بين الأهداف والنتائج ! "" 1 أوّل الغيث ! خَبِرَ الجنرال شارل دوغول أهمية الإعلام، والتواصل مع الجمهور، من تجربته في مخاطبة الفرنسيين إبّان الاحتلال الألماني لبلاده (1) ، عبر إذاعة بي بي سي BBC، وكان الجنرال من كبار المدافعين عن حرية الرأي والتعبير وحين سئل مرة عما سيفعل، بصحافي هاجمه هجوماً عنيفاً، أجاب: هل يعتقل فولتير ؟! وكان الجنرال يدرك جيداً أن الإعلام سلاحٌ فعّال وضروري للدول الكبرى ! دوغول العسكري، والسياسي العملاق، الذي أحب الشرق، واعتبره مضماراً حيوياً واستراتيجياً لمصالح بلاده، وعرفه بدقة، وزار دوله قبل أن تحقق الاستقلال عن الانتداب الفرنسي، أيقن أن لحرب حزيران / يونيو 1967 (والتي تسمى بحرب الأيام الستة) بعداً سياسياً، سيكون له تداعيات في منطقة الشرق الأوسط، المرشحة للمزيد من الفوضى، وعدم الاستقرار فأوعز بتأسيس إذاعة فرنسية القلب عربية اللسان تكون جسراً للتواصل بين فرنسا والعرب (2) ومن اجل إسماع صوت مختلف في الشرقين الأوسط والأدنى وكلف حينها "بيير لو فرون" مدير شركة "سوفيراد للبث الإذاعي" بالمهمة وتم اختيار قبرص كمحطة انطلاق للبث نحو الشرق، ولتحقيق حزمة أكبر من البث الإذاعي تم الاتفاق مع الحكومة القبرصية على إنشاء محطات تقوية للبث، ولكن لرفع الحرج عن قبرص مع بريطانيا، تملكت شركة سوفيراد مجموعة أسهم في راديو مونت كارلو الواقع في إمارة موناكو، وتم إطلاق الإذاعة الجديدة عام 1972 بنفس الاسم ولكن بإضافة تميزها عن الأخرى ليصبح الوليد الإعلامي الفرنسي الجديد راديو مونت كارلو الشرق الأوسط، و فيما أسرة الأخبار في باريس، برئاسة الزميل أنطوان نوفل كانت أسرة البرامج تقيم في موناكو. 2 الصّعود نحو القمّة ! وجد المولود الإذاعي صدى، ونجاحاً جماهيرياً واسعاً، واحتلت مونت كارلو الشرق الأوسط مكانة مرموقة، إلى جانب محطة إذاعية مرموقة و حترافية عالية المستوى هي BBC (بي بي سي العربية تأسست في يناير/ كانون الأول 1938)ودخلت معها حيز التنافس، لأن الأسلوب، والموضوعية، والاستقلالية التي انطلقت بها الإذاعة، لم يعتدها المستمع العربي سوى من BBC ، ووجد نفسه أمام وسيلة إعلامية جذابة في برامج منوعاتها ،ولا تنطق باللغة الخشبية التي يستخدمها الإعلام الرسمي العربي . كان فريق عمل الإذاعة، من مذيعي الأخبار، ومقدمي البرامج نجوماً لدى المستمع العربي، يتمتعون بقدر عال من المهنية، والإحساس بالمسؤولية الملقاة عاتقهم، ونحتت في ذاكرة، وعقول الملايين، من المستمعين العرب أسماء لامعة براقة منهم :( الراحل حكمت وهبي، رواد طربيه، وأنطوان بارود، وحنا مرقص، وهيام حموي، وسناء منصور، وجورج قرداحي). كان للمهنية العالية، والاستقلالية الدور الأساس في نجاح الإذاعة، وتحقيق نسبة فلكية في نسبة المستمعين، وحتى في نسبة الإعلانات، حيث تشير المعطيات الرسميّة إلى مبلغ 4 ملايين دولار عام 1985 كأرباح صافية من الإعلانات، مما حقق للإذاعة الاكتفاء المالي الذاتي، لتأكيد استمرارها كمؤسسة إعلامية، ومستقلة ورابحة أيضاً. لكن سرعان ما تدهور سعر النفط والدولار، مما أثر سلباً على نسبة الإعلانات، وبدأت مرحلة الضائقة المالية، وفي عام 1996 كانت المحطة الفاصلة في تاريخ الإذاعة، إذ أصبحت مملوكة بالكامل للدّولة الفرنسية، لتكون بذلك مونت كارلو الشرق الأوسط بمثابة القسم العربي لإذاعة فرنسا الدولية، أي " صوت الدبلوماسية الفرنسية في العالم العربي " و بعد أن أصبحت الإذاعة لا تمت للمحطة الأساسية في موناكو بصلة سوى الاسم ، تقول الزميلة الإعلامية القديرة إنعام كجه جي في مقال لها "كان لا بد من الخروج من معطف مونت كارلو، بعد أن تقطع الحبل السرّي مع المحطة الأم منذ سنوات، والبحث عن تسمية جديدة لا تشكل قطيعة مع الاسم السابق والمألوف. و تمّ الاتفاق على إضافة صفة «الدولية» إليه، بضم الدال وفتح الواو، نسبة إلى الدول، رغم آراء علماء اللغة في عدم جواز النسب إلى الجمع بل إلى المفرد. وعليه يكون أنطوان نوفل قد سجل نقطة في مرمى إذاعته السابقة عندما سمّى مجلته «الدولية» بفتح الدال وتسكين الواو، نسبة إلى الدولة، محترماً آراء النحاة الذين ما عادت لهم سوق رائجة في الإعلام العربي عموماً ". ويمكن القول أن الأوائل من مذيعي ومقدمي برامج وأخبارمونت كارلو الشرق الأوسط منذ السبعينات وحتى التسعينات الفضل في تطوير الفن الإذاعي لكن بالتأكيد إلى جانب إذاعة بي بي BBC العربية بيد أن مونت كارلو الشرق الأوسط تعتبر الأم الحنون التي ولدت من رحمها إذاعات الأغاني ومهدت الطريق والتربة الخصبة لإذاعات موجة FM . الصعود نحو القمة ليس أمراً صعباً إن توفرت له العناصر الأساسية، إلا أنه ليس بالأمر السهل، بيد أن ما هو أصعب و بالتأكيد البقاء في القمة. 3 رمالٌ متحرّكة منذ حقبة التسعينات بدأت مونت كارلو الشرق الأوسط تعيش عصرا لرمال المتحركة نتيجة الخلل في الموازنة المالية، وصولاً إلى تملكها من الدولة الفرنسية تحت جناح إذاعة فرنسا الدولية وشهدت تلك الحقبة والتي مازالت مستمرة مراحل مضطربة لها العديد من الأسباب والنتائج ساهمت إلى جانب العديد من العوامل الخارجية في تراجع مونت كارلو الدولية عن عرش المنافسة مع BBC وخسارة نسبة لا بأس بها من المستمعين العرب لصالح وسائل إعلامية أخرى . وهناك من يقول إن العوامل الداخلية تختصر في (انحسار مساحة الاستقلالية تدخل بعض المؤسسات في فرض توظيف وتعيين أشخاص ضمن أسرة الإذاعة دون مراعاة المسألة المهنية عدم المساواة في الحقوق بين العاملين في مونت كارلو الدولية وزملائهم في الأقسام الأخرى من إذاعة فرنسا الدولية مما أسفر عن عمليات احتجاج و إضرابات نقابية وعمالية أكثر من مرة أثرت بالضرورة على مسار وبث الإذاعة وأسفرت عن انخفاض إلى قرابة 80% من الفترات الإخبارية والبرامجية المقررة خلال مدة الاضرابات والتي استمر أحدها قرابة أسبوع عدم تحقيق المطالب المتعلقة بشروط العمل وباخلاقيات المهنة وبالمساواة بين الموظفين في مجال الترقيات السنوية وتكليف الصحافيين بمهمات خارجية عدم احترام الخط التحريري العام للإذاعة من بعض العاملين مما أدى إلى انحراف في استقلالية العمل كان لإقالة رئيس تحريرها سامي كليب من منصبه، بعد شهر ونصف من تعيينه، والذي يعتبر ثالث رئيس تحرير يعيّن في هذا المنصب منذ ان أصبحت مونت كارلو تابعة لمجموعة إذاعة فرنسا الدولية كان لخبر الإقالة وقع الصدمة لدى زملائه ضمن أسرة الإذاعة وصدمة أخرى من تمسك الإدارة الفرنسية بمدير البث ممارسة أحد المدراء السابقين لضغوط على أعضاء أسرة الإذاعة للحصول على شهادات و تنازلات سياسية ضد أحد الصحفيين انتقال فيروس الخلافات والحساسيات العربية العربية إلى أروقة الإدارة والتحرير وبرز إلى الواجهة معسكران (مشارقة مغاربة) التذمر مما يسميه بعض الإعلاميين بالهيمنة اللبنانية على الإذاعة التخبط في الأداء الإداري دفع بالجهة الرسمية المالكة لمحاولات إنقاذ متكررة للحفاظ على موقع ومكانة المحطة الإذاعية بيد أن التعاقب المستمر والسريع للعديد من المدراء ورؤساء التحرير وعدم وجود خطة عمل استراتيجية منهجية وضع المحطة في مهب الريح إزاء التباين في الرؤى الإدارية عدم ضح دماء إعلامية جديدة واعتماد أسلوب المياومة أو ما تسميه وسائل الإعلام عقود تعاون في اختيار صحفيين جدد و لمن يحالفه الحظ طبعاً !؟ في التعاون مع المحطة إلى جانب عدم اعتماد أسلوب المسابقة وامتحانات القبول منذ مدة طويلة الافتقار إلى برامج تفاعلية مع الجمهور تحاكي همومه تفسح له المجال للتعبير عن الرأي. أما العوامل الخارجية فيمكن أن نشير إليها بما يلي:(سرقت شاشة التلفزيون الملايين من جمهور الإذاعات فمنذ ولادة قناة الجزيرة انطلقت عشرات الفضائيات العربية أو الناطقة باللغة العربية وولدت عشرات القنوات المتخصصة "اقتصادية رياضية أفلام غنائية ..الخ...!" ووجد الجمهور المستهدف نفسه أمام عشرات الخيارات المرئية والمسموعة وهناك الآن أكثر من 500 محطة تلفزيونية هدفها العالم العربي انتشار إذاعات موجة الFM بشكل كبير وحتى بث العديد منها عبر الأقمار الصناعية فاتسعت رقعة المنافسة وهذه الإذاعات بمجملها غنائية وترفيهية وتجد جمهوراً واسعاً نظراً لحالة الإشباع والتخمة من الأخبار السياسية التي تضخها الفضائيات المختلفة خلال العقد الأخير ساهم انتشار الانترنت ومقاهيه في العالم العربي (رغم محدوديته والرقابة المفروضة عليه) في شد شريحة واسعة من الجمهور وهم طبعاً من جيل الشباب (وهم الشريحة الأوسع في العالم العربي) عبر مواقع ومنتديات تحاكي هموم الشباب ومشاكلهم أو تطلعاتهم إلى جانب الحيز الهام من الوقت الذي تأخذه مواقع وبرامج المحادثة والاتصال المباشرة عبر الانترنت وبين الجنسين ساهمت حالة الإحباط السياسي ومصاعب الواقع المعاشي في العالم العربي إلى تعزيز ظاهرة اللجوء نحو الدين مما عزز نسبة جمهور ومتتبعي القنوات الدينية إذاعية كانت أم تلفزيونية وهناك الآن ما يزيد عن 25محطة تلفزيونية إسلامية ومسيحية وبإمكانيات مالية وفنية كبيرة وهي في تزايد مستمر وأغلبها يقدم الفتاوى ويبث الطائفية المبرمجة والمذهبية ويدفع إلى الحقد "الديني" وينميه وتنتشر هذه الظاهرة أيضاً وبكثافة خطيرة في الشبكة العنكبوتية ) . هذه هي العوامل الخارجية التي أسهمت بشكل أو بآخر في دفع عجلة مونت كارلو الدولية إلى التراجع ويمكن اعتبار هذه العوامل جزء من خارطة لفضاء يعج بالخيارات والجمهور المستهدف واحد: العالم العربي. 4 فضاءٌ مزدحم وقيصريّة لمولود في الشّهر السّابع هناك ثلاثة عوامل أساسية لانتشار ظاهرة وتكاثر الفضائيات العربية والفضائيات المستعربة: أولاً: شكلت حرب الخليج الثانية (من2 آب/ أغسطس 1990 إلى 28شباط/ فبراير1991 بين العراق و قوات التحالف المكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدةالأمريكية ) دافعاً رئيساً للتحرك الإعلامي التلفزيوني أمام تفرد شبكة CNN في نقل مجريات الحرب على العراق فأتت تجربة بي بي سي العربية في تقديم خدمة القناة الفضائية التلفزيونية في يوليو/ حزيران عام 1994 لكن سرعان ما توقفت بعد قرابة عامين من البث لأسباب متعددة ف التقفت قطر فكرة المشروع عقب تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني زمام الحكم في إمارة قطر في 27 حزيران /يونيو 1995 عند قيامه بانقلاب أبيض على أبيه الشيخ خليفة وانطلقت قناة الجزيرة من الدوحة في 8 شباط/فبراير 1996 ) وتحولت إلى شبكة من عدة قنوات فضائية ناجحة منها Aljazeera English (وكان عمادها فريق الإعلاميين الذي انطلق بقناة بي بي سي العربية المتوقفة والتي بعثت للحياة من جديد في 11 آذار/مارس 2008 . ثانياُ: منذ أحداث 11 أيلول / سبتمبر 2001 وانطلاق ما سمي بالحرب العالمية على الإرهاب وبدء المعارك على "تنظيم القاعدة" في أفغانستان والتي انفردت قناة الجزيرة في تغطيتها مما دفع بها إلى سلم النجومية والعالمية بعد أن شكلت منذ انطلاقتها علامة فارقة في الإعلام العربي وأصبح يصنف الإعلام في العالم العربي إلى مرحلة ما قبل ومرحلة ما بعد الجزيرة. ثالثاً : مع إيقاع طبول الحرب على العراق أطلقت طهران قناة العالم إلى جانب وجود قناة سحر ثم قناة الكوثر الإيرانيتين المستعربتين لتدعيم ترسانتها الإعلامية الموجهة للعالم العربي ثم اطلقت السعودية فضائية العربية من دبي التي دخلت بشكل سريع مع قناة الجزيرة في إطار التنافس ثم أطلقت قناة الإخبارية من الرياض وتوالى انتشار الفضائيات الأجنبية الموجهة للعالم العربي أو ما يمكن أن نسميها بالقنوات المستعربة فالولايات المتحدة أطلقت قناة الحرة بعد إطلاقها إذاعة سوا وروسيا أطلقت فضائية روسيا اليوم وألمانيا أطلقت فضائية صوت ألمانيا | Deutsche Welle - "دويتشه فيله" وبريطانيا أعادت إطلاق فضائيتها BBCالعربية ومع احتفالات فرنسا بتدشين الاتحاد الأورو متوسطي في 12 تموز2008 عاد القسم العربي لقناة EURONEWS الأوربية للانطلاق مجدداً إذ توقفت هذه القناة في العام 1997 بعد عامين من البث تحت وطأة أزمة مالية لاعتمادها على الدعم المالي من المفوضية الأوروبية ، ومنذ احتلال العراق ،و إسقاط نظام صدام حسين برزت عشرات القنوات العراقية (كالشرقية والعراقية والبغدادية وبلادي ) ، والآن وفي مصر ورغم وجود فضائية النيل للأخبار تجري الاستعدادات لإطلاق فضائية جديدة «الأهرام " المصرية، ومن المتوقع أن تنافس بشكل سريع غير مسبوق قنوات الجزيرة ،والعربية وبي بي سي العربية ،على اعتبار أن المؤسسة صاحبة المشروع مؤسسة الأهرام الأقدم (تأسست عام 1876) والأكثر عراقة في العالم العربي لها تاريخ مهني طويل وتمتلك الإمكانيات اللازمة . وفيما برز على المشهد الإعلامي في المغرب الأقصى حضور لقناة MEDI SAT1 التي تنطلق من طنجة ، فهناك من5 إلى7 محطات فضائية بانتظار الترخيص لها للانطلاق، فيما تستعد ليبيا لإطلاق "الليبية " بعد أن أطلقت فضائية الشبابية . تركيا لم تكن بعيدة عن مسرح الصراع الفضائي العربي حيث أن فضائية تركية مستعربة جديدة على وشك الانطلاق في أية لحظة عن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية TRTوعلينا أن نضع في عين الاعتبار أن هناك أكثر من 50 فضائية عربية رسمية للنظم الحاكمة في العالم العربي إلى جانب قسم عربي (لمدة ساعتين ) للتلفزيون الإيطالي Rai Med وفي لبنان أطلقت قناة المسقبل الإخبارية والتي واكب إطلاقها الاحتفال بالذكرى السنوية للاستقلال اللبناني في 21 نوفمبر 2007 وعودة MTVبفريق عمل كبير إلى جانب القنوات اللبنانية الأخرى (تلفزيون الجديد وLBC و NBN وOrange Tv وفضائية المنار التابعة لحزب الله ) ووجود محطات شبكة راديو وتلفزيون العرب ومحطات شبكة أوربت وفضائيات سورية( شام والمشرق ودنيا والرأي)وATV الأردنية وفضائية الأقصى على الساحة الفلسطينية والتابعة لحركة حماس وفضائية الوطن وقناة الرأي من الكويت إلى جانب فضائيات مهاجرة مبعثرة في المغتربات كفضائية الحوار وفضائية المستقلة وقناة ANB ثم انطلاق فضائية زنوبيا السورية وبولادة حرجة مازالت متعثرة حتى الآن ،ويدور الحديث الآن عن احتمال إطلاق إسرائيل لفضائية جديدة مستعربة إلى جانب محطتها التلفزيونية، والإذاعية الناطقة بالعربية منذ عدة عقود وهنا سيتبادر للذهن السؤال التالي : ماذا لو أن الشرق الأوسط منطقة مستقرة وهادئة فما هو خبز الأخبار لتلك الفضائيات وعن ماذا ستكون العناوين الرئيسة لنشرات الأخبار ؟!. وسط هذا الزحام ،وربما الفوضى والتخمة الفضائية، بدأت الدبلوماسية الفرنسية تتلمس طريقها وتبحث عن مكان لها لدى المشاهد العربي نتيجة رغبة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك الذي دعا عام 2003 مع معارضة فرنسا للحرب على العراق إلى إنشاء قناة تلفزيونية دولية لفرنسا على غرار CNN وBBC إلا أن المشروع لم يرى النور إلا عام 2006 ،ولم يحظى القسم العربي للمشروع باهتمام لدى الرئيس نيكولا ساركوزي . وانطلقت قناة فرنساالإخباريةFrance24 في 6 ديسمبر/كانون الأول 2006،كقناة إعلامية دولية تبثّ على مدار الساعة، ومهمّتها تغطية الأحداث بنظرة فرنسية ،وتوصيل الرؤية ،والقيم الفرنسية إلى جميع أنحاء العالم ،وتقدم للمشاهد وجهة نظر غير النظرة الانكلو - ساكسونية وبدأت البث باللغتين الفرنسية والإنكليزية ،ثم انطلق القسم العربي قبل أشهر من الموعد الزمني المعلن ودون إعداد جيد للانطلاقة ،ودون تأمين الفريق الاحترافي والمهني المطلوب، بولادة أشبه بالولادة القيصرية لمولود في الشهر السابع ،وذلك لعدم وجود عناصر النجاح الأساسية ،وا قتصار بثها على اربع ساعات يومياً من الرابعة بعد الظهر حتى الثامنة مساءً، تتخللها نشرات إخبارية كل نصف ساعة مدة الواحدة عشر دقائق وتستعيد مضمون النشرات باللغتين الفرنسية ،والانكليزية (استنساخ) ،وبذلك كان الفشل حليف المديرة الفرنسية السابقة للقسم العربي وفريق عملها (رغم خروجها من تجربة فاشلة مهنياً في مونت كارلو الدولية) لكن القناة تعاني، ورغم ما يقال عن النوايا الحسنة والحماس الفائق لدى مسؤوليها والعاملين فيها من ضعف الدراية، وانعدام التجربة المهنية . أما وجود فئة من المشاهدين في العالم العربي لتلك القناة يعود إلى رغبة المشاهد في متابعة ما ستقدمه فرنسا عبر فضائيتها إلا أنه صدم بالضعف العام مقارنة بفضائيات أخرى توفر لها الإدارة الجيدة والإمكانيات المطلوبة مما وضع القناة في آخر سلم القنوات الفضائية . ويمكن تحديد عوامل فشل وإخفاق قناة France 24 بقسمها العربي في تحقيق الأهداف المنشودة منها بالبنود التالية : انحسار الاستقلالية والموضوعية والمهنية على الأداء العام في الأخبار والبرامج وانخفاض مستوى التحرير والضعف اللغوي الواضح وبجلاء كما أن بروز اللهجات المحلية يتجلى وبوضوح وكأن إدارة القسم جازمة بأن كل من ينحدر من أصل عربي هو بالضرورة فرزدق زمانه. و يتضح من موقع القسم العربي للقناة علي شبكة الانترنت الأخطاء المهنية واللغوية . هذا الاخفاق دفع القناة للاستمرار للبث أربع ساعات يومياً منذ انطلاقتها عام 2006 وحتى الآن ، في حين انطلقت قناة بي بي سي العربية عام 2008 للبث 12 ساعة وتمكنت بالمهنية والموضوعية والاستقلالية من الوصول للبث على مدار الساعة ودخولها الفوري إلى حيز التنافس مع باقي الفضائيات الإخبارية إن لم نقل بأنها قد سبقتهم أو على الأقل على رأس طليعة القنوات الإخبارية (رغم أن المستوى المهني لفضائية بي بي سي العربي لم يكن بالمستوى الذي خبره الجمهور العربي عبر تاريخ هيئة الإذاعة البريطانية وقسمها العربي على مدار عقود من الزمن ، ويمكن القول أن الضعف اللغوي أحد أسباب تراجعها إلى جانب النقص في الإمكانيات المهنية والمالية، ومن المؤكد للمشاهد أن العمود الفقري للقناة برنامج في الصميم للإعلامي المتميز حسن معوض ، وكذلك البرنامج التفاعلي نقطة حوار). الاستنساخ الإخباري: حيث أن الصور التلفزيونية والتعليقات محددة سلفاً من قبل تقارير القسم الإخباري الفرنسي للقناة بما لا يمنح أسرة التحرير العربية هامشاً في بناء هوية خاصة للتقارير الإخبارية للقسم العربي مما دفع بالتالي إلى ظاهرة الاستنساخ في الصورة، وحتى في النصوص إلى جانب المحدودية المهنية ،وتتجلى هذه المسألة أيضاً في التقارير الأخبارية في قناة Euronews وشبه أحد رسامي الكاريكاتور هذه المسألة أي الاستنساخ ، بالنعجة دوللي . انعدام فن التقديم والإلقاء الإذاعي التلفزيوني في النشرات الإخبارية السياسية والإقتصادية . انعدام البرامج التفاعلية مع الجمهور. حصر تقديم وإعداد البرامج الأساسية للقناة بصحفي واحد دفع أن تكون البرامج بلون واحد إلى جانب ضعف الإعداد وانعدام المحاور وهيمنة الأسئلة الناعمة التي لا تعالج صلب موضوع الحوار. إن أغلب ضيوف البرامج الحوارية شخصيات مستهلكة من قبل الوسائل الإعلام العربية الأخرى وبالتالي فإن آراءها معروفة سلفاً لدى المشاهد الذي ينتظر الإصغاء إلى الرأي الفرنسي كما أن دعوة شخصيات عادية وغير متخصصة وتعريفها بصفات معينة على الشاشة بشكل مغاير للاعتبار الحقيقي للضيف المشارك كما أن تكرار دعوة ذات الشخصية في أكثر من برنامج وخلال أقل من أسبوع وفي مواضيع مختلفة كأنه مختص بكل شيء أضعف قضية المصداقية أمام المشاهد . كما سبق ونوهت إلى وجود معسكرين (مشارقة مغاربة ) في راديو مونت كارلو فإن العدوى أيضاً انتقلت بدورها إلى أروقة France24 ولم تقف المسألة عند هذا الحد بل تطورت لتصبح جنسيات عربية محددة مما حرم الفضائية الفرنسية من وجود تنوع في الكوادر والخبراء أيضاً وهذه المسألة المرضية أيضاً شهدها القسم العربي في قناة Euronews مما دفع الإدارة إلى تغيير إدارة القسم . نتيجة الضعف العام للقناة الفرنسية جاء موقعها الالكتروني مشابهاً لها في المضمون والإخراج . 5 فرنسا العالم...خارطة طريق لم أحاول فيما سبق رسم صورة قاتمة لواقع الإعلام الفرنسي الموجه للعالم العربي أو التقليل من شأن أي زميل في وسائل الإعلام المذكورة ،ولم أحاول تثبيط الهمم الفرنسية أمام استعراض خارطة الفضاء العربي المزدحم ، وإنما عملت على نقل الصورة الحقيقية والواقعية ، لتشخيص الحالة والتفكر والأمل في أداء أفضل لإعلام نرجوه واعداً وبناءاً وأعتقد هنا أنه ،ومع التحولات الجديدة في إعادة هيكلة شاملة لوسائل الإعلام الفرنسية السمعية البصرية الموجهة للخارج وقرار الحكومة بإنشاء المجموعة الفرنسية للإعلام السمعي البصري الخارجي التي تضم إذاعة فرنسا الدولية وقناة فرانس 24 الإخبارية وتلفريون TV5 في مؤسسة واحدة،وتحت إشراف مجلس إداري موحد، كما هو الشأن بالنسبة لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي فإنه يتوجب وللنهوض بالقسم العربي للإعلام الفرنسي الموجه للعالم العربي : وضع حد لعثرات الماضي وتلافي الأخطاء التي وردت سابقاً . توفير إدارة مهنية حازمة عادلة أن تكون المجموعة الإعلامية المرتقبة عبارة عن شبكة إعلام بالعربية متكاملة ( راديو تلفزيون انترنت ) ولتكن RFI ARABIC نظراً لتاريخ إذاعة فرنسا الدولية الكبير و بدلاً من فوضى الأسماء بين الإذاعة والتلفزيون الاستقلالية والموضوعية وعدم المحاباة السياسية في النشرات الإخبارية والبرامج . التركيز في البرامج الحوارية وبشكل خاص التلفزيونيةعلى دعوة مشاركين فرنسيين ومن شتى الاتجاهات والاختصاصات واعتماد الترجمة اللائقة والفورية والسليمة إلى العربية للمشاهد . استقطاب وجوه أو أصوات وطاقات مهنية جديدة. الاستفادة من التجارب المهنية المتراكمة في مونت كارلو الدولية لصالح تطوير القسم التحريري للتلفزيون حيث أن الإذاعة تمتلك العديد من الصحفيين المخضرمين ومنهم من له تجارب تلفزيونية متميزة أيضاً ويتوجب الإستفادة منهم في تطوير الأخبار وإطلاق برامج تلفزيونية وتفاعلية (إن أهم البرامج الحوارية والتفاعلية على قناة الجزيرة وبي بي سي العربية هم من الصحفيين المخضرمين ولهم تجربة طويلة في إذاعة بي بي سي ) . إنشاء معهد RFI للتدريب الإذاعي والتلفزيوني بالتعاون مع معهد الصحافة التابع ل Science Po والمعهد الفرنسي للصحافة التابع لجامعة باريس الثانية وذلك لتطوير الطاقات المهنية للصحفيين الجدد أطر وكوادر المستقبل للإعلام الفرنسي أو لدعم إعلام الدول النامية على منوال الفضائيات الناجحة والتي قطعت أشواطاً في هذا المضمار . إنشاء لجنة استشارية وذلك لتقديم تقرير شهري عن مستوى الأداء والملاحظات والمقترحات وهذه اللجنة يمكن أن تشكل من نادي الصحافة العربية في باريس (وهو مؤسسة فرنسية غير ربحية وللنفع العام) الذي يضم قرابة 70 صحفياً عربياً ومن جنسيات عربية متعددة منهم مجموعة من الصحفيين يمتلكون خبرة في العمل التلفزيوني . وإلى أن تتبلور صورة واضحة للإدارة الفرنسية الجديدة نتمنى أن نرى في أقرب فرصة إعلاماً حقيقياً يعكس الصورة الحضارية لفرنسا الفكر والثقافة والديمقراطية وحقوق الإنسان وأن يقدم هذا الإعلام المطلوب جسراً حقيقياً للتواصل بين فرنسا والعالم العربي وليكون الإعلام الفرنسي مناراً يشع من مدينة النور إلى أصقاع العالم . (1)كان التنافس الإعلامي مابين الحربين العالميتين الأولى والثانية على الجمهور العربي بين بريطانيا عبر بي سي وألمانيا النازية عبر إذاعة برلين العربية التي كان يشرف عليها وزير الإعلام الألماني غوبلز واشتهر يونس بحري (عراقي) بعبارته الافتتاحية "هنا برلين حي العرب".ثم اندلعت "حرب الأثير" وانطلق ماسمي "الجبهة الإذاعية" إذ كانت أسباب اشتعال حرب الأثير بين إنجلترا ودول المحور آنذاك ظهور محطة باري "Bari" سنة 1932 الإيطالية المشهورة باللغة العربية إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و جاء رد بريطانيا على هذه المحطة على شكل إنشاء خدمة إذاعية جديدة توجه للعالم العربي بالعربية في 3/1/ 1938 من دفنتري Daventry وفي عام 1943 بدأ الاتحاد السوفيتي برنامجه باللغة العربية، وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت دول أوروبا في التنافس على مخاطبة العالم العربي ثم بدأ راديو صوت أمريكا إذاعته المنتظمة باللغة العربية عام 1951. بينما كانت فرنسا تذيع بالعربية من راديو باريس منذ عام 1939. وفي هذه الفترة أنشأت بريطانيا إذاعة الشرق الأدنى كإذاعة دولية واتخذت لها مقراً في مدينة جنين في فلسطين في ديسمبر 1941 ثم انتقلت بعد خمسة أشهر إلى مدينة يافا ومنها إلى القدس حتى انتقلت بعد نكبة عام 1948 إلى قبرص وكان أيضاً لإذاعة "هنا القدس" منذ إنشائها في 30/3/1936 وكذلك الإذاعة المصرية التي كانت في 31/5/1934 في سلم اهتمامات المستمع العربي . (2) كان للإعلام المسموع الحظوة الأولى لدى الجمهور العربي وبشكل خاص خلال الحروب العربية الإسرائيلية الخمسة ( خلال حروب 1948 و1956 و1967 ) كانت بي بي سي العربية الإذاعة الأولى للجمهور العربي إلى جانب إذاعة صوت العرب التي تبث من القاهرة التي تم إنشائها في 4 يوليو 1953 إلى جانب الإنصات ولكن بحذر إلى إذاعة "كول يسرائيل صوت إسرائيل" والتي تأسست عام 1940 ودخلت مونت كارلو الشرق الأوسط حيز التنافس مع حرب(1973 وحرب 1982 ). *فهد الأرغا المصري إعلامي عربي سوري مقيم في باريس [email protected]