يحكي فيلم "الخروج" قصة استعباد فرعون لليهود على مدى قرون و استخدامهم بكل قسوة في تشييد الأهرامات الثلاثة ثم خروجهم من مصر تحت قيادة موسى الذي أخبرهم بأرض الميعاد. وُجهت للفيلم انتقادات عديدة لكن أهمها هي أنه جسد الذات الإلاهية و نفى أن يكون موسى قد شق بعصاه البحر و إنما تفطن إلى أن البحر يتراجع أثناء الجزر مما سمح بالمرور لقومه و عندما ادركهم فرعون بجنده عاد ماء البحر و أغرق هذا الأخير و جنده. وعلى المستوى التقني تم التنويه بالإستعمال الهائل للمؤثرات الخاصة و التقنية الثلاثية الأبعاد فيما تم تسجيل نقص في الكتابة.ماذا يهمنا من قراءة هذا الفيلم؟ أولا، يهمنا ماذا حاول مخرج الفيلم رايدلي سكوت أن يجيب عنه من وراء عناصر القصة و تقنيات الإخراج و الكتابة؟ الجواب مضمر في عبارة " الآلهة و الملوك" الملحقة بعنوان الفيلم الذي يلخص إشكالية التعارض الدائم بين الآلهة و الملوك الذي يبلغ حدوده القصوى عندما يصل الملوك إلى درجة متقدمة من الإستبداد و الإستعباد فيظهر وسيط ( نبي او رسول) لتبليغ و تنفيذ الأمر الإلاهي. حدث ذلك بكل وضوح في زمن موسى الذي عاصر الفرعون رمسيس الذي أصلى اليهود نارا من أجل بناء الأهرامات. فتدخل الإلاه و أمر موسى بأن يخرج اليهود من مصر لكن فرعون رفض الرضوخ، فأرسل عليه الجراد و الضفادع و غيرها من الأفات كان أخرها موت إبنه الرضيع ..و في خضم هذا الهجوم الإلاهي حاول موسى أن يطلب من الله ان يخفف من حدته لانه يلحق الأذى الشديد ليس بفرعون و حاشيته فقط و إنما ايضا بالمستضعفين. ثم يهمنا، ثانيا، لماذا تم تحويل هذه القصة القديمة إلى فيلم ملحمي و بميزانية ضخمة و توقيع مخرج كبير في هذا التوقيت بالذات؟ لانه يحدث الآن نفس الشئ مع فارق هو أن الآلهة ممثلة في القوى الغربية بينما الملوك ممثلة في الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا.. و أشرس هذه الأنظمة هو النظام الليبي و السوري اللذان كفروا بالمبعوثين و رفضوالحلول فبدأت القوى الغربية تقود هجوما متعدد الأشكال من حصار و تسليح الثوار إلى غير ذلك.. بينما انبرى الوسطاء الأمميين إلى التخفيف من أثر هذه الضربات على الشعوب المستضعفة. و هناك فارق أخر هو أن المعني بالخروج هم الديكتاتوريات و حاشيتها و ليس الشعوب المستضعفة. يريد الفيلم أن يبين أنه إذا نجح موسى بعون من الله في جعل فرعون يقبل بالتوقف عن استعباد اليهود و يأذن بخروجهم من مصر فإنه تم استباق ذلك بنفي موسى من بلاط فرعون لمدة استطلع أثناءها الطريق التي سيقود فيها اليهود و انجز خريطة طريق من أجل ذلك. كان ذلك الإجراء حاسما في النجاح لأن فرعون غير رأيه فيما بعد و لاحقهم يريد إبادتهم. بينما نرى العكس في الربيع العربي حيث لم نرى قائدا يقود الثورة بل رأينا انتفاضات لافراد هنا و هناك ذهبوا بها حتى الحد حيث أحرق مفجرها نفسه في تونس. ثارت الشعوب أولا ثم جاءت الديمقراطيات الغربية لتساعدهم في إخرا ج الديكتاتوريات فبدأت محنة المستضعفين. خرج الديكتاتور من تونس و قُتل في ليبيا و نُحِّي في اليمن، لكن ما تزال هذه الدكتاتوريات تهدد بالرجوع عبر فلولها كما عاد فرعون و لاحق اليهود بعد أن أذن بخروجهم. تحدث موسى إلى الإله، بل يمكن أن نقول أنه حسب الفيلم تناقش موسى مع الإلاه و توصلومعا إلى قرارات، و حتى أثناء تنفيذ مخطط التحرر من فرعون و الخروج من مصر استمر النقاش بينهما خصوصا أثناء الغضبات الإلاهية الكبري حيث عارض موسى قسوة تلك الغضبات و اتخد بعض القرارات الحاسمة بكل حرية كقرار عبور البحر حينما تيقن من تراجع المياه. بينما نجد أن مثل هذا النقاش غائب في بداية الثورات العربية، فالإعلام هو الذي قادها و لعب دورا كبيرا في صناعة قرارت الديمقراطيات الغربية حيت أن هذه الأخيرة كانت تتجاوب مع ندءات المستضعفين المنقولة عبر وسائل الإعلام و تقوم بتدخلات و ضربات في غياب لأي نقاش. غير أن طول أمد الديكتاتور السوري أدى إلى تكوين مجموعات لتمثيل شعب الشام تجالس القوى الغربية للتنسيق و النقاش فيما يخص جل الخطوات التي أتت فيما بعد. انتهى الفيلم بلقطة في غاية الدلالة حيث أظهرت موسى رجلا طاعنا في السن و هو ما يزال يقود الشعب اليهودي إلى أرض الميعاد، ثم يلتفت في لحظة فارقة فيرى الإلاه المجسد في هيئة طفل و هو يختفي في إشارة إلى أن اليهود لم يصلوا بعد إلى تلك الأرض و لم يستقروا بعد نهائيا و أن مشروعهم ما يزال قيد الإنجاز. كذلك هو الحال بدول الربيع. لقد تتباعت القيادات الجديدة لكن تلك القيادات كلما القت نظرة إلى الخلف لتقييم المراحل التي تم قطعها ترى أنها ما تزال مطالبة بإنجاز التحول و محو أثار الإستبداد في الوقت الذي تختفي الديمقراطيات الغربية من المشهد شيئا فشئا. تبقى إذن الأجواء غير مستقرة و يبقى من غير المستبعد أن تعود الديكتاتوريات.