واقع الإعلام المغربي: يعرف الحقل الإعلامي المغربي (الإعلام المكتوب خاصة) توترا مستمرا بسبب المراقبة الصارمة للمنتوج الإعلامي ومحاولات تدجين الصحافيين وممارسة الوصاية عليهم. وقد وصل مستوى هذا التوتر حد اعتقال الصحافيين وإغلاق بعض المنابر الإعلامية والتضييق على أخرى. ويمكن تلخيص صور محنة الإعلام والصحافة بالمغرب في النقط التالية: -توسع مساحة المقدس؛ - فبركة التهم ضد الصحافيين وجرهم إلى المحاكم؛ - اعتماد، إلى جانب العقوبات السالبة للحرية، سلاح الغرامات الثقيلة لتركيع الصحافيين؛ - غياب قانون للصحافة يتجاوب وتطلعات الصحافيين؛ -تردي الأوضاع المادية لجل الصحافيين؛ -عرقلة حرية الوصول إلى المعلومة؛ -عدم اعتماد معايير شفافة لتقديم الدعم العمومي وحرمان العديد من المنابر الإعلامية من هذا الدعم؛ - التحكم في مصادر التمويل والإشهار وتوجيهها. ورغم ذلك، هناك إرادة قوية لدى بعض الصحافيين، وخاصة المشتغلين في المقاولات الصحافية غير الحزبية أو ما يسمى بالصحافة المستقلة، تسعى إلى تكسير الطابوهات وتقديم مجهود يساير التطور الذي يخترق مجال الإعلام والصحافة. وقد ساعد على ذلك، الثورة التكنولوجية الحالية التي جعلت العالم قرية صغيرة ولم تعد تسمح بممارسة التضييق والتعتيم بواسطة الأشكال التقليدية والعتيقة. وبالتالي فإصرار النظام المغربي على إخفاء الحقيقة في مجالات متعددة أصبح يصطدم بهذه الإرادة وببعض آليات المراقبة الدولية (تقرير منظمة صحافيون بلا حدود مثلا)، هذا الأخير التي صنف المغرب سنة 2010 في الرتبة 135 من بين 180 دولة في سلم حرية الصحافة. وإغلاق مكتب الجزيرة في الآونة الأخيرة يكشف الانزعاج من أي خطاب لا يردد "العام زين" أو لا يساير الأطروحات الرسمية. وقد ساهم في استمرار هذا الوضع انحياز بعض المعنيين (شكلا) بالحقل الإعلامي إلى الخندق الرسمي، ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية والفدرالية المغربية لناشري الصحف، حيث اقتصر دورهما وفي كثير من الأحيان على ما هو سياسي وألغي الاهتمام الفعلي بالجانب المهني، بما في ذلك تأهيل الصحافيين والمقاولات الصحافية ومتابعة الوضع الإعلامي، رغم الحنين الى المناظرات السابقة أو اللاحقة، ورغم جولات "الحوار الوطني حول الإعلام" التي انطلقت يوم فاتح مارس 2010 بمقر البرلمان. والإحالة هنا أكثر على الإعلام المكتوب أو الصحافة المكتوبة (الورقية)، ينطلق من كون الإعلام المرئي والمسموع خاضع ومحتكر بالكامل من طرف النظام وحوارييه. ولم يبادر أي حزب أو منظمة حتى الآن لولوج هذين المجالين الحيويين المحروسين، ومن أجل تكسير الهيمنة المطلقة عليهما. الأحزاب السياسية: أي دور لتطوير الإعلام المغربي؟ إننا إذ نفهم حسب منطق الصراع، وحسب حدة هذا الأخير، معنى لجوء النظام إلى أسلوب الجزرة والعصا، ومعنى مقاومة بعض الصحافيين وبعض المنابر الإعلامية لهذه الأساليب البائدة، فإن ما يجب أن نتوقف عنده بقوة هو دور الأحزاب السياسية بهذا الصدد. إن أحزابنا السياسية أو بعضها على الأقل لا يرغب في أن يكون لدينا إعلام قوي، لأنه ببساطة سيكون ضحية هذا الإعلام. لأن إعلاما قويا، كما سيفضح النظام، سيفضح كذلك هذه الأحزاب وشعاراتها ويعري عجزها عن الدفاع عن قضايا المضطهدين. ويلاحظ ذلك أيضا من خلال الإعلام الالكتروني غير المحروس حتى الآن، حيث يتم تداول المعلومة بشكل واسع وبعيد عن سيف الرقابة، بما في ذلك الرقابة الحزبية، رغم التجاوزات التي تقفز أحيانا عن "أخلاقيات المهنة". وكثيرا ما انزعجت الأحزاب السياسية من الإعلام الالكتروني، وأذكر بهذا الخصوص النشرة الالكترونية التي رفع عبرها مؤخرا بعض الأعضاء القياديين في الشبيبة الاتحادية "المغضوب عليهم" التحدي في وجه المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي. دون أن ننسى الخدمات التي تقدمها مجموعات المدونين وبعض المواقع الالكترونية (الحوار المتمدن، هسبريس...) وبعض اللوائح الالكترونية، ومنها بالخصوص [email protected]، بالإضافة إلى مجالات الكترونية أخرى للتواصل (الفايسبوك، تويتر...). وكلنا يذكر التواطؤ الذي تمارسه الأحزاب السياسية إبان الانتخابات، فما معنى قبولها الحيز الزمني الشكلي الذي يخصص لها في الإعلام العمومي، في الوقت الذي يبقى هذا الإعلام الممول من طرف الشعب المغربي مفتوحا وباستمرار في وجه الجهات المحظوظة وفي وجه البرامج والتظاهرات التافهة والمنحطة؟ وما معنى السكوت عن حق بعض الهيئات السياسية في الاستفادة من الإعلام العمومي، وأعني بالخصوص الهيئات المقاطعة للعبة الانتخابية؟ كنا نفهم الإقصاء الذي كان يستهدف بعض الهيئات، على اعتبار أنها هيئات "معارضة" و"مزعجة"، لكن أن تقبل هذه الهيئات التي كانت متضررة حتى وقت قريب إقصاء نفسها وحرمانها من الاستفادة من مختلف وسائل الإعلام العمومية، وهي تتحمل الآن مسؤوليات حكومية مثل مسؤولية الاتصال (الإعلام)، فلا يعني ذلك غير التواطؤ وعدم تحمل مسؤولية المساهمة في خدمة الحقل الإعلامي المغربي. ويضاف سكوت هذه الهيئات عن الإقصاء من الاستفادة من الإعلام العمومي، إلى سكوتها عن كيفية توزيع الدعم العمومي لفائدة وسائل الإعلام. علما أن العديد من وسائل الإعلام لا تستفيد من هذا الدعم. ويفهم من هذا السلوك الشاذ والمتخلف أن هذه الهيئات ستكون متضررة من اعتماد الشفافية والمقاييس المضبوطة. وقد تعاني من المنافسة الحادة في حالة تقديم الدعم بموضوعية وشفافية إلى كافة وسائل الإعلام، وهي التي ارتبكت وخار "عزمها" أمام قوة بعض المنابر الإعلامية "المستقلة" جيدة أو قوية التمويل وذات مهنية واحترافية محترمتين. والخطير في الأمر، هو لجوء إعلام العديد من الهيئات السياسية إلى التعتيم، واحترام التوجيهات الرسمية (الخطوط الحمراء) الساعية إلى إقبار الحقيقة أو على الأقل التشويش عليها بشأن العديد من القضايا السياسية ذات الراهنية. وهو ما تذهب إليه المقاولات الصحافية غير الحزبية كذلك. ولا يتعلق الأمر فقط باحترام التعليمات الرسمية، بل يتعداه كذلك إلى لعب دور المدعي العام (الغراق) وشن الحملات العدوانية ضد الجهات غير الطيعة، سواء كانت جهات إعلامية أو سياسية أو نقابية أو حقوقية، ومحاصرة، بل واضطهاد الأقلام الجادة والجريئة. أي أفق للإعلام المغربي: إن أي محاولة لتطوير الإعلام المغربي لن تكون ناجحة، وللدقة لن يستمر نجاحها بعيدا عن إسهام الهيئات السياسية، وطبعا ليس الهيئات السياسية المتورطة في التردي الحالي الذي يعرفه الحقل الإعلامي وباقي الحقول الأخرى. مما يعني أن تطوير الإعلام المغربي لا يمكن أن يكون معزولا عن تطوير الحياة السياسية المغربية عموما. وبمعنى آخر، فتقوية الإعلام المغربي لا يمكن أن يكون بعيدا عن تقوية الهيئات السياسية المغربية المناضلة. فلا يستساغ الحديث عن إعلام قوي وديمقراطي وذي مصداقية، كان مستقلا أو تابعا (حزبيا)، دون الاعتراف بالدور الحاسم لهذه الهيئات في صنع هذا الإعلام. وبالتالي فمسؤولية هذه الهيئات السياسية كبيرة بهذا الصدد. ويفرض الأمر الاشتغال على موضوعة الإعلام، أو بمعنى آخر بلورة استراتيجية إعلامية، ليقوم هذا الإعلام بالدور المنوط به في دينامية التغيير الجذري وتسريع وتيرة هذا الأخير. ويمكن التفكير في ولوج مجال الإعلام المحلي أو الجهوي، لما قد يوفره هذا الأخير من قرب ومن تحكم في المتابعة المتواصلة للقضايا الحساسة. أما الإعلام العمومي السمعي البصري فمصيره مرتبط بمصير الجهات المتحكمة فيه. وأي مراهنة عليه ستكون خاسرة، إلا في الحالات التي لا يمكن لأي مناضل أو أي هيئة سياسية مناضلة القبول بها. وأي رهان على الإنصاف من طرف الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا) أو من طرف القضاء المغربي لن يكون بدوره إلا رهانا خاسرا ومسعى فاشلا. وهذا لا يعني القبول بالأمر الواقع، إن استمرار النضال من أجل انتزاع الحق في الاستفادة من الإعلام العمومي مهمة نضالية قائمة، شريطة تعزيزها بمهام نضالية أخرى، قد تكون أكثر أهمية وتأثيرا. ويمكن التطلع إلى اختراق المجال السمعي البصري الخاص أو المستقل باعتماد التقنيات الحديثة واستثمار كافة الإمكانات المتاحة داخل المغرب أو خارجه، خاصة ووجود مناضلين يتوفرون على تجربة وحنكة كبيرتين بهذا الخصوص.