من بين ثلاثة ملايين وثيقة وبرقية نشرها موقع “ويكيليكس”،بعد أن قيل إنه حصل عليها من دهاليز المخابرات والدبلوماسية الأمريكيتين،لم نقرأ حتى الآن سطرا واحدا عن هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. لم تحمل لنا الوثائق السرية أية معلومة عن الأسرار و التفاصيل الحقيقية لما حدث صباح يوم 11 أيلول 2001،ولا عن ما دار بين المسؤولين الأمريكيين و حتى نظراءهم الأجانب بشأن هجمات العصر،وعن صحة ما تردد من أن الموظفين اليهود في برجي التجارة العالمي،صدرت لهم تعليمات بمغادرة البرج قبل أن تقتحمه الطائرات الإنتحارية بيوم أو يومين. غريب أن لا تكون بين الثلاثة ملايين برقية واحدة تكشف للعالم عن لغز وجود كاميرات احترافية تحيط بالبرجين من كل حدب و صوب لتصور لحظات اقتحام الطائرات لرمز الاقتصاد الأمريكي بتفاصيلها المملة،منذ أن كانت قادمة من بعيد تتمايل و تتراقص و تتموج إلى أن أصابت الهدف،واندلعت النيران و مات من مات و انتحر من انتحر و سقط من سقط من أعلى البرج و هرب من هرب ممن كانوا في عين المكان. أبدا لم يفعل ويكيليكس...ترك عشرات الأسئلة والاستفسارات مطروحة حول منفذي الهجمات والجهات الداعمة لها،و لم يوضح حقيقة ارتباط تنظيم القاعدة بذلك الهجوم الذي غير وجه التاريخ وجعل العالم يؤرخ لما قبله وما بعده. لم تكشف لنا الوثائق المسربة بالملايين من كان وراء ذلك،ولماذا اتجهت أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة فوراً؟ وما معنى أن يخترع الأميركيون عدواً بديلاً عن «الخطر الشيوعي» أي الإرهاب الإسلامي والقاعدة اللذين يتركزان في المنطقة التي وضعوا عيونهم عليها وتحوي ثروات العالم من الشرق الأوسط إلى القوقاز وآسيا الوسطى؟ قد يقول قائل إن هجمات الحادي عشر من من أيلول/سبتمبر 2001 مرت عليها حتى الآن أكثر من تسع سنوات،و إن الوثائق “الويكيليكسية” تتطرق فقط لأسرار الأربع سنوات الأخيرة في الكواليس الأمريكية بمخابراتها ودبلوماسيتها و إداراتها. لنسلم بذلك و نغير السؤال بما يتماشى و الأسرار الأمريكية الحديثة،ونطرح سؤالا في غاية البساطة : ماذا عن الأزمة المالية و الاقتصادية العالمية التي عصفت باقتصاد العالم ؟ ألم تخرج من الولاياتالمتحدةالأمريكية ؟ لماذا أدارت وثائق “ويكيليكس” ظهرها لقضية العصر الجديدة التي هوت بأسواق المال و الأعمال في العالم ؟ من المستفيد من خسائر البنوك و إفلاسها ؟ أين ذهبت مليارات الدولارات التي تبخرت فجأة من خزانات المصارف في العالم ؟ من بين الثلاثة ملايين وثيقة مسربة،أليس غريبا أن لا تحمل واحدة في جعبتها سطرا واحدا عن الأزمة المالية العالمية التي أطلت برأسها في الولاياتالمتحدةالأمريكية، و كبدت دول العالم خسائر بأرقام فلكية، و أحدثت هزات في أقوى اقتصاد في العالم،فكانت الارتدادات أكثر عنفا حتى وصفت الأزمة بالأسوأ في تاريخ البشرية. هل يمكن لعاقل أن يصدق أن بإمكان شخص واحد صحافي استرالي مغمور لم يكن معروفا من قبل،متابع بتهمة الاغتصاب في السويد و تلاحقه شرطتها أن يتسلل إلى أرشيق وثائق أشرس و أقوى جهاز استخبارات في العالم هكذا،ويسحب منه ثلاثة ملايين وثيقة بكل هذه البساطة ؟ صدفة أو كأنها هي أن تنشر الوثائق يوم إجراء الانتخابات التشريعية المصرية أي يوم الأحد،فتحول اهتمام الإعلام العالمي من ما يجري و يدور في مكاتب الاقتراع المصرية،إلى فلتان الوثائق الذي كان قد بدأ على واجهات الصحف و مواقع الإنترنيت و عاجل البرقيات في وكالات الأنباء العالمية. أليس من غير البريء أن لا تنقل لنا الوثائق “الويكيليكسية” ما دار من دردشات و أسرار قبل العدوان الإسرائيلي على غزة،و الدور المصري الرسمي في ذلك،و ما دار بين الرئيس حسني مبارك و المسؤولين الإسرائيليين الذين كانوا لا يبرحون أرض مصر يسرحون و يمرحون للقاء رئيسها و مسؤوليها تحضيرا للعدوان،إلى أن أعلنت الوزيرة الإسرائيلية ليفني و من أرض مصر دائما عن انطلاق آلة الحرب الإسرائيلية نحو أجساد الأطفال و النساء و الشيوخ في غزة لتمزيقها و حرقها بالفسفور الأبيض. أغلب الوثائق المسربة و المنشورة لا تتحدث إلا عن إيران و علاقتها بجيرانها الخليجيين،فأخبرتنا مشكورة أن ملك السعودية طالب واشنطن قطع رأس الأفعى،و بأن ولي عهد أبو ظبي قال عن نجاد “هذا الرجل سيجرنا إلى حرب”،و غيرها من الروايات و الدردشات الرسمية،لتكون الخلاصة أن دول الخليج أظهرت خوفا كبيرا من إيران. وبين الكم الكبير من الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس، تفيد وثيقة بأن العاهل البحريني حمد بن عيسى أل خليفة قال مطلع تشرين الثاني/نوفمبر 2009 للجنرال الأميركي ديفيد بيترايوس ان البرنامج النووي الإيراني يجب أن يتوقف معتبرا أن مخاطر السماح باستمرار البرنامج أكبر من مخاطر وقفه. التسريبات تكشف إذن من وجهة تعليقات كبريات الصحف العالمية،أن الدول العربية في الخليج تخشى الخطر الإيراني لدرجة كبيرة. دول الخليج – تقول لكم وثائق ويكيليكس – ما انفكت تدعو علنا في السنوات الأخيرة الى حل سلمي مع إيران والى تجنب الحرب، و هاهي تدفع اليوم و بالوثائق و الحجج و بلقاءات موثقة مع مسؤولين أميركيين باتجاه ضرب إيران. التخريجة “الويكيليكسية” تقرع طبول الحرب ضد إيران،و البداية في تهيئ الرأي العام العالمي لتقبل حرب جديدة تشبه تلك التي تمت في العراق،الحرب الغاشمة التي أودت أو تسببت في مقتل ما يقرب من مليون عراقي،و ما رافق ذلك من قتل أطفال أبرياء و قتل شباب في مقتبل العمر و قتل شيوخ و اغتصاب فتيات و أمهات و زوجات و إذلال شعب بأكمله، من أجل بعض براميل نفط. بعض الدول الخليجية سارعت إلى التشكيك في حملة الوثائق أو نفي رواياتها و أحاديث حكامها بالقول إنها خرجت عن سياقها ،لكن كان الرد الإيراني كاد عين العقل و قوض اللعبة الأمريكية في مهدها،حينما قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد و بالحرف : “دعوني أصحح لكم أولاً. المواد لم تسرّب بل نشرت بطريقة مدبّرة”. من هنا تتقاطر الأسئلة،ترى بعد هذا السيل من المعلومات هل فعلا لم تسرب و نشرت بطريقة مدبرة ؟ من يقف وراء “إعصار ” ويكيليكس ؟ و لفائدة من ؟ لماذا التركيز أكثر على ضرب إيران و امتعاض دول الخليج منها ؟ لماذا عبرت إسرائيل عن سرورها لنشر الوثائق ؟ من سرب ملايين البرقيات السرية لصحافي استرالي مغمور ؟ هل أمده بها مسؤولون أمريكيون متخفون يريدون فعلا فضح الأمور كما يقول القائمون على الموقع ؟ أم أن المخابرات الأمريكية رسمت السيناريو وجعلت من “ويكيليكس” أداة لتنفيذها ؟ استقيموا يرحمكم الله !!! *إعلامي مغربي مقيم في باريس