تعتبر الحياة الفكرية والعلمية مجالا للأخذ والعطاء، ومجالا للتنافس بين العلماء منذ عرفت الإنسانية الكتابة والدراسة وفن القول حتى ان أحد الباحثين أنجز مجلدا ضخما بعنوان (تحاسد العلماء) ولا اعتقد ان النقاش العلمي الهادئ يدخل في هذا السياق، ولكنه يدخل في إطار التقويم والتسديد وتبادل الأفكار بين أرباب القلم والفكر، وإذا كان الناس قديما يتبارون في المعارضات الفكرية والأدبية لإظهار البراعة والقدرة على الإبداع وعندما ينتقدون فذلك لإحقاق الحق ورد الأمور إلى نصابها غير أن هذا التقليد الذي يقبل الرأي والرأي الآخر وان كان مع بعض الحدة في بعض الأحيان أصبح اليوم مع وجود وسائل الإعلام مع ما تتمتع به من السرعة وذيوع الانتشار قد أقحم في الأمر ما ليس منه، وهذا ما حصل بالفعل في كثير من قضايا الفكر والثقافة وما عرفته من تعصب واندفاع هنا أو هناك ونعرض اليوم في حديث الجمعة واحدة من هذه القضايا التي لا تزال راهنة فكرا وان كان كلا طرفيها قد التحق بدار البقاء. الحياة الفكرية والعلمية في العالم الإسلامي عرفت تجاذبات كثيرة وكبيرة وخطيرة في نفس الوقت، وذلك على امتداد ما يزيد عن قرن ونصف من الزمان، ولقد تناول الباحثون والدارسون هذه التجاذبات والصراعات بأساليب مختلفة ومناهج متباينة كل حسب التوجه أو التيار الذي يسعى لمناصرته والدفاع عنه، وليس معنى ذلك انه لم تكتب في هذا الصدد كتابات جيدة يغلب عليها طابع النزوع نحو الموضوعية ومحاولة إعطاء نظرة تأخذ من كل التوجهات مسافة معينة، ولكن هذه الأبحاث التي على هذا النحو قليلة جدا وعلى أي حال فإن المتتبع يجد نفسه في كثير من الحالات أمام تراكم في الكتابة مع قلة المعلومات الدقيقة لأن النزوع الايديلوجي يؤثر بطريقة أو بأخرى في هذا الكم الهائل من الكتابات. ولاسيما وهذه الكتابات تم تحضيرها تحت تأثير الواقع الاستعماري مع ما يكتنف هذا الواقع من ملابسات، كما ان الاستشراق بكل أدواته استطاع أن يؤثر وأن يدفع بالبحث والتحليل في الاتجاه الذي وجد من أجله الاستشراق وهو توجيه الثقافة والفكر لخدمة النزعة الاستشراقية الاستعمارية التنصيرية وهذا أمر أصبح مؤكدا لدى الجميع مع بعض الاستثناءات طبعا. وإذا تأملنا ما عرفه الواقع الثقافي والعلمي في العالم العربي والذي كان له أثر في توجيه الأفكار والدراسات في العالم العربي نجد في البداية صراع جمال الدين الأفغاني مع من اسماهم بالدهرين أو (الطبيعيين) ثم مناقشة محمد عبده مع فرح انطوان مرورا بمناظرة جمال الدين مع (رينان) ومحمد عبده مع (هاينتوا)، لنصل بعد ذلك إلى حديثين مهمين أو إن شئت الدقة قلت انفجارين كبيرين لا يزال أثرهما مستمرا وملقيا بظلاله في الأبحاث والدراسات الأدبية والفكرية والعلمية في العالمين العربي والإسلامي، وهما صدور كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق وصدور كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين، هذان الأثران شقا صف أرباب الفكر والقلم وأرباب السياسة والحكم إلى شطرين، المحافظ والعصري أو رباب القديم والجديد. وهكذا اختار كل واحد مشربه والتوجه الذي يأخذه في حياته الأدبية والسياسية والفكرية. وأصبح الناس وقد اختاروا بين الاتجاهات المطروحة ما يناسب ليس الأذواق فقط ولكن المشارب الفكرية بل التوجهات العقدية، إذ خرج توجه ضد إبعاد الحكم عن الإسلام وتشعب القول في هذا الباب بين علمانية في بداية الطريق وإيمان بأن الإسلام دين ودولة وان الخلافة مطلوبة شرعا كما مارسها الخلفاء الراشدون، ومن بعدهم اعتمادا على ما جاء في القرآن والسنة، وصدرت في هذا الباب مؤلفات وكتب ونشرت مقالات وأبحاث وتطور الأمر إلى النحو الذي نعرفه اليوم في الصراع بين العلمانية والمؤمنين بضرورة ارتباط الحياة التشريعية والسياسية بعقيدة الأمة وشريعتها. ونحن في هذا السياق ينبغي أن نستحضر كذلك دور مصطفى كمال أتاتورك وإلغاء الخلافة العثمانية. وعلى أي ففي كل المعارك كانت سياسة أدبية كان القرآن في مقدمة ما يحرك المدافعين وما يحرك المسؤولين والباحثين عن التبريرات الفكرية والتاريخية لدعم توجهاتهم «العلمانية» حتى ان ألجأهم الأمر إلى الانفلات نحو القول ببشرية القرآن وتاريخانيته لذلك لا نستغرب إذا وجدنا أحد أبطال المعركة في بدايتها يكتب (تحت راية القرآن) »مصطفى صادق الرافعي« وينفجر الأمر بعد ذلك عندما نشر طه حسين كتابه الأخير »مستقبل الثقافة في مصر« الذي ينحو به نحو جعل مصر قطعة من ثقافة وحضارة البحر الأبيض المتوسط والتنكر للشرق والشرقيين إذ ينبغي في نظره ان تتنفس مصر تنفسا غربيا متوسطيا مهما كان ان شاءت ان تجد لها مكانا في التاريخ ومرة أخرى يتصدى الفريق الآخر لهذا الطرح بالنقد والاستبعاد، وفي مرحلة ثالثة ينفجر من جديد الوضع العلمي والفكري في الجامعة المصرية اثر تقديم «حلف الله لرسالته حول الفن القصصي في القرآن« وهكذا دواليك، فالقرآن والموقف منه ومن قدسيته وحماية هذه القدسية كانت دائما محور الصراعات الفكرية والنزاعات العلمية والإيديولوجية في العالم العربي. ولا داعي لمواصلة استعراض بعض المواقف التي تلت ولكن سنصل مباشرة إلى الهدف من هذا الحديث الذي نروم من خلاله الكلام عن حدث علمي وفكري كان له دوي ولا يزال في الحياة العلمية والفكرية بل والسياسية في العالم العربي ذلك هو التقرير الذي قدمه المرحوم الدكتور عبد الصبور شاهين حول كتابات المرحوم ناصر حامد أبو زيد. ولكن قبل مواصلة الكتابة يرد سؤال وأين الواقع الثقافي المغربي من كل هذا؟ لاشك ان المغرب عرف بعض الحالات التي احتدم فيها الصراع بين أنصار التحرر والسلفية وبعض العلماء الطرقيين ولكن الأمر لم يصل إلى حد التأثير على الحياة الفكرية في بلادنا ولا في غيرها من البلدان العربية لذلك فإن الحياة الفكرية عندنا في الواقع تبع لما يجري في الشرق ولما يجري في مصر بالذات ولا غرابة في ذلك إذ كل البلاد العربية تأثرت كما أسلفنا ولا تزال تجر أثر هذا التأثير. ولا أدل على ذلك من كون المثقفين والمتأدبين عندنا جعلوا من قضية نصر أبو زيد قضيتهم، ولا تزال الصحف تكتب منتصرة له ولأفكاره سواء من قرأ هذا الفكر وهو قلة ومن لم يقرأ ومن لا يعرف حتى أصل المشكل وما هو الأساس الذي قام عليه. لذلك رأيت أن وفاة الرجلين طرفي القضية عبد الصبور ونصر أبو زيد مناسبة لأعود بقراء حديث الجمعة إلى أصل المشكل ومنطلقه قبل ان يتشعب. لقد حمل الكثيرون عبد الصبور شاهين ما لحق بحامد نصر أبو زيد من محنة التطليق بدعوى الردة في حين ان عبد الصبور لا يد له في ذلك فهو كتب تقريرا علميا للكلية التي أحالت عليه أوراق أستاذ يريد أن يرقى في مهنة الأستاذية وضمن رأيه فيما عرض عليه من إنتاج علمي ثم قامت الدنيا ولم تقعد مما استدعى ان يعرض الأمر على مؤسسات أخرى لتعطي تقارير أوفى ولتستنتج ما تراه وما بنى عليه أصحاب الحسبة ادعاءهم لدى المحكمة وكان الحكم على النحو المعروف وإذا كان الأقدمون يقولون الحكم على الشيء فرع عن تصوره فإنني سأضع أهم ما في التقرير مع خلاصته أمام قارئ هذا الركن مع إمكان العودة للموضوع في حديث لاحق. تقرير عن إنتاج علمي يقول التقرير: تقدم السيد الدكتور نصر حامد أبو زيد _ الأستاذ المساعد بكلية الآداب، بجامعة القاهرة بإنتاجه العلمي للترقية إلى درجة أستاذ بقسم اللغة العربية، وجاء إنتاجه في شكلين: الأول: الكتب، وقدم منها كتابين: 1/ (الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية): نشر دار سينا للنشر_ القاهرة 1992م. 2/ (نقد الخطاب الديني): نشر دار الثقافة الجديدة_ القاهرة 1992 ميلادية. الثاني: البحوث والمقالات: 3/ (الكشف عن أقنعة الإرهاب): بحثا عن علمانية جديدة مجلة (أدب ونقد) القاهرة العدد55 يونيو 1990م. 4/(ثقافة التنمية وتنمية الثقافة) : مجلة القاهرة العدد 11 1990. 5/ (التراث بين الاستخدام النفعي والقراءة العلمية): مجلة(أدب ونقد) القاهرة العدد 79 مارس 1992. 6/(قراءات التراث في كتابات أحمد صادق سعد): ألقى في مؤتمر وتحت النشر. 7/ (إهدار السياق في تأويلات الخطاب الديني): ألقى في مؤتمر وتحت النشر. 8/ (المسكوت عنه في خطاب ابن عربي): مجلة الهلال مايو 1992. 9/ (مفهوم النص في العلوم الدينية): مجلة إبداع عدد 4،5 1991م. 10/ (التأويل في كتاب سيبويه): مجلة ألف للبلاغة المقارنة الجامعة الأمريكية العدد 8 1988م. 11/ (الإنسان الكامل في القرآن) (بالإنجليزية):مجلة جامعة أوساكا للدراسات الأجنبية باليابان ت العدد 71 سنة 1988م. 12/ (مقدمة ترجمة اليوشيدو روح اليابان): دائرة الشئون الثقافية العامة بغداد 1990م. 13/ (مركبة المجاز من يقودها؟ والى أين؟): مجلة ألف عدد 12 1992م. وقد لوحظ أن هذا الإنتاج لم يظهر منه في سوق الكتب سوى الكتاب الأول عن (الإمام الشافعي)، وأما الكتاب الثاني فما زال مشروعا ينتظر الظهور في السوق، وباقي البحوث والمقالات ظهرت في مجلات محدودة الانتشار، أو هي تحت النشر في هذه المجلات أيضا، وهي مجلات غير محكمة غالبا. ولعل لاختيار هذه المجلات لنشر هذه البحوث حكمة، هي تفادي رد الفعل عند القراء، لو ظهرت في مجلات رائجة واسعة الانتشار. وبذلك يعتبر الإنتاج إجمالا أشبه بالأعمال السرية التي لم ينشر أكثرها في دوريات علمية محكمة، ولا يجرؤ الباحث على نشر أفكاره في المجتمع الذي يرفضها ولاشك..بل وقد يحكم عليه حكما قاسيا كما يحكم على صاحبها. أما الرأي في هذه الأعمال فهو كما يلي: 1/ الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية: كتيب من مائة صفحة وعشر صفحات من القطع الصغير، ذو وزن خفيف علميا، والكتاب يدل على أن الباحث مُحْتَفٍ بالشافعي، ومضمونه تقريع له، وتنديد بمحاولة الشافعي التلفيقية إيجاد وسيط بين العقل والنقل، وقد انتصر الشافعي للنقل على حساب العقل، وانتصر للقبلية على حساب الإسلام، ويعود فيكرر ما قاله عن السقيفة في بحوث أخرى سابقة، وما جرى فيها من تدشين السيطرة القرشية على الإسلام والمسلمين، فالتاريخ الإسلامي كله مؤامرة حاكها الخلفاء من قريش. وهو »يتهم« الشافعي بالمغالطة حين قال: (لم أجد لرسول الله سنة ثابتة من جهة الاتصال خالفها الناس كلهم، ولكن قد أجد الناس مختلفين فيها: منهم من يقول بها: ومنهم من يقول بخلافها، فأما أن يكونوا مجتمعين على القول بخلافها فلم أجدها قط) .. وهي شهادة عظيمة من إمام عظيم هو واضع علم المصطلح. ولكن الشافعي في مقياس الباحث ملفق ومغالط، وكان يناضل من أجل القضاء على التعددية الفكرية والفقهية. ويقرر الباحث أخيرا النتيجة التي تكرر في بحوثه دائما: (آن أو أن المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر، لا من سلطة النصوص وحده، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورا قبل أن يجرفنا الطوفان). لم يحدد أبو زيد مفهوم هذا التحرر، ولا حدود هذه النصوص ذات الطابع الإيديولوجي الخاص؟ وماذا يريد للأمة بعد أن تلقى بالقران والسنة جانبا؟ كتاب مطبوع في مائتين وعشرين صفحة من القطع المتوسط، مصور، وغير متداول، والناشر دار الثقافة الجديدة. والكتاب يقع في مقدمة وثلاثة فصول، ويتضمن كل فصل مجموعة من البحوث وفي المقدمة يهجم الباحث على (الغيب) بأسلوب غريب، فيجعل العقل الغيبي غارقا في الخرافة والأسطورة، مع الغيب أساس الإيمان. وهو أيضا يقع في مغالطة خطيرة حين يقرر أن (العلمانية) ليست في جوهرها سوى التأويل الحقيقي، والفهم العلمي للدين، وليست ما يروج له المبطلون من أنها الإلحاد الذي يفصل الدين عن المجتمع والحياة.. يقول: (إن الخطاب الديني يخلط عن عمد، وبوعي ماكر خبيث بين فصل الدولة عن الكنيسة، أي: فصل السلطة السياسية عن الدين، وبين فصل الدين عن المجتمع والحياة) !! ولا أدري إن كان ذلك عن جهل بمفهوم العلمانية، أو هو يضاعف من خطورة هذا الاتجاه بتزييف المفاهيم !! وفي الفصل الأول من الكتاب يتصدى لنقد الخطاب الديني المعاصر بمناقشة قضية النص، وقضية الحاكمية، ويشتد نقده للأزهر وللدولة في مواجهة التطرف، وهو ينتصر بحماس شديد لرواية سليمان رشدي (آيات شيطانية) مع ما اشتهرت به من الفساد وهلوسة، وهو غالبا لم يقرأها، ولم يعرف ما حلفت به من نتن لا أدبي، وعفونة صادرة من أحشاء كافر مرتد، ومع ذلك يمضي في الخروج على معايير النقد الموضوعي، ويتجاهل أمانة الكتابة الفكرية، بل هو يسقطها حين يضع سليمان رشدي في موقع مشابه لموقف الكتاب نجيب محفوظ في (أولاد حارتنا). وهو ينعي على الخطاب الديني أن يرد كل شيء في العالم إلى علة أولى هي (الله)، ويرى أن ذلك إحلال ل (الله) في الواقع، ونفي لل (إنسان)، كما أنه إلغاء للقوانين الطبيعية والاجتماعية، ويميل إلى مقولة الفكر الغربي بأن الله خلق العالم ثم تركه يدور، كما أن صانع الساعة تركها تدور وحدها. وهو يدافع بحرارة عن (الماركسية) الفكر الغارب، ويبرئها من تهمة الإلحاد، بل ويقول بخطأ تأويل الماركسية بالإلحاد والمادية، ولعله يتصور أن ماركس كان مؤمنا روحي النزعة. (إن إخضاع الفكر والثقافة للسلطة الدينية السياسية يمتد أيضا إلى العمق التاريخي لمجتمعاتنا، لكن ذلك الإخضاع يتزامن في الحلقة العربية مع إقرار مبدأ السيادة القرشية، بعد إعطائه بعداً دينياً. ثم يقول : (لقد كان مسموحا في عصر النبوة بتعدد القراءات للنص الديني، وهي القراءات التي تتلاءم مع واقع التعدد القبلي واللغوي في الجزيرة العربية، وقد تم إلغاء ذلك التعدد لصالح القراءة القرشية، بواسطة عثمان بن عفان). ويقول : (ومن الضروري تأكيد أن الأساس الذب استند إليه مفهوم القرشية، سواء في بعده السلطوي الديني، أو في بعده الثقافي.. أساس عصبي عرقي، لا أساس ثقافي حضاري. وهذا كلام خطير لا يمكن قبوله إلا في مجال معين من الانتماء الإيديولوجي الذي يعمد إلى تشويه تاريخ القرآن نتيجة عدم فهم العلاقة بين القرآن والقراءات.. بل وقصداً إلى هذا التشويه، كأن المسلمين عرفوا في عهد النبوة (قرآنات) كثيرة، فوحدتها خيانة عثمان في قرآن واحد. والباحث في هذا المقال يكشف أيضا عن خلل في الاعتقاد، (إذ يرى أن الإلهي إذا تجلى في اللغة يكاد يكون بشريا، وأن الإلهي تجلى في القرآن (التنزيل) كما تجلى في المسيحية في صورة المسيح البشر ابن الإنسان). وهذا تصور غريب ومرفوض !! الخلاصة: بعد هذا التقرير الملم بالأعمال المعروضة للتقويم يخرج المقرر من جولته ودراسته بالخلاصة التالية: وخلاصة القول أن الباحث يدور في فلك مفهومين لا ثالث لهما. هما: التراث والتأويل، وهما في الواقع تخصصه الدقيق، فإحدى رسالتيه كانت عن الاتجاه العقلي في التفسير (دراسة في قضية المجاز في القرآن عن المعتزلة)، والأخرى عن (فلسفة التأويل: دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي).. وكل ما كتبه تقريبا يحتاج من روح هاتين الرسالتين. وطابع الإنتاج قريب من علم الكلام، والعقيدة، مع تحكيم النظرة المادية المنكرة لحقائقهما الجاحدة لمعطياتهما ، فلم يخرج الباحث عن الإطار الذي وضع داخله رسالتيه للماجستير والدكتوراه، في العناوين أو في الموضوعات. ولما كان مذهب الباحث مرفوضا على مستوى القراء، أو مستوى المتخصصين في الثقافة الإسلامية فإنه لم ينشر أعماله إلا في مجلات محدودة الانتشار، وغير محكمة أحيانا، مخافة رد الفعل الذي يتوقعه قطعا. والكتاب الذي قدمه مطبوعا، قدم إلى اللجنة في شكل تجربة [بروفة] حصل بها على رقم إيداع في دار الكتاب، ثم أحجم عن دفعة إلى السوق، لما يتضمنه من مفاهيم مرفوضة على كل مستوى. والرأي في أعماله المقدمة: 1/ كتابه عن ( الإمام الشافعي) خفيف الوزن علميا، لا يُقَوَّمُ به الباحث مع ما سبق أن سجلناه من آراء منحرفة لا تليق أن تنشر عن الإمام العظيم. 2/ الأعمال من 2 _ 9 تعتبر عملا واحداً لوحدة الاتجاه، وبصرف النظر عن محتواها.. فأما المحتوى فالري فيه أن خليط من فكر وأيدلوجية، ونقد، وتطرف، وجدلية، وبذلك تاهت هوية الباحث، فلم يظهر توجهه في إطار مواد اللغة العربية، أو الثقافة الإسلامية. 3/ والعملان 10و 13 بحثان مقبولان يحسبان عملا واحدا، نظرا إلى ضآلة حجم كل منهما. 4/ والعملان 11 و 12 نوع من النشاط الثقافي. وبذلك نرى أن الأعمال التي تقدم بها السيد الدكتور نصر حامد أبو زيد تحتاج إلى إعادة نظر وتنقية، كما تحتاج إلى إضافة جديدة، تتصل اتصالا كاملا بمواد الدراسة التي تدرس في قسم اللغة العربية بكلية الآداب. فالإنتاج المقدم لا يرقى إلى درجة أستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة. والله ولي التوفيق. هذا هو أهم ما في التقرير لأن الأعمال الأخرى التي عرضت على المقرر في موضوع الترقية لم يتناولها بالتحليل الوافي كما هو واضح في الخلاصة التي أمامنا. وعندما تناولت الصحافة الموضوع وتدخل الأزهر وغيره من المؤسسات أخذ الأمر منحى آخر ولعل ما كتبه محمد جلال كشك أقوى وأعنف وأخطر ما في موضوع أبي زيد تهجمه على الشافعي، ومن خلال ذلك المس بقدسية النص الديني وليس فهم هذا النص. وللحديث بقية.