اختلفت ردود الفعل بخصوص تعيين الأمين العام لحزب الاستقلال عباس الفاسي وزيرا أول للحكومة 29 و تلقاه الكثيرون بنوع من التذمر البين، نفتح حوارا مع عبد الحميد أمين المناضل التقدمي والمسؤول الحقوقي والنقابي ، قصد التعرف على بعض حيتيات ردود الفعل المتباينة "" ● كيف تلقيتم تعيين الأمين العام لحزب الاستقلال وزيرا أولا؟ تعيين عباس الفاسي كوزير أول لم يكن مفاجئا بالنسبة إلي، باعتبار أن تعيينه كان ضمن الاحتمالات الواردة. فالأمور بمقدماتها: إن اختيار عباس الفاسي له منطقه مادام حزب الاستقلال قد حصل من خلال انتخابات 07 شتنبر على المرتبة الأولى في مجلس النواب من حيث عدد المقاعد، ومادام أن الملك سبق وأن التزم بتطبيق ما أسماه الإتحاد الاشتراكي بالمنهجية الديمقراطية أي اختيار الوزير الأول من صفوف الحزب المحصل على أكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب ومادام عباس الفاسي هو الأمين العام للحزب أي المسؤول الأول داخله. إن العائق الأساسي أمام اختيار عباس الفاسي تجسد في فضيحة شركة النجاة الإماراتية ومسؤولية الرجل كوزير سابق للتشغيل عن الحلم الضائع لثلاثين ألف شاب في إيجاد فرص للشغل بالخارج وعن المآسي الناتجة عن تكسير هذا الحلم. ونحن نعرف أن هذا العائق يعد ثانويا في مغرب الإفلات الممنهج من المساءلة والعقاب كما تجسد ذلك من خلال التسامح مع المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومؤخرا من خلال سطو منير الماجيدي بثمن بخس وبدون مساءلة على بقعة أرضية نفيسة للأحباس بتارودانت، ومن خلال المحاكمة الصورية للمسؤولين عن نهب الصندوق العقاري والسياحي التي تجاهلت المسؤولين الحقيقيين عن إفلاس هذا الصندوق، مكتفية بمقاضاة بعض مستخدمي الصندوق. يبقى السؤال المطروح هو هل سينجح عباس الفاسي في ظل التناقضات الحالية وتضارب المصالح الضيقة والأطماع في تشكيل الحكومة بعد تعيينه كوزير أول؟ ● هل في نظركم عباس الفاسي رجل المرحلة؟ لا يمكن الجواب على هذا السؤال إلا إذا تم تحديد طبيعة المرحلة. إن أنصار الاستمرارية يعتقدون أن المغرب يسير في طريق الديمقراطية والتنمية بمواصلة اندماجه ولو من موقع الضعف في العولمة الليبرالية المتوحشة، بالخضوع لتوجيهات الإمبريالية العالمية سياسيا، اقتصاديا، ثقافيا وأمنيا وبتوطيد دعائم الملكية الاستبدادية المسماة بالملكية التنفيذية. إن أنصار الاستمرارية لا يريدون استخلاص الدروس من النضالات الشعبية المتواصلة الناتجة عن تدهور الأوضاع المعيشية لعموم الجماهير الشعبية؛ إنهم لا يريدون فهم المدلول العميق للعزوف عن التصويت يوم 07 شتنبر. إن الفئة القليلة من المستفيدين من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة يعتبرون أن المرحلة الحالية تستوجب الاستمرار في نفس النهج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. بهذا المفهوم للمرحلة، أعتقد أن عباس الفاسي كوزير أول هو رجل المرحلة، طبعا بعد الملك باعتبار تقاسم السلطات الناتج عن الدستور بين المؤسسة الملكية والحكومة. هناك منظور آخر لطبيعة المرحلة، يمكن أن نستشفه من خلال تذمر أوسع الفئات الشعبية من أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المتردية ومن خلال درس 07 شتنبر. لقد عاش المغرب خلال هذا اليوم نوعا من الإضراب العام عن التصويت، إضراب نجح رسميا بنسبة 63% (نسبة عدم التصويت) وفعليا بنسبة 75% على الأقل إذا أخذنا بعين الاعتبار الذين أضربوا منذ البداية عندما رفضوا التسجيل في اللوائح الانتخابية واللذين ذهبوا لمكاتب التصويت ليضعوا في الصناديق بطاقات تم إلغاؤها. إن مؤشرات نجاح هذا الإضراب عن التصويت ظهرت مع الرفض العلني لساكنة بعض المناطق سحب بطائق التصويت أو تهديدهم بعدم التصويت في حالة عدم الاستجابة لبعض مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية. كما أن ضعف الحملة الانتخابية (التي لم تعرف رسميا سوى ما يزيد قليلا على ثلاثمئة ألف مشارك في حوالي 1300 تجمع انتخابي) ورتابتها على مستوى القناتين الأولى والثانية كان يؤشر لضخامة نسبة العزوف المرتقبة رغم الحملة والضغوطات الرسمية لحمل المواطنين على المشاركة في التصويت. كل هذا يبين أن الأغلبية العظمى من المواطنين والمواطنات غير مطمئنين للنظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السائد ببلادهم. والمرحلة بالنسبة لهؤلاء تستوجب التغيير في اتجاه مشاركة حقيقية في بناء مستقبلهم وتقرير مصيرهم، عبر بناء دولة الحق والقانون على أنقاض الدولة المخزنية ومجتمع المواطنة على أنقاض مجتمع الرعايا ومغرب الكرامة كبديل لمغرب الحكرة. كل هذا يستوجب أولا وقبل كل شيء إقرار دستور ديمقراطي في طريقة بلورته، في مضمونه وفي أسلوب المصادقة عليه. وبعبارة أخرى، إن معظم المغاربة لا يبالون بالمنهجية الديمقراطية الشكلية ويطالبون بالديمقراطية الحقيقية. إن المنهجية الديمقراطية التي يتغنى بها البعض والتي قد تأتينا بحكومة يرأسها عباس الفاسي في ظل "ملكية تنفيذية" تستبد بكافة السلط الأساسية، لن تضمن لهم لا الخبز ولا الحرية ولا الكرامة. إن معظم المغاربة يرفضون استمرار الأوضاع على حالها ويتوقون للتغيير ولمرحلة جديدة قوامها الكرامة والمواطنة والديمقراطية. وبهذا المضمون أعتقد، وجوابا على سؤالك، بأن عباس الفاسي ليس رجل المرحلة. ● ماذا تتوقعون من الحكومة القادمة؟ إن الحكومة المقبلة ستكون حكومة ضعيفة باستنادها على مجلس للنواب لم يشارك في انتخابه سوى أقل من 25% من المغاربة المؤهلين للتصويت، وباعتبار صلاحياتها الدستورية الضئيلة، وباعتبار تعدد المصالح الضيقة داخلها، وباعتبار برامج مكوناتها التي تعد على العموم امتدادا لمخططات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والرأسمال الأجنبي. إنني كمناضل حقوقي ونقابي وكمناضل تقدمي كنت أتمنى لو أن حكومة بلادي تخدم مصالح الفئات الشعبية وتعمل على ضمان استفادة الجميع من كافة حقوق الإنسان الكونية. لكن تشكيلة الحكومة المرتقبة وصلاحياتها وبرامج مكوناتها تظل عائقا أمام هذا الطموح. مهما يكن من أمر، فإن المناضلين الديمقراطيين والتقدميين في هذا البلد سيواصلون عملهم من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان بدءا بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومن أجل تحسين الأوضاع المعيشية للجماهير الشعبية ومن أجل الوقوف ضد الهيمنة الزاحفة للقوى الإمبريالية على بلادنا. ● كيف تقرؤون تأثير الماضي القريب على مهمة عباس الفاسي كرئيس للحكومة؟إذا كنت تعني بالماضي القريب المسلسل الانتخابي الذي عاشته بلادنا والذي أدى يوم 07 شتنبر إلى برلمان ضعيف المصداقية والمشروعية نظرا لضعف المشاركة في الانتخابات النيابية، ونظرا لما شابها من خروقات ساهمت بقوة في تزييف الإرادة الشعبية، وإذا كنت تعني بالماضي القريب فضيحة شركة النجاة الإمارتية فقد أكدت سابقا أن هذه العوامل ستشكل عرقلة حقيقية أمام حكومة عباس الفاسي. أما إذا كنت تعني بالماضي القريب ما عرفته بلادنا من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ناتجة عن القمع السياسي سواء في ظل الملك الراحل أو منذ الأحداث الإرهابية ل 16 ماي وبارتباط مع ما سمي بمكافحة الإرهاب، فالجميع يعرف الآن أن هيئة ألإنصاف والمصالحة لم تتمكن من طي ملف الانتهاكات وأن الدولة بما فيها الحكومة مازالت مطالبة بمعالجة ملف الانتهاكات الجسيمة القديمة والجديدة سواء في شقها السياسي أو في شقها الاقتصادي المتعلق بنهب المال العام. ● أنتم كنقابي خبرتم النضال من أجل حقوق الشغلية. هل تتوقعون من الممكن أن تدفع رئاسة الحكومة من طرف حزب الاستقلال نحو رجوع النقابات للقيام بدورها الذي تخلت عنه منذ سنوات؟ إن الشغيلة تعيش أوضاعا مزرية وظروفها تتدهور باستمرار خاصة في قطاعات القهر المعروفة: الفلاحة، النسيج، الأشغال العمومية والبناء، الصناعات الغذائية، السياحة والمقاولات المنتمية للقطاع غير المنظم. إن مدونة الشغل التي دخلت حيز التطبيق منذ 08 يونيه 2004، تضمنت إلى جانب عدد من المكتسبات الجزئية، تراجعات جوهرية متعلقة بمرونة التشغيل وبمرونة الأجور وبتهميش دور النقابة على مستوى المقاولة وبالتمييز ضد أجراء القطاع الفلاحي وبضعف الإجراءات الزجرية لحمل المشغلين على تطبيق مقتضيات المدونة نفسها. ومنذ دخول مدونة الشغل حيز التطبيق رسميا، لاحظنا تراجعا غير مسبوق في تطبيق قوانين الشغل على علاتها. والأخطر من ذلك هو أن الحكومة المنتهية صلاحياتها والتي يرأسها ادريس جطو ويتحمل فيها مصطفى المنصوري مهمة وزارة التشغيل، تزكي بشكل مفضوح انتهاك قوانين الشغل التي لم تعد تعتبر كقوانين ملزمة وإنما كتوصيات يجب العمل تدريجيا على إقناع المشغلين بتطبيقها. وهذا هو المضمون الحقيقي لبرنامج الملاءمة الذي أقرته وزارة التشغيل والذي يسعى، انطلاقا من واقع انتهاك مقتضيات المدونة بنسبة 85% في 2006، إلى تقليص هذا الانتهاك إلى نسبة 70% في 2007 وإلى نسبة 30% في 2008 وذلك بالنسبة للمقاولات التي يفوق عدد أجراءها الخمسين. إن الانتهاك المعمم لقوانين الشغل يعد جريمة في حق الأجراء ووصمة عار في جبين الحكومة المنتهية صلاحياتها. ولاشيء يؤشر على تحسين هذا الوضع مع الحكومة المقبلة، خصوصا وأن برامج مجمل الأحزاب لم تتطرق لهذا الواقع واكتفت بالحديث على تشجيع المقاولة والاستثمار ولو كان ذلك على حساب الحقوق القانونية للأجراء. ومما ساعد على ترسيخ واقع انتهاك حقوق العمال هو ما تعرفه أوضاع الحركة النقابية من ترد غير مسبوق خاصة منذ عشر سنوات. إن الحركة النقابية العمالية تعيش أمراضا خطيرة تتجسد في الإجهاز على الوحدة النقابية وما نتج عنه من تشتيت نقابي، في ضعف استقلالية الحركة النقابية وفي تبعية جل المركزيات النقابية لهذا الحزب أو ذاك وخضوع عدد منها لتوجيهات الحكومة والدولة ولمخططات رجال الأعمال، وفي ضعف الديمقراطية الداخلية وتنامي النزعات المنفعية والانتهازية على حساب مصالح ومطامح القواعد العمالية. كل هذا قد أدى إلى تقلص التضامن الذي يعد جوهر العمل النقابي وإلى التراجع المهول لجماهيرية العمل النقابي حيث أن قلة قليلة من الأجراء هي التي أصبحت تشارك في العمل النقابي. كما نسجل تراجعا خطيرا على مستوى المواقف التقدمية للحركة النقابية العمالية التي كانت في فترة معينة في طليعة النضال ضد الطغيان الإمبريالي، ضد الاستبداد ومن أجل الديمقراطية والتحرر من الاضطهاد والاستغلال. إنني أتوقع أن أوضاع العمال ستزداد تدهورا في ظل الحكومة القادمة التي ستعمل على المزيد من تشردم الحركة النقابية وتدجينها وإضعافها. وإن الأمل، كل الأمل في المناضلات والمناضلين الغيورين على مصالح الشغيلة الذين سيواصلون السباحة ضد التيار التراجعي من أجل الدفاع عن حقوق العمال ومن أجل انبعاث الحركة النقابية العمالية على أساس الوحدة النقابية والاستقلالية والديمقراطية والتضامن والتقدمية والجماهيرية. ● هل انعكاسات رئاسة الحكومة ستكون سلبية أم إيجابية على حزب الاستقلال؟ إن أي حزب يتحمل المسؤولية الأولى في حكومة معينة يؤدي ثمن عجز هذه الحكومة على تحقيق برامجها المعلنة والاستجابة لمطامح الجماهير الشعبية. والعبرة في هذا المجال من تراجع نفوذ الاتحاد الاشتراكي منذ 10 سنوات ومن نتائج انتخابات 07 شتنبر. فهل تعتقد أن تحمل حزب الاستقلال للمسؤولية الأولى في ظل الثوابت السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية وفي ظل حكومة لا تحكم سيخرج عن هذا المنحى العام؟