انطلقت أشغال الاجتماع على الساعة الرابعة وخمس دقائق بمقر نادي الصحافة بالرباط بحضور أعضاء من المكتب التنفيذي ومن اللجنة الإدارية، بالإضافة الى من لبى الدعوة من ضيوف اللقاء. وبعد شرح أهدافه وما ينتظر من المشاركين من أجل إغناء مشروع المذكرة الموجهة إلى "الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع"، أعطيت الكلمة للأستاذ محمد حفيظ مدير صحيفة الحياة: في بداية مداخلته تقدم الأستاذ محمد حفيظ بأربع ملاحظات على مشروع المذكرة، رتبها على الشكل التالي: -الملاحظة الأولى همت مسألة الحوار بين الإعلام والسلطة الذي انطلق بمبادرات متعددة في وقت عصيب ،حسب قوله ،لكن لا يجب أن ننسى أن الأزمة متعددة الأطراف ولا تقتصر على علاقة الإعلام المغربي بالسلطة، حيث أن هناك أطرافا أخرى أهمها ؛المجتمع وفي هذا السياق يجب الاعتراف في هذه المذكرة المطروحة للنقاش أن للإعلام أزمة لم تعد خافية حتى مع المجتمع، ويمكن القول أن أثر الإعلام في المجتمع يعكس أزمة، وموقف المجتمع من هذا الإعلام والمتجلي في نسبة المتابعة يعكس أزمة أيضا، وبالتالي فالأزمة في المغرب ثلاثية الأبعاد (الإعلام، السلطة، المجتمع). -في الملاحظة الثانية ركز المتدخل على إشكالية الحرية والمسؤولية، معتبرا أن إشكالية المسؤولية وأخلاقيات المهنة مطروحة بقوة في الأزمة الراهنة، مؤكدا أن المقصود بالمسؤولية هو بعدها المهني الصرف بعيدا عن الاعتبارات الدينية أو السياسية ، وفي هذا السياق وضح أن احترام أخلاقيات المهنة يعزز الدفاع عن حريات الإعلام ، حيث أنه من الناحية الواقعية لا تتعرض الصحافة فقط لهجوم منهجي بل تعيش أيضا حالة توتر وسوء تفاهم. -وتساءل من خلال ملاحظته الثالثة هل الإعلام في المغرب يمارس سلطته كاملة؟ بناء على أن الإعلام هو سلطة رمزية لها أثر واقعي، وهل يريد الإعلام المغربي ممارسة هذه السلطة؟وهل هناك قيود تمنعه من ممارستها؟ وهل القيود داخلية أم خارجية؟ ليخلص إلى أن قيود الإعلام المغربي بعضها من صنع الدولة وبعضها يساهم في صنعه المجتمع والإعلام نفسه. -وفي ملاحظته الأخيرة طالب بضرورة إعادة النظر في تسمية "الإعلام العمومي" هل يقدم فعلا خدمة عمومية، أم هو إعلام رسمي؟ أم هو إعلام سلطوي؟ حيث أن التعامل مع قضية بلعيرج كشف وجه هذا الإعلام وبين أنه إعلام سلطوي موجه. بعد هذه الملاحظات التي انطلقت من فقرات المذكرة، أكد الأستاذ محمد حفيظ من خلال مداخلته على وجود سوء فهم بين الإعلام المغربي وبين المجتمع، وقد عكست الصحافة المكتوبة بشكل كبير التوتر والتشنج بينها وبين السلطة حيث أن هناك اعتداء ممنهج من طرف السلطة، لكن والأهم هو وجود اعتداءات صادرة من الجسم الصحفي في حق الإعلام، في واقع تحول فيه المجتمع إلى عامل مساهم في هذا التضييق. وأشار المتدخل إلى أننا اليوم في حاجة إلى ما وصفه ب"ثقافة الإعلام" لتحقيق التنمية الشاملة؛ فالصحافة المكتوبة تاريخيا صنعت رأيا عاما في فترة زمنية من عمر المغرب، ثم جاءت الصحافة المستقلة لتعطي بعدا آخر للمهنة، لكن هذا الدور بدأ في التراجع في السنوات الأخيرة وكان من الطبيعي أن تتعرض لحوادث سير، لكن حسب مدير صحيفة الحياة هناك اليوم من يستهدف الصحافة كاملة ويستهدف المهنة من خلال البحث عن تسويغ لممارسة التضييق القانوني والمالي على الصحافة المكتوبة، لذا وبقدر ما ندافع عن الحرية يجب أن ندافع اليوم وأكثر من أي وقت مضى عن المسؤولية والمهنية وعن أخلاقيات مهنة الصحافة، حتى لا تعطى فرصة لمن يثير مسألة الأخلاقيات ليحد من الحرية. فأخلاقيات المهنة ،يضيف المتدخل، وقواعدها مسؤولية مقصورة على الإعلاميين والصحفيين الذين فشلوا في وضع ميثاق أخلاقيات المهنة، مما يجعل الكرة في ملعبهم. وفي نقطة أخيرة من مداخلته اعتبر الأستاذ حفيظ أن تهييئ الشروط اللازمة لإعداد ميثاق أخلاقيات المهنة يجب أن يكون من مسؤولية مديري النشر ورؤساء التحرير بسبب مسؤوليتهم القانونية، مطالبا بتوجيه دعوة لهم لعقد اجتماع يحفزهم للدفع في هذا الاتجاه، كما طالب بعدم تجاوز معاهد الإعلام والصحافة وعدد من الهيآت المدنية إضافة إلى الباحثين والمهتمين. قبل التطرق إلى المداخلة الثانية أشار الأستاذ محمد العوني إلى عدد من النقط التي تمت مراجعتها في لقاءات سابقة لاجتماعات المكتب التنفيذي، والتي ستتم إضافتها في المذكرة لاحقا. في مداخلته التي جعل لها عنوانا "ملاحظات أساسية حول وضعية الإعلام الإلكتروني" بدأ الأستاذ عادل السمار الباحث والصحفي الإلكتروني بالتأكيد على صعوبة التمييز بين المواقع الإلكترونية والمدونات والمواقع الاجتماعية..ثم تساءل في ظل غياب إستراتيجية وطنية لتطوير المضامين في عالم الانترنيت هل سيفوتنا قطار آخر من قطارات التنمية؟ و لم يجد الأستاذ السمار أي فرق في الأهداف ما بين المواقع الالكترونية وبين الصحافة المكتوبة، وما يميز المواقع المحلية ،حسب رأيه، هو تشابه المضامين، وحاجتها إلى توفير مناخ مهني وإطار قانوني وتشريعي في ظل غياب تشريعات قانونية ملائمة لطبيعة الإطار العام الذي تشتغل فيه هذه المواقع، مطالبا بالإضافة إلى ما سبق بسن تشريعات للحماية الفكرية لكل ما ينشر على شبكة الانترنيت، كما طالب العاملين في هذا الحقل بإنتاج مضامين تعكس واقع وحضارة وتاريخ المغرب. واعتبر أن التفكير في إعادة هيكلة سوق الإشهار وسد الفراغ الموجود حاليا في هذا الجانب بات ضرورة، لا تقل عنها أهمية ضرورة وجود دعم رسمي للصحافة الإلكترونية كما هو الحال في الصحافة المكتوبة، بناء على معايير مهنية واضحة مع وجوب مأسسة هذا الدعم. ومن جانب آخر حث الأستاذ السمار على ضرورة وجود مواقع موضوعاتية لتحقيق حوار اجتماعي داخلي، كما حذر في الأخير من مجموعة من المنزلقات ، على رأسها تجنب إعادة نسخ التجربة الفرنسية في تعاملنا مع الإعلام الإلكتروني بحكم وجود تجارب متقدمة على النموذج الفرنسي مثل التجربتين الكندية والبريطانية، وتجنب محاربة الإعلام الالكتروني. بعد ذلك فتح باب النقاش حول م جاء في المداخلتين، حيث ركز المتدخلون على الأزمة المهنية في الصحافة المكتوبة، و طالب أحد المتدخلين بأن يتم تجاوز التركيز على الاختلالات الموجودة في الجسم الصحفي ولفت النظر إلى أزمة حرية التعبير ، وفي وجهة نظر أخرى تمت المطالبة بتعميق النقاش حول الحرية والمسؤولية، لمحاولة رسم حدود حرية الصحافة.كما دعت المناقشات إلى ضرورة تحديد الخط الفاصل بين الحياة الخاصة والحياة العامة أثناء المعالجة المهنية من طرف الصحفيين، مع تحديد مفهوم التشهير وفي نفس الوقت حماية الحق في الولوج إلى المعلومة. كما تمت المطالبة بفتح النقاش حول مجموعة من المفاهيم خاصة مفاهيم :الحرية، المهنية، المسؤولية... من جهة أخرى تساءل أحد المتدخلين عن مفهوم الاستقلالية في الصحافة، فيما أكدت إحدى المتدخلات على غياب تدريس الأخلاقيات في معاهد الصحافة مما يطرح تساؤلا كبيرا حول دور هذه المعاهد في تطوير الحقل الإعلامي المغربي. وفي التفاتة إلى الإعلام الإلكتروني أشار النقاش إلى واقع التدوين في المغرب، وإلى طبيعة العلاقة بين الإعلام الإلكتروني والإعلام الورقي والتي تتسم لحد الآن، حسب أحد المتدخلين، بالتوتر وعدم الوضوح . وفي موضوع العلاقة بين الصحافة والسلطة أشار النقاش إلى ضرورة تنقية الأجواء العامة التي تمارس فيها مهنة الصحافة، مع ضرورة مساءلة الاستقلالية في حقل الإعلام، و المطالبة بإعادة النظر في العقوبات الحبسية في قانون الصحافة و في تفاعله مع النقاش الدائر أكد الأستاذ محمد حفيظ أن الحق في الولوج الى المعلومة لا يناقش لكن هناك جرائم يقترفها الصحفيون ويجب أن يعاقبوا عليها، موضحا أن أخلاقيات المهنة في مجال الصحافة واضحة ويمكن ضبطها، مما يستدعي وجود سلطة معنوية تحرص على تطبيق أخلاقيات المهنة، مع ضرورة الفصل بين قانون الصحافة وميثاق أخلاقيات المهنة. وفي تعقيب الأستاذ عادل السمار قال أن العلاقة بين الصحافة الإلكترونية والصحافة الورقية لا يجب أن تكون علاقة تنافسية، لأنه لا يوجد هناك أي تضاد بينهما، موضحا أن ما يميز التدوين عن الصحافة الإلكترونية، هو أن هذه الأخيرة مجال مهني بامتياز في حين أن التدوين هو شكل من أشكال التعبير الحر، والدفاع عن التدوين والمدونين يدخل في خانة الدفاع عن حرية التعبير، دون أن ينكر وجود مدون محترف. و في نفس السياق طالب الأستاذ حفيظ بإعادة النظر في تسمية "الإعلام البديل" لأن العلاقة بين الصحافة الإلكترونية والصحافة الورقية هي علاقة تكاملية، لكن المشكل الحقيقي المطروح في المغرب هو مشكل الأمية، فإذا تعلم المواطن المغربي القراءة، ليس مهما بعد ذلك أن يقرأ جريدة أو يتابع موقعا إلكترونيا،لكن ومن خلال تجارب دول أخرى فقد تأثر الإعلام الورقي كثيرا بثورة الانترنيت ممل دفع الدولة في بعض الأحيان للتدخل لحماية الصحافة الورقية ،يضيف الأستاذ حفيظ. ولشرح مفهوم الاستقلالية، أضاف أنها لا تعني معناها اللغوي الاصطلاحي ، بقدر ما يتعلق الأمر بمفهوم إجرائي يميز بين إعلام مملوك من طرف الأحزاب أو الدولة، وصحافة غير تابعة لا للأحزاب ولا للدولة، كما أن هذا المفهوم حسب الأستاذ المتدخل ليس مفهوما امتيازيا، بل هو صفة يجب أن يتحلى بها كل الصحفيين بما في ذلك الصحفيين الحزبيين. وشرح سبب تأكيده على مسألة الأخلاقيات المهنية بكون الجسم الصحفي منخور بمجموعة من السلوكات المخلة بالأخلاق. ولتوضيح ما أشار إليه سابقا من أن الصحافة تستهدف اليوم كمهنة، قال بّأن هناك محاولة لترويض الصحفيين من أجل خدمة مشروع معين لم تعد ملامحه خافية. و لشرح مفهوم الاستقلالية من وجهة نظره أضاف الأستاذ عادل السمار أنها تعني الاحتكام للمهنة وللقانون، مشيرا إلى وجود فراغ قانوني يحمي المواطن من بعض السلوكات مثل نشر الصور الشخصية وخصوصا صور القاصرين. وطالب بضرورة خروج المواطن من موقع الموقف السلبي من المعركة الدائرة في حقل الإعلام إلى موقف المتفاعل والمحتضن. و في ختام النقاش خلص الأستاذ محمد العوني إلى أن هناك إشكالات مفهومية لا تزال تعرقل الحقل الإعلامي في المغرب،كما أن هناك هجمة شرسة يتعرض لها الجسم الصحفي ولا يجب أن نبقى في موقع المتفرج بل سننحاز في هذه المرحلة للدفاع عن حرية الصحافة ضد التجاوزات والخروقات.