التحرر الفضائي في عالم اليوم ألغى الحدود السياسية التي كان القادة الكبار يدافعون عنها في الحروب قديما .لم يكن أحد يتوقع أن سلطات الدول التشريعية والتنفيذية والقضائية ، سيصيبها الشلل إلى هذه الدرجة . مع فضاء تواصلي بلا حدود يحكمه من يملك المعلومة وطرق توصيلها . في التسعينات كان النقاش في المغرب محتدما هل ننفتح على الفضاء الإعلامي ، أم نظل منغلقين ؟ سؤال صعب لم يجب عنه أحد ، لأن الجميع وجد نفسه في المغرب يشاهد العالم في بيته من خلال قنوات العالم . فعلا صار العالم قرية صغيرة! لم نعد نتلقى المعلومة من طرف وزارة الداخلية والإعلام – كما كانت في عد إدريس البصري – أصبحت الأخبار في كل مكان . يا له من اختبار صعب للدول التي ما زالت تفكر بعقلية القرون الوسطى ، وتريد تطبيق تعاليم ميكيافليي في حكم الشعوب . لقد فتح موضوع الصحراء المغربية ، منذ أن طرح المغرب اقتراح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية ، الباب أمام مجموعة من الأسئلة المنطقية ، حول هذه القضية التي عمرت طويلا، والتي تدخل فيها الأجانب مرة كطرف ومرة كخصم لا يملك ما يكفي من الجرأة للمواجهة . حتى إن المواطن المغربي العادي ليتساءل ، لماذا لم تستثمر نتائج المسيرة الخضراء في حسم هذا الصراع وإفحام الخصوم ؟ لقد كشفت أحداث العيون الأخيرة حقيقتين بالنسبة للمغاربة : 1- اسبانيا القرن 21 هي نفسها اسبانيا ق15 : إن من ينظر إلى حدود المغرب الشمالية والشرقية ، سيفهم أن هناك أطراف لا يغمض لها جفن من هذا البلد ، الذي نجا من التبعية العثمانية بصعوبة ، وسقط تحت نير الاستعمار ولم يلبث فيه طويلا كما بقي في الجزائر أكثر من 130 عاما . نعم يجب أن نقول كمغاربة بصراحة أن لدينا أعدءا يقفون على حدودنا الشمالية والشرقية متأهبين للمواجهة ، وقد وقع لي شخصيا أن شاهدت منطقة الحدود الوهمية بين مدينة الفنيدق ومدينة سبتةالمحتلة . يا له من منظر مرعب أن ترى العلم الإسباني فوق ارض بلادك ؟ شعور بالإهانة ، وأنت ترى الجنود الإسبان يتهكمون بنظرات الاحتقار تجاه المغاربة الذين يعبرون الحدود للبحث عن لقمة عيش مرة . إسبانيا عدو رئيسي للمغرب ، الإسبان لم ينسوا أيام الأندلس ، ولم يتخلصوا من عقدة أن الإسلام كان في وقت من الأوقات ينير أرجاء أوربا كلها. وما احتلالهم لمدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية شمال المغرب ، إلا دليل على هذا الحقد الدفين في لا وعي الإسبان . وقد أكد الإعلام الاسباني هذا الكلام ، من خلال استغلاله لاحداث العيون الاخيرة ، لينقل صور أطفال غزة على أنها آثار اعتداءات مخزنية مغربية على أطفال العيون. يا له من تطابق بين اسبانيا القرن 21 واسبانيا القرن 15 ، لا ننسى محاكم التفتيش ، والطرد الجماعي الذي قادته الكنسية برعاية الملكة ازابيلا والملك فرناندو. وللتذكير الإسبان يحيون سنويا ذكرى خروج المسلمين من الأندلس المفقودة في فبراير شباط. وتحتفل القرى في شتى أنحاء اسبانيا سنويا باستعادة اسبانيا بعد أكثر من 700 عام من الحكم الإسلامي في جزء كبير من البلاد حيث يقوم المزارعون الاسبان خلال احتفالاتهم بتفجير دمى تمثل الرسول صلى الله عليه و سلم ...هم لم ينسوا بعد . ونحن كذلك لا يجب أن ننسى . 2-الحكام في الجزائر يعاملون المغرب كعدو دون الكشف عن ذلك : صراحة لا أحد يعلم لماذا يحرص حكام الجزائر على معاملة المغرب كعدو ، مع أن الشعبين الجزائري والمغربي تربطهما صلات القرابة والنسب .و متابعة أخبار القنوات الرسمية للجزائر ، تكفي ليعرف المشاهد – كيفما كان – خطاب الكره والحقد الموجه إلى المغرب . يقدم المغرب بلدا- محتلا، بلدا معتديا على حقوق الإنسان . مستغلا لشعب صحراوي....- كلام كثير ونعوت سلبية مستفيضة ، يعتقد المرء أنها موجهة إلى عدو لا دين له ولا ملة . من هنا يمكننا الخروج بنتيجتين أساسيتين ، بخصوص التعامل مع هذين الجارين ، اللذين يجبرنا التاريخ والجغرافيا على التعامل معهما . أ- المغرب قدر اسبانياوالجزائر و لا يمكن لهما إلغاءه من أي معادلة سياسية ، وعلى هاتين الدولتين أن تفهما بأن الجغرافيا والتاريخ والمنطق يفرض عليهما التسليم بوحدة المغرب ، والابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية لبلد ذو سيادة ، وهو ما على المغرب استثماره بجدية للدفاع عن وحدته الترابية . ب – على من يحكمون الجزائر أن يفهموا حقيقة جيوسياسية هامة ، هي أن المغرب يتمتع بوجوده التاريخي والجغرافي القانوني على أراضيه وهو ما حكمت به محمكة العدل الدولية في لاهاي، وهذه حقيقة لا يمكنهم تغييرها ، لذلك فنجاح مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية في إطار سيادة المغرب ن هو اول خطوة لاستقرار المغرب العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط ، ويجب التذكير هنا بالحلم الذي راود الدول المغاربية ذات مرة ، المغرب العربي . لقد نسينا هذا المشروع الكبير ، وسط أزمات تصطنعها الجزائر وصنيعتها البولزاريو واسبانيا . في الأخير نصل إلى ضرورة وجود قناة إخبارية مغربية ، تحول دون نشر أخبار كاذبة عن المغرب ، وتكون درعا واقيا ضد أعدائه . ولدينا ما يكفي من الأطر والإمكانات ، لإنشاء قناة تغطي الفراغ الذي يشهده المغرب ، حيث مازالت الأخبار تغرق في الرسمية . حتى انه في أحيان كثيرة تنقل الأحداث في قنوات خارجية أو معادية قبل أن تنقل على قنواتنا . على المسؤولين عن الاتصال والإعلام في المغرب ، عدم الخوف من هذه المبادرة الضرورية من أجل عدم السماح لأي كان أن يتطفل على أخبار مجتمعنا ، نعم لدينا سلبيات لدينا مشاكل كباقي دول العالم ، المغرب ليس استثناءا ، لكن لدينا أيضا ايجابيات ، ولدينا ارث يتحسر الكثيرون على عدم امتلاكه ، لدينا تاريخ طويل يجب الاحتفاء به ، ويجب الحفاظ عليه للأجيال القادمة . نحن بحاجة إلى قناة إخبارية لها ما يكفي من الجرأة والحرية والموضوعية في خطها التحريري ، حتى تكشف ما يقع في البلاد وتنقل الحقيقة كما هي ، وليس كما يريد فلان أوعلان . زمن الانتظار قد ولى ، اليوم ، إذا لم نسابق المعلومة بأن نملكها ، فلن تنتظرنا في فضاء إعلامي ومعلوماتي مفتوح . *أستاذ – باحث في قضايا التواصل والإشهار [email protected]