إن الظرفية الوطنية والدولية تستوجب استمرار المغرب في بناء مشروعه الوطني الديمقراطي والوقوف في وجه كل المخططات الهادفة إلى النيل من السيادة المغربية الكاملة على كافة الأجزاء المسترجعة من التراب الوطني، وفي حاجة كذلك إلى تقييم جماعي مسؤول لأدائنا وتطوير آليات تأطير مجتمعنا للتمكن من التقاط أسئلة المواطنين ومعالجتها. كما أننا في حاجة إلى تنظيم نقاش وطني مسؤول حول الإصلاحات السياسية والدستورية في إطار تعاقدي وتوافقي. كما على الأحزاب المترهلة تجاوز أعطابها الذاتية وبلورة مشاريع مجتمعية شاملة تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية... فيتم التقدم بها أمام المواطنين خلال الاستحقاقات التشريعية المقبلة لاختيار ما يستجيب لحاجياتهم ويعالج بفعالية ونجاعة القضايا التي تلامس انشغالاتهم، مستوعبين بعمق دروس التجربة السياسية المغربية (خصوصا بعد نكسة 7 شتنبر 2007). وذلك بإعادة الاعتبار للعمل السياسي النبيل بالعودة إلى صفوف الجماهير وتوفير الشروط الذاتية والسياسية لتكوين نخبة سياسية شابة قادرة على التفاعل مع حركية المجتمع والتأثير فيها بما يبعد شبح الشعبوية والفوضوية وكل التعبيرات العدمية أو تلك التي لا أفق سياسي واضح لها. فالمؤسسات الحزبية على المستوى المحلي آلية أساسية من آليات مواجهة التطرف والتعصب الديني، وتعبئة كافة القوى الحية الوطنية والديمقراطية، وتوحيد الصفوف والطاقات، من أجل الوقوف في وجه القوى الرجعية الظلامية، وإحباط مخططاتها وتصوراتها العدمية. وفي ارتباط وثيق بما تمت الإشارة إليه أعلاه، يجب الإقرار بأهمية العمل على الواجهة الثقافية والتصدي للفكر الأصولي، وذلك انطلاقا من قناعة بكون بنية الفكر الأصولي سواء في شقها الدعوي أو السياسي تجد مصدرها أساسا في نوع معين من الفكر والثقافة المتزمتة واللاعقلانية وليس في الواقع الاجتماعي كما يدعي البعض، ومن هنا فإن المعركة الثقافية والاجتماعية لا تقل أهمية عن باقي المعارك السياسية والاجتماعية. فبحس وطني وتاريخي، يجب على كل مكونات هذه الأمة الانخراط في الإصلاحات المؤسسة للانعطافات الحاسمة في التاريخ السياسي المغربي والتي تعد الضمانة الإستراتيجية لكل تطور سياسي واجتماعي مستدام. ومن هذه الإصلاحات، نستحضر مصالحة المغرب مع ماضيه، مصالحة المغرب مع جهاته وتطوير الواجهة المتوسطية باعتبارها واجهة أساسية وكذلك الإقلاع الاقتصادي لمناطق الشمال والشرق، التطور الحاسم للوضع القانوني للمرأة من خلال المدونة الجديدة للأسرة والقانون الجديد للجنسية، انتهاج نموذج للتدبير الاقتصادي يوفق بين تأكيد البعد الاجتماعي في مختلف السياسات القطاعية، خصوصا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. التي حدد كأفق استراتيجي لها ثلاث واجهات أساسية متمثلة في محاربة الفقر والأمية في المجال القروي، محاربة الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي وإدماج سكان المدن في الحياة العملية وكذا محاربة الهشاشة والتهميش بالاعتناء بالشرائح المجتمعية في وضعية هشة . ومن جهة أخرى، فالمشروع المجتمعي الديمقراطي و الحداثي لا يمكن بناؤه دون المساهمة النسائية الفاعلة. فمشاركة المرأة في الحياة السياسية ترتبط بشكل وثيق بالحقوق الإنسانية الكونية للنساء، ودورهن الاستراتيجي كدعامة أساسية لتثبيت الديمقراطية، وتحقيق التنمية البشرية المستدامة، والمساهمة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. لذا يجب الاستمرار في تعميق الأوراش الإصلاحية لفائدة المرأة المغربية على المستوى السياسي (دون محسوبية أو زبونية)، و على المستوى الاقتصادي (كتدعيم المقاولات النسائية الصغرى والمتوسطة)، والمستوى الاجتماعي (بمحاربة الفقر والأمية والتهميش)، والمستوى القانوني والحقوقي الذي تم تدشينه بتشريع مدونة جديدة للأسرة و إقرار القانون الجديد للجنسية المنصف للمغربيات المتزوجات من أجانب و أبناؤهن. واعتبارا لأن التنمية الشاملة ينبغي أن تعتمد على العنصر البشري، فإن الكفاءات المغربية المهاجرة مدعوة إلى المشاركة في الجهود التضامنية والمبادرات المتخذة في سياق التوجه العام لبرامج التنمية الوطنية. كما لا يفوتنا أن ننوه بالمجهودات الجبارة التي يقوم بها مغاربة العالم في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية و دحض الأطروحات المعادية لوحدتنا الترابية، و كذا التعريف بالصورة الايجابية للمغرب والتغيير الذي عرفه مؤخرا هذا الأخير في ظل السياسة الحديثة .