي أصبحت تنتمي إليها. إذ لم يعد الأمر مقتصرا على النازيين الجدد أو الهوليغنز أو المحرضين على العنف، بل أصبحت الحركة تضم أيضا مواطنين عاديين، يشاركون كل يوم اثنين في المسيرات التي دأبت هذه الحركة المعادية للمسلمين على تنظيمها في مدينة درسدن. وتستغل الحركة حالة الخوف وسط فئات عريضة من المجتمع الألماني، خاصة في الجزء الشرقي من البلاد، الذي لا يزال يعاني من تبعات النظام الديكتاتوري لألمانيا الشرقية سابقا. ومن بين المشاركين متقاعدون يخشون على معاشات التقاعد التي يحصلون عليها بسبب المساعدات التي تدفع للاجئين السوريين. وهناك أيضا أمهات قلقات على أبنائهن من العدد المتزايد للأجانب في المدارس التي يدرسون فيها. بل إن مظاهرات الحركة تضم أيضا خرجي المعاهد والجامعات من الطبقة الوسطى التي تخشى التدني الاجتماعي. غير أن العديد من المراقبين يحاولون فهم أسباب الزخم التي تشهده مظاهرات بيغيدا في دريسدن دون سواها من المدن الألمانية. ولفهم ذلك لابد من الرجوع إلى معطى أساسي ميز ولاية ساكسونيا التي تعتبر دريسدن عاصمتها، ويتجلى في أن هذه الولاية هي الوحيدة من بين الولايات الألمانية الستة عشرة التي كان برلمانها الجهوي يحتضن فريقا برلمانيا للحزب القومي الألماني، NPD لمدة عشر سنوات، وذلك ما بين ألفين وأربعة إلى ألفين وأربعة عشرة. وعلى الرغم من أن هذا الحزب اليميني المتطرف فشل في غشت الماضي في الدخول في الحفاظ على مكانته في البرلمان الجهوي، إلا أنه حصل علة نحو خمسة عشرة في المئة من الأصوات. وهذا يدل على أن للصوت اليميني المتطرف في هذه الولاية قاعدة اجتماعية كبيرة إلى حد ما. الحذر من خزان البارود! تأكيدا على الانفتاح وتجسيدا لقيم التسامح ونبذا للعنصرية، تظاهر نحو مئة ألف شخص الاثنين الماضي، في عدة مدن ألمانية ضد حركة "بيغيدا" المعادية للإسلام. ولقد رفعت بعض التظاهرات شعارات من قبيل "ألمانيا متعددة الألوان". كما سجل عدد المشاركين في مظاهرات التضامن مع صحيفة "شارلي إيبدو" تزايدا كبيرا. ففي دريسدن معقل الحركة، تظاهر نحو 35 ألف شخص ضد العنصرية. وبالمقابل ارتفع أيضا عدد ما يطلق عليها حركة "حماة الغرب"، حيث خرج حوالي 25 ألف من مؤيدي "بيغيدا" في مدينة درسدن معقل الحركة، للمشاركة في المظاهرة المؤيدة لها. ولابد من الاشارة إلى أن تظاهرة الثلاثاء الماضي وإن اعتبرت إشارة قوية من المجتمع الألماني، فهذا لا يعني أن الصورة وردية، بل أن هناك خزان كبير من البارود الموقوت من الارهابيين والمتطرفين الذي قد يفسد كل ما يحاول عقلاء البلاد بناءه لصالح التعدد الثقافي والسلم الاجتماعي في ألمانيا.