بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف، نظم حزب الاستقلال بصفرو نشاطا ثقافيا أطره الأستاذ محمد السوسي عضو اللجنة التنفيذية للحزب بإلقاء محاضرة تحت عنوان «جدل الدين والسياسة في العالم» وذلك يوم الأحد 14 مارس 2010 بقاعة الندوات ببلدية صفرو. وقد حضر إلى جانبه الأخ عبد اللطيف معزوز وزير التجارة الخارجية ورئيس بلدية صفرو الذي رحب بالأخ محمد السوسي وبباقي المناضلين والحضور، وشكره على مبادرته التلقائية الهادفة إلى التواصل مع أبناء المدينة والإقليم في إطار الاحتفال بعيد المولد النبوي، وبمناسبة الذكرى المائوية لميلاد علال الفاسي، وانعقاد المجلس الجهوي لفاس بولمان. كما حضر هذا النشاط الثقافي الأخ محمد مجراوة المفتش الإقليمي للحزب والأخ لحسن رفيع نائب رئيس جهة فاس بولمان والأخ عبد العزيز شملال الكاتب الإقليمي والأخ زكي بريطل كاتب الفرع. وقد نشرنا في الحديث الماضي القسم الثاني من العرض وفيما يلي القسم الثالث والأخير: في القسم الثاني من هذا العرض انتهينا إلى ما كتبه أحد الباحثين الاجتماعيين (خوسيه كازانوفا) في كتابه القيم «الأديان العامة في العالم الحديث» ترجمه فريق من الأساتذة ونشر المنظمة العربية للترجمة والتي أكد فيه على تأثير أربع أحداث على التطور الذي حصل في نمو الشعور الديني في العالم وهي الثورة الإيرانية _ والمحافظون الجدد في أمريكا وتأثير اللاهوت الكاثوليكي في أمريكا اللاتينية وانتصار نقابة التضامن. مؤتمرات نمو الشعور الديني وهذه الأحداث جاء بعدها أحداث أخرى في العقد الثامن من القرن الماضي ونواصل اليوم الكلام حيث انتهينا من العرض الذي نحن بصدده فإذا كانت هذه الأحداث أثرت بصفة عامة في العالم فإنه ينبغي كذلك أن نشير إلى ما أحدثته حرب أكتوبر 1973 من اثر في نفوس العرب والمسلمين الذين أصيبوا بالإحباط في انهزام العرب عام 1967 هذا الانهزام الذي اختلف الناس حوله واعتبره الكثير من الدعاة عقابا من الله للأمة التي ابتعدت عن الدين كما اعتبره البعض الآخر نتيجة للفكر الغيسي المسيطر وانعدام العقلانية لدى العرب والمسلمين وأيا ما كان فإن انتصار أكتوبر الذي كانت انطلاقته بالتكبير والتهليل ومجيئ الشيخ عبد الحليم محمود إلى مشيخة الأزهر وانبعاث فكرة تقنين الشريعة ووضع دستور إسلامي وخروج معتقلي الحركة الإسلامية من السجن وظهور ضياء الحق في الباكستان ومزايدة التمييزي من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية والثورة الإسلامية في أفغانستان ضد الوجود السوفياتي وانضمام الكثير من أبناء العالم الإسلامي لهؤلاء المجاهدين دفاعا عن الإسلام في وجه النظام الشيوعي المعادي للدين واحتلال الحرم المكي من طرف جماعة متطرفة واغتيال الرئيس السادات من طرف جماعة متطرفة في مصر. وما نتج عن تفكك الاتحاد السوفياتي وتحرير الجمهوريات الإسلامية التابعة له والتنافس الحاصل بين الحركات الإسلامية وتحركات (البابا) في العالم. كما كان لبداية القرن الخامس عشر الهجري اثر في العالم الإسلامي حيث وجه الملوك والرؤساء المسلمون إلى شعوبهم بهذه المناسبة واعتبروا أن بداية القرن يجب أن تكون بداية جديدة لانبعاث إسلامي جديد وتطوير العمل الإسلامي داخل منظمة المؤتمر الإسلامي لتسهيل الوحدة بين المسلمين. تطلع المسلمين الى التحرر وفوبيا الإسلام كما تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الجمهوريات الإسلامية التي كانت موجودة في الاتحاد السوفياتي، أصبحت في صراع مع روسيا كما يحصل في الشيشان وفي داغستان وفي غيرها، هذا كله سيكون له أثر في العالم الإسلامي، ثم بعد ذلك تفكك الاتحاد اليوغزلافي، وظهور دولة البوسنة والهرسك والتفاف المسلمين حولها للدفاع عنها، وعمل الغرب ضد وجود دولة مسلمة في أوربا، وهذا ما روي عن فرانسوا ميتران نفسه، الذي هو رجل اشتراكي، لكن يرفض أن توجد دولة مسلمة أو إسلامية في أوربا، هذا كله وما يحصل في فلسطين، بالنسبة للعالم الإسلامي أفضى إلى ما عرف ب أحداث 9/11/2001، أي الضربة التي وجهت للمركز التجاري الأمريكي في نيويورك والذي حسب على حركة (بن لادن) والذي صرح انه يتبناها، وبعض المؤرخين يقولون ان هذا مشكوك فيه ولكن المهم حدث ما حدث وتحمل المسلمون شاءوا ام أبوا تبعاته ثم الأحداث بعد ذلك معروفة وهي احتلال أفغانستان واحتلال العراق وحالة التوجس في الغرب وأمريكا من الإسلام والمسلمين إذ يرون في كل مسلم مشروع إرهابي ان لم يكن إرهابيا بالفعل في نظرهم كما أنهم خلقوا حتى قبل حدوث ما حدث في أمريكا عدوا وهميا هو الإسلام والعالم الإسلامي وهو ما عبر عنه الباحثون والمؤرخون بمرض (فوبيا الإسلام) ولا نريد هنا أن نتوسع في الموضوع ولاسيما ان مقولة صراع الحضارات التي شغلت الناس والأفكار قبل أن يحصل ما حصل من أحداث إرهابية هنا أو هناك لذلك حدث هذا الصراع العنيف والذي تسميه تلطفا جدل الدين والسياسة وهو في الواقع جدل وصراع بين المصالح الاقتصادية وإستراتيجية للدول أكثر مما هو صراع الدين والسياسة ولكن الذي يجعلنا نلمح فيه جدالا بين السياسة والدين هو ما حاولت بعض الأطراف ان تصطنعه وان تركب على ما حدث لتحقيق أهداف سياسية أو انتخابية في هذا البلد الإسلامي أو ذاك على حساب محاربة الإسلام وانتحال مقولة العلمانية أو ما يقوم به بعض الناس من محاولة استثمار الإسلام لنفس الأهداف سيما ان الذي يجب أن يكون هو تعاون الإسلام والسياسة من أجل تحقيق العدل والمساواة بين الناس وإيصال الحقوق إلى أصحابها لأن ما سبق لنا من إشارة إلى مفهوم الدين والسياسة كان الهدف منه إبعاد الصراع بينهما وإحلال التوافق والتوازن لصالح الناس في معاشهم ومعادهم. ولذلك فإننا نتساءل: الوحدة الدينية وبطاقة الهوية أين موقعنا نحن في المغرب من هذا كله؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي ان نضعه أمامنا وأن نجيب عنه بعقلانية وروية. مما لا شك فيه ان المجتمع المغربي له ظروفه وخصوصياته فالمجتمع المغربي مجتمع موحد، فنجن جميعا مسلمون، ومن هنا يجب التذكير ان هذه الوحدة التي يتمتع بها مجتمعنا لا تتوفر للمجتمعات الإسلامية والعربية الأخرى فنحن في المغرب نتمتع بخاصية الوحدة فالمغاربة جميعا مسلمون والشرق العربي على عكس ذلك مثلا فكثير من الكتاب نظنهم مسلمين وكذلك كثير من أهل الفن وهم في الواقع مسيحيون وذلك لأنهم يختارون أسماء مشتركة مثل أنيس و نجيب و وفيق و كمال هذه الأسماء موهمة ويعرفون حسب الهوية التي تذكر في البطاقة الشخصية ونحن في المغرب لا نذكر الهوية الدينية في البطاقة الوطنية. ففي مصر مثلا عدة ملايين من المسيحيين، ولبنان كما نعرف نظامه السياسي نظام طائفي ومقسم على هذا الأساس وسوريا فيها مذاهب وطوائف متعددة ..... والعراق كذلك والأردن......الخ وفي كثير من الدول الإسلامية تعدد الديانات والمذاهب. الالتزام بالسنة في الفروع والأصول والمغرب يمتاز بوحدته كما قلنا فنحن جميعا مسلمون مؤمنون، وليس عندنا احد غير مسلم، ليس عندنا ديانة أخرى، نعم عندنا أقلية قليلة جدا من اليهود، قبل الآن كانوا أقلية مهمة وكنا نعتبرهم ولا نزال مغاربة مثلنا مثلهم، وليست هناك مشاكل، والحساسيات التي تقع هي حساسيات تقع بيننا جميعا، ولكن اليهود، الآن هم قلة جدا حوالي (2000) أو (3000) يهودي من حوالي ما يزيد عن 30 مليون من المغاربة ، إذن نحن جميعا مسلمون، نحن جميعا سنة، المغرب كله سنة ليس فيه، فنحن جميعا مسلمون، نحن جميعا سنة، نحن جميعا في الفروع نتمسك بالمذهب المالكي، ليس عندنا، من المذاهب غيره والدول الأخرى تجد الحنفي تجد الشافعي، تجد الحنبلي تجد المالكي، ولذلك تجد هذا صاحب الفتوى للمذهب الفلاني، وهذا صاحب الفتوى للمذهب الفلاني، وذاك صاحب الفتوى في المذهب الآخر .. الخ وهذا شيء بالنسبة لنا في المغرب غير موجود، نحن جميعا نتمسك بالمذهب المالكي، في الفروع ونحن جميع في أصول الدين، أو في العقائد متمسكون بالأشعري، والأشعرية، وهي مذهب سني، وسطي في العقائد يزاوج بين العقل وبين النقل، ليس عقليا خالصا ومشتطا وليس نصا جامدا ولكنه يتشبث بالنص الصريح الواضح القطعي الدلالة والثبوت و يستعمل العقل عندما يكون من الضروري ان يستعمل العقل وتفرض الحاجة التأويل وفق أحكام وشروط محددة، ولذلك أول ما نقرأ عندما نبدأ في قراءة المسائل الدينية في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك؟ التصوف المغربي تصوف سني اما الصوفية أو التصوف أو الطرق التي عندنا فهي كلها طرق سنية، ليس عندنا طريقة من الطرق التي ليست طريقة سنية، إذن نحن جميعا مسلمون، نحن جميعا مالكية، نحن جميعا نتمسك بالعقد الأشعري، نحن جميعا من يتصوف فينا ومن يذهب مع طريقة من طرق الصوفية ويمكن ان نضيف أننا جميعا في المغرب نتمسك دائما باستقلاليتنا، نستقل عن الشرق، ونستقل عن الغرب، أي أننا في كل الأحوال والمواقف نكيفها تكييفا مغربيا بالإضافة إلى هذا أننا عندنا نظام ملكي، المغاربة جميعا بدون استثناء ملتزمون بهذا النظام وملتفون حول العرش، وبدون استثناء، أيضا قد يختلف الناس، في السياسة وفي الأفكار أو في البرامج ولكن مسألة النظام الملكي الجميع متمسك به. الخصائص الست للإنسان المغربي والبيعة في أعناق المغاربة جميعا، هذه الخصائص الخمسة هي التي يمتاز بها المغاربة عن غيرهم من إخوانهم المسلمين في بقية أنحاء العالم وهي يختارون، كلنا مسلمون، كلنا مالكية، كلنا أشاعرة، تصوف المغاربة تصوف سنى فالتصوف كذلك نحن سنة، والمذهب والنظام الملكي الجامع والضامن للوحدة، ولجمع الشمل، هذه الخصوصيات الخمس زائد استقلالية المغربي، في قراره عندما جاء الإسلام، صار الإسلام سلاما مغربيا، فلم نقبل تأثير الدولة العباسية ولا تأثير الدولة الأموية ولا تأثير الأتراك، عندما احتل الأتراك العالم الإسلامي اقتصر حكمهم على الجزائر فلم يصلوا إلى المغرب، والمغاربة عندما يختارون مذهبا وعندما يختارون شيئا ما في حياتهم يقومون به بطريقتهم لا يقبلون تأثير الغير. مظهر استقلالية الفكر المغربي وتتجلى استقلالية الفكر المغربي في الشأن الديني عندما نراجع النوازل المغربية وعندما نقف على الإبداع الذي قام به المغاربة في مجال العمل وتنزيل الأحكام على الواقع كما نلمسه في الثورات الفكرية التي عرفها التطور الفكري والعقدي ببلادنا. وسيرا مع هذا الاستقلال الذي يعتز به المغاربة والذي يعتبرونه لا يمس بالوحدة في الدائرة الإسلامية الكبرى هو اختيار المغاربة للمولى إدريس واحتضانه لتأسيس دولة مغربية ترتبط بآل البيت وفي الوقت في نفسه يكون سندها الأكبر هو القبائل الأمازيغية وهذا يؤكد كذلك أن رد الفعل الذي كان لدى الأمازيغ لم يكن ضد الإسلام ولكن كان ضد استغلال بعض الناس للإسلام من أجل أهداف وأغراض أخرى. ففي مرحلة الولاة، كان المغاربة يتعاملون معهم باستقلال إذ عندما يشعر المغاربة بأن دورهم وتأثيرهم، غير فاعل ينتفضون وأكثر انتفاضات هي بناء الدولة المغربية والمغاربة وقفوا حتى في وجه كتاب إحياء العلوم للإمام الغزالي ورفضوا العمل به لأنه ليس على المنهج وعن الطريقة التي يتمسكون بها. المغاربة يرفضون التطرف إذن ما يجري في العالم نحن محصنون ضده، محصنون لهذه العوامل كلها، بمعنى أن الأفكار المتطرفة مرفوضة مغربيا لأننا نتشبث بمذهب الإمام مالك الذي هو مجتهد ووسطي في توجهه فيما يتعلق بالأمور كلها إذ خير الأمور أوسطها، والأشعرية كذلك مذهب التوسط بين العقل والنقل، والتصوف السني هو ضد الشطعات الصوفية وضد وحدة الوجود وضد الحلول وضد أي تصوف فلسفي منحرف، ولذلك نحن في المغرب نبدع في التصوف السني والإبداع هنا مستحسن ومثال ذلك أبو الحسن الشادلي، الذي هو أبو الطريقة السنية قديما وحديثا، التي هي طريقة الجنيد، طريقة الإمام الجنيد، لهذا إذن نحن محصنون ضد التطرف لا شمالا ولا يمينا فهم فئة غير ذات تأثير ووزن في المجتمع المغربي، لأن كل من تطرف، كان تطرفهم دينيا أو سياسيا فإن المجتمع المغربي لا يقبله ولا يستجيب إلا أن يتجه في الاتجاه الوسطي الصحيح لأن هذا التوجه الوسطي هو الذي كانت عليه الحركة الوطنية، ونحن الآن نحيي الذكرى المائة لميلاد علال الفاسي، وهذا العرض هو في هذا السياق كما قال الأخ الأستاذ الرئيس. الملكية المغربية ترعى الوحدة الدينية والمذهبية للمغرب والملكية المغربية، محمد الخامس طيب الله ثراه، والحسن الثاني طيب الله ثراه، كلاهما في هذا التوجه وعلى هذا المنهج الذي حافظ للمغرب على وحدته الدينية، ووحدته السياسية ووحدته الوطنية ووحدته الترابية، ومحمد السادس نصره الله، هذا هو المنهج الذي يسير عليه و يوجه الشعب المغربي ليسير عليه، فأنت إذا تتبعت خطبه منذ تولى العرش في هذه السنوات العشر تجده في كل خطبة وكلما خاطب الشعب المغربي يخاطبه على أساس نفس المنهج منهج محمد الخامس ومنهج الحسن الثاني في المحافظة على القيم الدينية ولكن دون نزوع الى التطرف في بناء المغرب المتقدم القوي المتين ودون تطرف كذلك نحو الميل أو الزيغ عن الأسس وعن العقائد. المحافظة على الثوابت والتوازن بين الديني والسياسي إذن هناك توجه مستمر في المحافظة على الثوابت ما بين الديني والسياسي في سياق التنسيق والتعاون، لأن إمارة المؤمنين هذا هو دورها في تجميع كل الخيوط وكل العناصر وتوجيه الأمور في الاتجاه الذي يخدم المواطن ويخدم الوطن، إذن نحن في المجتمع المغربي هذا التوجه العلماني الذي عرفته أوربا، ليس عندنا مبررات لاختياره أو إتباعه، فليس عندنا دواعي اللائكية والعلمانية التي كانت عند الأوروبيين في أوربا، جاءت العلمانية ضد الإكنروس وضد الكهنوت، ضد تسلط رجال الدين. التخصصات فرض كفاية ونحن ليس عندنا كهنوت وليس عندنا اكليروس، وليس عندنا رجال الدين حتى يكون عندنا تسلط رجال الدين فليس هناك عندنا طبقة اسمها طبقة رجال الدين، عندنا علماء يعرفون الشريعة، كما أننا عندنا علماء يعرفون الاقتصاد. وعندنا علماء يعرفون الهندسة وعندنا علماء يعرفون الطب، وعندنا علماء يعرفون الآداب، وعندنا علماء يعرفون التاريخ، وعندنا علماء في كل التخصصات أي كل واحد يقوم بتخصيص معين، بناء على قول الله تعالى: (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين وليندروا قومهم إذا رجعوا إليهم)، إذن كل واحد يقوم بفرض وواجب كفائي في المجتمع لأن المجتمع لا يمكن أن يعيش بدون أطباء. ولا بدون مهندسين، ولا بدون علماء في الفيزياء، ولا في الكيمياء ولا في الدين ولا في الاقتصاد ولا في الاجتماع، لأن هذه تخصصات يتمم بعضها بعضا قبل الآن ماذا كان يحصل؟ كان العالم يعرف الاقتصاد ويتكلم فيه، يعرف الاجتماع ويتكلم فيه، وهذا تجده واضحا عندما تدرس تاريخ الحضارة الإسلامية، ابن خلدون مثلا عالم اجتماع، وعالم تاريخ، ومؤسس علم الاجتماع الحقيقي، ولكنه فقيه وقاضي و ابن سينا في الطب وفي التفسير، ابن رشد في الطب في الفلسفة في الفقه كما قلت فهم يفهمون كثيرا من الأشياء، هذا النوع من العلماء لم يكونوا في العالم الإسلامي فقط بل كان نوع من الموسوعية العلمية المعرفية، حتى في أوروبا وهذا لم يعد موجودا فالمثقف الوحيد المشارك الذي كان موجودا قديما ويجمع هذه التخصصات كلها اليوم انتهى وهناك اليوم تخصصات متعددة ومن ثم ليس عندنا رجال دين. المجالس العلمية ليست مجالس رجال دين المجالس العلمية، هي مجالس علمية وليست مجالس دينية مجالس لإعطاء المشورة ولإعطاء رأي الدين في المسائل التي يطلبها المسلمون، إذن الصراع الحاصل على المستوى العالمي وعلى مستوى المجتمعات الإسلامية الأخرى، لا يوجد عندنا في المغرب وليست عندنا دواعيه، وليست عندنا أسبابه، لأن المغاربة جميعا مسلمون ومن أخطاء بعض الناس أنهم يبنون نظرياتهم على فهم خاطئ أنهم يفاضلون بين المسلمين، هذا مسلم ملتزم وهذا مسلم غير ملتزم وهذا كذا...الخ، ليس هناك مسلم ملتزم وليس هناك مسلم غير ملتزم، الالتزام هو كلمة جاءت قديما من عند الماركسيين في المجال الأدبي فيتحدثون عن أديب ملتزم وآخر غير ملتزم فبدأنا نقول مسلم ملتزم ومسلم غير ملتزم وهذا غير صحيح فكل مسلم ملتزم بأحكام الشرع وفرائضه فهناك من يصلي في الأوقات وهناك من يجمع الصلوات، هنا حكم شرعي آخر غير الالتزام وهناك من لم ينعم الله عليه بأدائها لا في وقتها ولا في غيره، وهو مومن عاص، ولكن الأساس أنه لا يكفر مسلم بالذنب نحن لا نكفر أحدا من أهل القبلة، من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم، وحسابه عند الله، حسابه ليس علينا نحن ان نحاسبه فلا نحاسب أحد، الذي يحاسب الناس يوم القيامة هو الله، ولذلك عندما، قتل أحد الصحابة شخصا قال لا إله إلا الله وبلغ الأمر الرسول صلوات الله وسلامه عليه، سأله أقال لا إله إلا الله وقتلته، قال نعم يا رسول الله، قالها خوفا من السيف قال رسول الله قال هلا شققت على قلبه؟ ومعنى ذلك هل قمت بشق قلبه واطلعت على ما فيه هل قال لا إله إلا الله إيمانا أو جبنا وخوفا من السيف؟ ومعنى هذا هو ما رد في حديث آخر من قال لا إله إلا الله فقد عصم مني دمه وماله إلا بحقه، فنحن إنما نحكم بالظواهر والله يتولى السرائر. إذن فكل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله هو مسلم، ولا يكفر مسلم بذنب..... هذا هو المذهب السني المغربي, هذا هو مذهب الاشاعرة، وبهذا حمينا المجتمع من الانحراف وحميناه من التطرف، وعلينا جميعا أن نتمسك بهذا الأسلوب وهذه الخطوات التي بناها وأسسها المغاربة جميعا. خصائص مجتمعنا الست الإسلام، المالكية، الأشعرية، الجندية، الملكية الدستورية، الاجتماعية الاقتصادية المعبر عنها بإمارة المؤمنين، وكذلك الاستقلال الفكري، فنحن لا نتبع شرقا ولا غربا، ولكن نحن متعاونون، متضامنون، أخوة، نلتزم جميعا بديننا ومبادئنا، قد نختلف سياسيا، قد أختار هذا الرأي أو ذلك الرأي وقد تختار أنت العكس، ولكن هذه الأسس أسس نجتمع حولها جميعا فهي الثوابت التي بنى عليها المجتمع المغربي، ونحن جميعا متفقون عليها متعاونون عليها. وشكرا والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ملاحظة: إن العرض كان مرتجلا فمعذرة للقارئ إذا تكررت بعض العبارات والأفكار أو بعض الألفاظ.