وسط 140 فضائية عربية، بدأت الفضائية الصهيونية الجديدة (الشرق الأوسط) لتنتقل «إسرائيل» بوضعيتها من حربة زرعت في جنب الوجود العربي على الأرض إلى وضع مشابه ولكن في السماوات المفتوحة، وهي بذلك تثير الأسئلة التقليدية لشكل مواجهتها من تدشين الوسائل الإعلامية إلى ضرورة الإصلاح الداخلي لمجتمعاتنا - وذلك على خلفية الدور الذي يتوقع بأن تلعبه هذه القناة من انتقادات وكشف للدكتاتوريات العربية والحالة المعرفية للمجتمعات العربية - إلى شحذ وتنمية مهارتنا الإخبارية والمعلوماتية إلخ. 70مليون شيكل سنويا بدأت القناة بثها في 52 يونيو2002 مخاطبة المواطنين العرب في «إسرائيل» ودول المنطقة والمهتمين بشؤون الشرق الأوسط، وتبث القناة برامجها باللغة العربية والإنجليزية أيضًا، ويغطي إرسالها دول العالم العربي والشرق الأوسط، مثل: تركيا وإيران، ويعبُر تأثيرها دول المغرب العربي إلى الدول الأوروبية كلها، حيث الجاليات العربية الضخمة والإسلامية الكبيرة. وحسب المسؤول عن الفضائية "يوسف بينا" فإنه فضلا عن البرامج السياسية ستبث القناة برامج ترفيهية، ومسلسلات بالعربية، ونشرة أخبار يومية بالإنجليزية، وتبث المحطة 8 ساعات يوميا على أن تبث في الساعات المتبقية صوت الإذاعة «الإسرائيلية» الناطقة بالعربية. وقد أكدت تقارير إعلامية عبرية أن الحكومة «الإسرائيلية» خصصت 2.1 مليون دولار لإقامة الفضائية، إضافة إلى 6.4 ملايين دولار أخرى خصصتها لنفس المشروع، ويستمر بث المحطة 12 ساعة متواصلة يوميا، وذلك بتكلفة 70 مليون شيكل سنويا (أي 18 مليون دولار).
الكيان الصهيوني والبحث عن الحياد يردُّ «الإسرائيليون» أسباب هذا التوجه الإعلامي إلى عدة عوامل أهمها: قصور الأداء الصهيوني في الساحة العربية؛ الأمر الذي جعل الإعلام العربي -في اعتقادهم - يتمكن من تعرية السلوك السياسي لقادة الكيان «الإسرائيلي» المحتل في فلسطين، وإظهار الإرهاب المسلح الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. وقد زعمت "شولاميت جولان" المتحدثة باسم سلطة البث «الإسرائيلية» أن العالم العربي يتلقى المعلومات عن حياة «الإسرائيليين» من منظور واحد غير محايد، عن طريق الصور النمطية ل»لإسرائيليين». وأضافت أن الفضائية «الإسرائيلية» ستركز على ما يجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين بإذاعة الأخبار بصورة حيادية! كما ستركز على المشاكل الاجتماعية لعرب (فلسطينيي) 48، فضلا عن بث حملات دعائية عن المناطق السياحية والدينية في «إسرائيل». ومن ضمن ما روَّج له «الإسرائيليون» من أسباب بث هذه الفضائية أن «إسرائيل» تسعى إلى شرح وجهة نظرها بالنسبة لما يحدث في الضفة والقطاع على شاشات هذه الفضائية. واللافت للنظر أن لإسرائيل أكثر من فضائية تبث باللغات العبرية والإنجليزية، وتقدم أحيانا بدبلجة عربية، وتعبر هذه الفضائيات عن سياستها الاقتصادية والعسكرية وكذلك الثقافية، فهي تملك أدوات التوجه إلى الرأي العام العالمي كما أنها تملك إرسالا كليا يتجه إلى عرب 48 بدبلجة عربية.
قناة «إسرائيلية» للديمقراطية العربية والسؤال: إذا كانت «إسرائيل» تمتلك كل ما سبق من قنوات، فلماذا تحتاج إلى فضائية تتحدث باللغة العربية؟ أعتقد أن إسرائيل ستسعى من خلال القناة الفضائية العربية الجديدة للوصول إلى المشاهد العربي الذي لم يعد يصدق ادعاءات السلام الإسرائيلي، فهو يشاهد على فضائيات العربية وغيرها وعلى شاشات إرساله المحلي حقيقة ما يحدث للشعب الفلسطيني؛ ولذلك ازداد تباعدا عن فكرة السلام باعتبارها الحل. وقد تسعى قناة إسرائيل باللغة العربية في بث برامج مصورة عن الانتفاضة تغاير الواقع، بعد التدخل بالتركيب لتزييف الأحداث. وقد أشارت صحيفة معاريف - في تحقيق عن القناة - إلى النية في التدخل فيما يذاع على شاشاتها عن أحداث الانتفاضة بالمونتاج الذي يغيّر الصور ليبدو الفلسطينيون كأنهم يبادرون بالعنف، ويرتكبون أعمال الإرهاب، بينما جنود الاحتلال والمستعمرون ضحايا وأبرياء. وقال النائب العربي في الكنيست عزمي بشارة: إن القناة ستزيف الحقائق وتروجها، وستكون أداة يسيطر عليها رجال المخابرات الإسرائيلية، وتأمل إسرائيل في أن تنقل هذه الصور عبر التدخل فيها بالمونتاج إلى شاشات التلفزيون في العالم خاصة أمريكا وأوروبا، تنقلها هذه المرة عن تلفزيون إسرائيل الجديد باللغة العربية. ولكن القناة الفضائية الإسرائيلية تراهن على الأهم من ذلك، فهي ليست بالسذاجة بحيث تتوقع أن تختلط الأمور كلية على العرب فيما تروجه من دعاية وتزييف للواقع، فهل يمكن تزييف الصور المروّعة التي يُضرب فيها الأطفال بأعقاب البنادق؟ والجرارات التي تهدم المنازل الفلسطينية وجنائز الشهداء؟ أغلب الظن أن «إسرائيل» تلعب في سياساتها الفضائية الجديدة على: - نقاط الضعف العربية الداخلية التي تقلق وتشغل المشاهد العربي، ففي مواجهة الحديث عن العنصرية الصهيونية سوف تدير الحوار عن الديمقراطية المهمشة والحريات المكبوتة في مواجهة الحديث عن سياسة الاغتيالات التي تمارسها العناصر الوطنية الفلسطينية، وتدير الحوار عن الاعتقالات وإغلاق المنتديات وتصفية الرأي الآخر في المجتمعات العربية. - كما ستعزف على أوتار صياغة العقل العربي وتطبيعه ليصبّ في إطار التكتيك السياسي، ويبتعد عن الأهداف الإستراتيجية، ويلغي عنده معادلة العداء للآخر. وستحاول - في هذا الإطار - جذب المشاهد العربي، وكسب ثقته. ولعل المتابع للقناة يجد مدى ما توليه القناة للبرامج الترفيهية والأغاني العربية خاصة لأم كلثوم وغيرها من أعلام الغناء العربي، إضافة إلى أطروحات بعيدة تماما عن إثارة الحساسية أو ما يثير القلق لدى المجتمعات العربية.. وبالطبع سيكون ذلك مؤقتا.
المطلوب.. صعود سلالم الحرية تأتي القناة الفضائية «الإسرائيلية» الجديدة بينما فضائيات عربية عديدة تعتمد في برامجها على ثقافة التسلية التي تهمش اهتمامات المشاهد العربي ووعيه، كما تزامنت مع فشل الجانب العربي في إنشاء قناة فضائية مشتركة موجهة إلى العالم الخارجي، ومع بدء بثّ القناة لبرامجها أُثير قدرٌ من الغموض والارتباك ليس بالقليل في عقول ونفوس كثير من المتخصصين العرب وغيرهم، وتصاعدت الدعوات إلى مقاطعة القناة تارة، وإلى عدم ظهور الشخصيات العربية على شاشتها تارة أخرى.. وغير ذلك. والسؤال الأهم: ما هو الدور المطلوب من العرب كإعلام ونظم سياسية لمواجهة ما قد تثيره القناة من قضايا شائكة، وما تروجه من لغط؟ ويمكن أن يكون الالتفات للنقاط التالية خطوة في طريق القيام بهذا الدور: أ - زيادة مساحات الحرية والرأي والتعبير، ومزيد من الصدق والشفافية في إعلامنا وفضائياتنا وصحافتنا العربية والتخطيط الإعلامي، ولا نكتفي بذلك، فيجب البدء بالإصلاح الداخلي الذي يعبّر عن تجاوزنا للتخلف، خاصة مع الصورة القاتمة التي رسمها تقرير التنمية البشرية العربية الذي صدر قبل أسابيع عن المكتب العربي في برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، والذي ربط التدهور الحاصل في بلادنا العربية بانخفاض مستوى الحرية وفقر المعرفة؛ وهو ما ستحاول «إسرائيل» العزف عليه لتشويه المجتمعات العربية. ويعني ذلك أن هذا التقرير.. وما قد تثيره الفضائية «الإسرائيلية».. يعضدان دعوة الداعين إلى إصلاحات سياسية. فمؤشر دليل الحرية يكشف أنه من بين سبع مناطق في العالم تستقر البلاد العربية في أدنى درجات السلم! ويشمل هذا المؤشر - ضمن ما يشمل - الحقوق السياسية واستقلال الإعلام والحريات المدنية. وقد أشار أيضا تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان فيما يخص مجال حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير بالقول نصا: "لقد صدرت قرارات ومشروعات قوانين في عدد من الدول العربية، وجرى تعديل قانون العقوبات في دول أخرى على نحو يمسّ بشكل مباشر الحريات الصحفية". ب- ضرورة أن يكون الوجود العربي أقوى على الساحة الإعلامية والإخبارية، حيث تتوافر القنوات المتخصصة، لكن معظمها بلا فاعلية والعالم العربي يستطيع ذلك، فهو الذي يملك ما يزيد على 1500 مليار دولار في البنوك الأجنبية، ويستطيع استثمار 2% من هذا المبلغ لخلق شبكة إعلامية متكاملة لمواجهة الآخر. كذلك لا بد من توافر مصداقية عالية وحرية مرتفعة لدينا؛ لأنه كلما زادت المصداقية ودرجة الحرية في برامجنا.. قلت الحاجة إلى مشاهدة القنوات الأخرى، وذلك يفرض علينا التواجد بصورة مكثفة في الخارج، وأن تخترق قنواتنا الفضائية كل الحدود والحواجز، وأن تكون هناك مساحة أكبر للحوار مع الآخر. ج- حتى يكسب العرب هذه المصارعة الإعلامية التي يريد شارون أن يخوضها ضدهم بهذه القناة لتكون بوقا إعلاميا إسرائيليا، وينقل المواجهة من الأرض إلى الهواء مباشرة ليقلب الحقائق ويخلط الأوراق، ويظهر إسرائيل بأنها الضحية، رغم أنها الديمقراطية على خلاف المجتمعات العربية.. فالمطلوب من الفضائيات العربية ممارسة أكبر قدر من الدقة والموضوعية والصدق وسرعة الانتقال إلى مواقع الأخبار، وتغطيتها من جميع جوانبها بحريةٍ، واحترام المشاهد وتوصيل الحقيقة بدون افتعال أو انفعال. المطلوب متابعة دقيقة ومستمرة لما تقدمه القناة - فكما قلنا إن القناة لن تبث سمومها الآن - كما يجب تسليح المواطن العربي بالمعلومات الدقيقة والصحيحة حتى لا يقع فريسة لمثل زيف هذه القنوات.