مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدل الدين والسياسة في العالم
نشر في العلم يوم 26 - 03 - 2010

بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف، نظم حزب الاستقلال بصفرو نشاطا ثقافيا أطره الأستاذ محمد السوسي عضو اللجنة التنفيذية للحزب بإلقاء محاضرة تحت عنوان «جدل الدين والسياسة في العالم» وذلك يوم الأحد 14 مارس 2010 بقاعة الندوات ببلدية صفرو.
وقد حضر إلى جانبه الأخ عبد اللطيف معزوز وزير التجارة الخارجية ورئيس بلدية صفرو الذي رحب بالأخ محمد السوسي وبباقي المناضلين والحضور، وشكره على مبادرته التلقائية الهادفة إلى التواصل مع أبناء المدينة والإقليم في إطار الاحتفال بعيد المولد النبوي ، وبمناسبة الذكرى المائوية لميلاد علال الفاسي، وانعقاد المجلس الجهوي لفاس بولمان.
كما حضر هذا النشاط الثقافي الأخ محمد مجراوة المفتش الإقليمي للحزب والأخ لحسن رفيع نائب رئيس جهة فاس بولمان والأخ عبد العزيز شملال الكاتب الإقليمي والأخ زكي بريطل كاتب الفرع.
وقد استهل الأخ محمد السوسي محاضرته التي كانت مرتجلة بقوله:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
الأخ السيد الرئيس، و وزير التجارة الخارجية وعضو اللجنة المركزية لحزب الاستقلال، الإخوة البرلمانيين السادة النواب والمستشارين، السادة الرؤساء الإخوة مسؤولي فروع الحزب، الإخوة مفتشي الحزب السادة والسيدات الحضور الكريم، يقول الله سبحانه وتعالى: »أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن«. وبعد،
عيد المولد والشمائل المحمدية
أنا جد سعيد لأحضر مع الإخوة في مدينة صفرو والإخوة في ضواحي هذه المدينة، هذا اليوم المبارك الذي نلتقي فيه بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف، الذي هو عيد من أعياد المسلمين في كل العالم الإسلامي ابتكره المسلمون وسنوه احتفاء بمولد الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم وكان في مقدمة من ابتكر هذه السنة الحميدة الحسنة المسلمون المغاربة، لتوعية المسلمين وأبناء المسلمين بسيرة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، حتى لا يتهافت أبناء المسلمين والمسلمون على المواسم الدينية والحفلات الدينية التي يقيمها غير المسلمين ولا بأس في هذه المناسبة للإشارة إلى أن أحد العلماء في مدينة سبتة المغربية عجل الله بتحريرها، لما رأى أبناء المسلمين والمسلمين يهتمون بما يقوم به النصارى في عيد ميلاد المسيح فكر في أمر أنه يحول دون تأثير هذه العادة وعلى الناشئة فينزلقون إلى عادات وتقاليد وربما عقائد من شأنها ان تؤثر على سلامة عقائدهم، صار يطلب من المعلمين في الكتاتيب ان يجعلوا من يوم المولد يوم عطلة وتنبيه التلاميذ والأطفال إلى ذلك صرفا لهم عن تقليد النصارى في حفلاتهم وترسيخ محبة الرسول وأخلاقه وشمائله في نفوسهم ولذلك فإن الذين يتنكرون بل يُبَدِّعون هذه المناسبة لم يدركوا أهمية العيد والذكرى في تقوية أواصر المحبة والتعلق بالرسول الذي جاء لإنقاذ البشرية ووضعها في المحجة البيضاء محجة الفطرة التي ليلها كنهارها ولا يزيغ عنها إلا هالك.
تأييد وثيقة التعادلية
لذلك أنا سعيد لألتقي معكم مرة أخرى وعندما دخلت للقاعة قلت للأخ الرئيس منذ 47 سنة في 11 يناير 63 وقفت في هذه القاعة لأخاطب الإخوة المناضلين في مدينة صفرو ونواحيها بمناسبة 11 يناير باسم حزب الاستقلال، وحزب الاستقلال في ذلك اليوم قدم إلى جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه وثيقة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية، وقد اتخذنا في هذه القاعة بإجماع الحاضرين قرار مساندة الوثيقة ورفع برقية بهذا المعنى إلى الديوان الملكي. ومنذ ذلك التاريخ استمرت علاقتي بالمدينة وبنواحيها بتقديم دروس وعظية بمساجد المدينة وتقديم محاضرات في هذه القاعة وفي غيرها وأتذكر أنه منذ 30 سنة كان لنا لقاء في سينما (المغرب العربي) بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف كذلك، كان الموضوع هو قول الله تعالى »الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس، إن الله سميع بصير، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم والى الله ترجع الأمور، يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون«.
كان موضوع المحاضرة تحليل معاني هذه الآية في سينما (المغرب العربي) منذ 30 سنة وبمناسبة عيد المولد النبوي الشريف كما قلت.
لماذا جدال الدين والسياسة
وها نحن اليوم نلتقي بنفس المناسبة في موضوع، هو موضوع يتعلق بالجدل الحاصل بين الدين والسياسة في العالم، وقد اخترته بعد ما عرض علي إخوة في مكتب الفرع، العناوين والأفكار التي يودون الحديث حولها، إذ كان من المقترح أن تكون الجهوية موضوع الحديث وبما أن الجهوية سنتحدث فيها في المساء في الاجتماع الجهوي لحزب الاستقلال وما دامت المناسبة مناسبة دينية و ما دام ورد عندهم الدين والسياسة فقد اخترت أن أتناولهما وأن أضيف كلمة أخرى هي كلمة جدل بين الدين والسياسة.
إذن فعندنا ثلاث كلمات، عندنا الدين وعندنا السياسة وعندنا العلاقة، الجدل هو العلاقة بينهما، ومن طبيعة الحال فالدين هو ما نتعبد به لله سبحانه وتعالى، إن الدين عند الله الإسلام، فكل ما يتعبد به الله سبحانه يسمى دينا، ولكن هناك دين سماوي، أي بعث الله سبحانه وتعالى رسلا ليبلغوه للناس ولذلك يسمى دينا سماويا في هذه الحالة عالميا توجد ثلاث أديان سماوية هي اليهودية والنصرانية والإسلام.
ولكن عندما نفكر بعمق نجد أن الكل يرجع إلى الإسلام أن الدين عند الله الإسلام كما جاء في القرآن وكما جاء فيه أيضا (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) الآية فالكل إذن يرجع إلى أن كل الديانات السماوية تجمع على أمور ثلاثة هي الأيمان بالله والأيمان بالنبوات، والإيمان بالبعث والجزاء هذه الأمور الثلاثة نجدها لدى جميع الديانات السماوية.
ولكن بجانب هذه الديانات الثلاث توجد أديان أخرى تسمى أديانا وضعية يتعبد بها بعض الناس وهي تؤثر في مشاعرهم وفي مواقفهم الدينية والسياسية ولا يمكن تجاهلها عندما نتحدث عن الجدل بين الدين والسياسة على مستوى العالم نظرا لتشابك المصالح وتبادل المنافع والعلاقات بين الناس لذلك اجتهد علماء الاجتماع وبالأخص علماء علم الاجتماع الديني لوضع تعريف للدين يدخل في إطاره وفي سياقه كل ما يتعبد به الإنسان فيرى احدهم ان الدين هو مجموعة متماسكة من العقائد والعبادات المتصلة بالأشياء المقدسة مميزة وناهية بحيث تؤلف هذه المجموعة في وحدة دينية متصلة كل من يومن بها«.
وهذا التعريف للدين الذي يجمع ما هو سماوي وما هو وضعي يكاد يكون هو نفس التعريف لدى أبي البقاء في الكليات حيث يعرف الدين قائلا: الدين بالكسر في اللغة العادة مطلقا وهو أوسع مجالا يطلق على الحق والباطل أيضا، ويشمل أصول الشرائع وفروعها لأنه عبارة عن (وضع إلهي) سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخير بالذات قلبيا كان أو قالبا كالاعتقاد والعلم والصلاة.
ونحن المسلمين على كلا التعريفين تجمعنا مجموعة متماسكة من العقائد والعبادات التي نتقرب بها إلى الله ومن ثم فنحن وحدة متماسكة وهذا بصدق كذلك على غير المسلمين.
السياسة سياسات
اما الكلمة الثانية التي عندنا فهي السياسة
لقد أصبحت هذه الكلمة متداولة بين الناس بشكل كبير، ورغم التداول فإن الناس اختلفوا وتباين مفهوم السياسة عندهم ليس لدى العوام من الناس فقط ولكن حتى بالنسبة للمختصين الذين أصبح بينهم لهذه المفردة علم خاص هو علم السياسة، ولاشك ان هذه الكلمة أصابها رغم ابتكار هذا «العلم» الذي يختص بالسياسة وفنونها نوع من الابتذال وعدم الاحترام لدى كثير من الناس فالناس يرون من تصرفات وسلوكات من يحسبون على العمل السياسي ما نفرهم وينفرهم من هذه الكلمة حتى روى عن أحد زعماء التجديد الفكري محمد عبده القولة المشهورة (لعن الله السياسة والسياسيين والمادة وما تصرف منها) ولاشك ان هذا الرجل المجدد لم يقصد في هذا السياسة بالمعنى الذي نريده وهو المعنى النبيل، فنحن لا نريد ان نجعل السياسة بالمعنى المبتذل في مواجهة الدين ومقابلته، وإنما نريد بالسياسة هنا هو ما يتعلق بتدبير الشأن العام وتدبير شؤون الناس، ولا بأس هنا ان نستعرض بعض الأفكار عند العلماء المهتمين بالموضوع الذين يقسمون السياسة إلى ثلاثة أقسام أو يجعلونها ثلاثة أصناف باعتبار المظاهر التي تظهر بها الكلمة فهي تعني:
أ - الإدارة أي إدارة شؤون الدولة أو المجتمع أو إدارة شؤون مؤسسة من المؤسسات اقتصادية أو اجتماعية، وهي التي تهتم بكيفية رعاية مصالح الأمة ومصالح الدولة والمجتمع بكيفية تجعل التدبير محكما وقويا.
ب - ومنها أيضا ما يعتبر:
استراتيجيا: وهي الأسلوب الذي يضع به حزب معين أو جماعة معينة المشروعات الفكرية أو الاجتماعية التي ينوون إدارة شؤون المجتمع على أساسها أي بواسطتها يبينون للناس ما يريدون فعله في المستقبل فهذه سياسة حزب أو جماعة أو إستراتيجيتها ومنهجهما في العمل.
ج - اما القسم الثالث: فهو السياسة التي لم يتورع أحد علماء السياسة يوصفها أو تعريفها بالدسيسة، ويقصد بذلك سياسة المراوغة أو ما يسمى اليوم بالسياسة السياسوية أو ما يعبر عنها بأنها السياسة التي تكذب على التآس والمبنية على ان الغاية تبرر الوسيلة أو ما يطلق عليه المكياقلية في السياسة وهذا لا نقصده عند الحديث في الموضوع وبالنسبة للعلماء المسلمين فالسياسة عندهم نوعان سياسة مدنية تلتقي فيها أفكار المسلمين مع أفكار غيرهم من الحكماء والفلاسفة وهي ما أصبح يطلق عليه اليوم الفلسفة السياسية وأما الفلسفة الشرعية فهي التي تستهدف تحقيق المصالح العامة للأمة وفق أحكام الشرع حتى بالنسبة للأمور التي لم يرد فيها نص او فيها نص ولكن يحتاج إلى استخراج المناط أو تحقيقه كما يعبر الأصوليون ولذلك نجد ابن تيمية وغيره من العلماء يؤلفون في السياسة الشرعية كما ألف أحد العلماء المغاربة كتابا بعنوان: (الشعب اللامعة في السياسة النافعة) لذلك فنحن نتحدث هنا عن السياسة النافعة لا السياسة المضلة للناس والتي تذهب بهم مذاهب شتى في الكذب والمراوغة والتضليل أي أننا نتحدث عن السياسة بمعنى تدبير الشأن العام.
ما يقصده بالحديث عن السياسة
والعلم الذي يتناول السياسة هو ما عبر عنه أحد الباحثين حين قال:
دراسة الدولة وأهدافها والمؤسسات التي تسمح بتحقيق هذه الأهداف والعلاقات القائمة بينها وبين أفرادها الأعضاء والعلاقة القائمة بينها وبين بقية الدول وما اعتقده الناس وكتبوه وقالوه عن هذه المواضيع.
عندما نتحدث عن السياسة هنا، نتحدث عن أمر يتعلق بتدبير الشأن العام وإدارة من مجتمع ما أو مؤسسة ما فيما يتعلق بتسييرها الإداري فيما يتعلق بالتسيير الاجتماعي والاقتصادي وكل ما له علاقة بتدبير أمر هذه المؤسسة أو هذه الجماعة أو هذا المجتمع بمعنى أن السياسة هنا لا تعني كلام متعلق بالمسائل التي نستعملها فيما بيننا، السياسة، بمعنى الكياسة كذلك، السياسة كياسة، أي المعاملة بالتي هي أحسن والدخول مع الناس بكلام لبق بكلام لين وبكلام يرضونه ويتقبلونه ولو لم يكونوا متفقين معك فيه، لأن الإنسان قد يقبل منك الكلام ولكنه ليس معك فيه وليس مساندا لك فيه، لكن بأسلوبك اللبق وبطريقة تقديم الكلام هو قد يقبل هذا الكلام.
إذن نحن نتكلم عن السياسة بمعناها تدبير الشأن العام، هذا هو الموضوع الذي نتحدث فيه.
الجدل أو الحوار أساس دعوات الأنبياء
أما الجدل فهو الحوار، عندما يقول القرآن الكريم، أدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وفي آية أخرى: »قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير« فهذا الجدال والنقاش الذي كان بين هذه السيدة التي جاءت تشتكي زوجها لي الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فالله اعتبر هذا التشكي وهذا الجدال هو حوار بينها وبين الرسول عليه السلام، ولا نقصد بالجدل الجدال الفلسفي الذي يتبناه بعض الفلاسفة أو بعض المذاهب الاقتصادية والاجتماعية والمبنى على الأسس الثلاثة المعروفة عندهم الأطروحة والنفي ونفي النفي فهذا موضوع له مكانه الخاص في النقاش والجدال الفلسفي وإنما نريد نحن في هذا الحديث ان نتحدث عن العلاقة الحوارية الموجودة بين الدين والسياسة بمعنى الحوار بين أهل الدين وأهل السلطة أو أرباب السلطة وتدبير الشأن العام. ومن طبيعة الحال منذ وجد الذين وجد بجانبه من يدبر الأمر أو كان أهل الدين أنفسهم يدبرون الأمر والدين من طبيعة الحال هو أصل في وجود الحضارات وأصل في وجود المجتمعات وأصل في وجود العلاقات بين الناس لأن الدين هو الفطرة، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، فمنذ اوجد الله سبحانه وتعالى الإنسان، أوجده وقد فطره على أن يعبده.
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، أي يوحدونه فأصل الخلق، والعلة في خلق الجن والإنس هو أن يتوجه الجميع بالعبادة لله سبحانه وتعالى، وأن لا يعبدوا أحدا سواه، هذا معنى ما نشهد به ونقوله عندما نقول لا إله إلا الله محمد رسول الله أي ليس هناك من يستحق أن يكون معبودا إلا الله، وهذا مصدره قوله تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين فهذا معناه ولكن بجانب ذلك فان كل رسول بعثه الله سبحانه وتعالى، وجد في قومه من يناقشه ومن يجادله ويحاوره، ومن يقبل الدين ومن يرفضه هذه سنة الله في خلقه.
بين منطق الدعوة ومنطق الجحود
وهكذا نرى انه منذ كانت الخليقة وهذا منذ آدم وإبليس في الجنة، ومنذ نوح عليه السلام مع قومه، كما قال القرآن (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما)، فمنهم من اهتدى وهو قليل، ومنهم من بقي على جداله وكفره، وكذلك بالنسبة لإبراهيم عليه السلام، فقد حاول مع قومه وعلى رأسهم النمرود صاحب السلطة وحاول بكل الوسائل وبكل إقناع والتجأ في الأخير إلى تكسير الأصنام ولكن كان ردهم، قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين، قلنا يا نار كوني بردا سلاما على إبراهيم، وإذ كان منطق الطغيان ومنطق الكفر ان يحرق إبراهيم عليه السلام فان الله سبحانه وتعالى، قال للنار كوني بردا وسلاما على إبراهيم، ولما جاء موسى عليه السلام وجد نفس الصدود ونفس الرفض من فرعون مصر الذي كان يستعبد قومه وبني إسرائيل ولكن الله سبحانه وتعالى نجى موسى وقومه وأغرق فرعون وانتصرت دعوة الإيمان في تلك المرحلة والتجأ فرعون إلى الإيمان قال آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وانا من المسلمين قال القرآن الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين والملاحظ في كل الدعوات انها كانت بالتي هي أحسن وبالإقناع والحجة وان العنف لم تعرفه الدعوات الدينية الا في حالات نادرة وهي حالات رد الفعل، ولكن بعد ذلك جاءت رسالة محمد صلوات الله وسلامه عليه إلى قومه ونحن نعرف جميعا ماذا كان يلقاه من صدود وماذا كان يلقاه من رفض ومن نقاش ومن جدل ففي القرآن كثير من الأسئلة التي طرحها المشركون وطرحها أهل الكتاب من يهود ونصارى بعد ذلك في المدينة وكل هذه الأسئلة يجيب عنها القرآن الكريم وبين وجه الصواب فيها ووجه الحق، ويبين ما إذا كانت نواياهم حسنة أو إذا كانت نواياهم سيئة ولكن في جميع الحالات الرسول كان يتلقى الوحي ويجاب بما ينبغي أن يجاب به.
قصص الأنبياء هي قصص
الحوار الدائم
اننا أيها الإخوة والأخوات
عندما نفتح المصحف ونقرأ القرآن نجد ما نعبر عنه أو ما يعبر عنه عند الناس بقصص الأنبياء، أي كيف كان الرسل وكيف كان الأنبياء يواجهون أقوامهم وكيف كانت دعوتهم وما هو نوع الجدال والحوار والنقاش الذي يحصل بين الأنبياء وبين الرسل وكيف كان الأمر ينتهي إلى الإقناع أو كيف كان الأمر ينتهي إلى عدم الإقناع وعدم الإيمان لأن من كتب له وسبق له في علم الله أن يؤمن فهو سيؤمن ومن كتب له وسبق له في علم الله أن لم يؤمن فلن يؤمن ولكن يبقى الجدال والنقاش دائرا بين الإيمان وبين غيره.
ولكن الملاحظة التي نخرج بها من قراءة هذا القصص القرآني العظيم هو أنه رغم ما يلقاه الرسل من الصد والعنث فقد كان التوجيه الرباني لهم باستمرار هو الخطاب بالتي هي أحسن ونجد ان فرعون في قمة غطرسته كان التوجيه الرباني هو (إذهبا الى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) ومع الكفر والمحاربة فإن القرآن يصف أقوام الأنبياء بالأخوة بينهم وبين الرسول فقال (وإلى مَديَنَ أخاهم شعيبا) (والى ثمود أخاهم صالحا) إن التعبير بهذا الأسلوب والإبقاء على هذه الأخوة رغم الصد والجحود يعني الالتزام بالحوار والمجادلة بالتي هي أحسن.
الاختلاف طبيعة الحياة الإنسانية
ان استعمال كلمة الأخوة بين الرسل وأقوامهم والأمر بالدعوة باللين والحسنى ينبع مما هو مطلوب من الدين وهو بعث الطمأنينة والسلام في النفوس لأن الله الذي خلق الخلق يعلم أنه رغم المنشأ الواحد فالخلاف والنكران مما يسر له بعضَ الناس (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)
فلم يكن مطلوبا أن يتوحد الناس جميعا حول عقيدة واحدة أو حول دين واحد وأمام رسول معين، هذا لم يكن واردا في أي رسالة من الرسالات ولذلك كان الخلاف دائما ينشأ بينهم هذا ما اقره القرآن (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )، (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ولكن بعد هده البعثات الإلاهية إلى الإنسانية لكي تعبده وتتوجه في الطريق المستقيم ليلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فعندما تقام الحجة على الناس بأن جاءتهم رسالة سماوية وجاءهم الأمر من عند الله سبحانه وتعالى فالناس أنداك تزول الحجة (لولا أرسلت إلينا رسول فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) فهذه الحجج التي يتقدم بها الإنسان وهي نوع الجدال التي يتقدم بها الإنسان وهو أنه اغفل دون ان لا ينبه ودون ان يرسل إليه أنزلت عن طريق الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله تعالى سبحانه وتعالى.
الدين حاجة نفسية وفطرية
فالدين كما قلنا في البداية هو لتلبية الشيء الفطري في الإنسان من فطرته ومن أشواقه الروحية فالإنسان يتشوق إلى ان يعيش لحظات روحيه يحس فيها انه مرتبط بالملأ الأعلى وبالملكوت الأسمى وهذه لا يمنحها إلا العقيدة الدينية وإلا الدين فلذلك عندما تقرا التاريخ ونبحث في صفحاته نجد ان أول ما يبنى في أي مدينة أو في أي قرية تاريخيا قديما حتى في الأحقاب الساحقة للتاريخ تاريخ الحضارات هو المعابد فالآن الإنسان يكتشف المعابد الكشوفات التاريخية يكتشف النصوص الدينية المكتوبة سواء كانت نصوصا موحى بها أو نصوصا غير موحى بها لكن ينبغي ان تتفطن هنا انه هناك ديانات نعتبرها ديانات وضعية بمعنى بشرية أي لم يعرف لها كتاب سماوي ولكن عندما يتم دراسة النصوص ومقابلة تلك النصوص مع النصوص الموثوقة أو التي جاءت بها الرسل نجد علاقة بين تلك النصوص بكيفية من الكيفيات مع بعض النصوص المعروفة نحن في هذا الموضوع ليس عندنا مشكل باعتبارنا مسلمين لان القرآن يقول منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك أي الرسل الذين بعثهم الله سبحانه وتعالى، منهم من قص علينا القرآن قصته وصراعه وجداله مع قومه ومنهم من لم يقصص علينا ولذلك عندما سأل المسلمون الرسول عليه السلام كيف يعاملون الماجوس وكانوا آنذاك على ديانة زدراديش كانوا وديانة ماني قال لهم عاملوهم معاملة أهل الكتاب، أي معاملة كما يعامل اليهود والنصارى، الذين عندهم كتاب سماوي، معروف رغم ما لحقه من تحريف وتبديل، هذا الموضوع ليس موضوعنا الآن، الذي نناقشه، القرآن قال يحرفون الكلم عن مواضعه، اقر بأنهم يحرفونه إذن التاريخ الإنساني كله مبني على ان هناك عبادة، وانه لابد ان يتجه الإنسان إلى ركن ركين، وهو الله سبحانه وتعالى، هذا الشيء طبيعي نحن اليوم نعيش هذا الجو الروحاني الذي هو جو ذكرى مولد الرسول صلوات الله وسلامه عليه ولكن ماذا يجري حولنا في الدنيا؟ ما هو الحاصل؟ ما هي التطورات الحاصلة في العلاقة بين الدين والسياسة؟ ما هو نوع العلاقة أي الجدل؟
في القسم الثاني من هذا الحديث نحاول الإجابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.