لم يكن ابراهيم زنيبر نفسه يعتقد أنه سيصبح يوما ما القابض على مزاج الملايين من المغاربة الذين يستهلون الخمور أكثر مما يستهلكون الحليب مثلا. ابراهيم زنيبر الذي شغل منصب مستشار الملك الحسن الثاني في وقت ما، هو نفسه اليوم الذي يكتسح سوق انتاج الخمور بالمغرب ب85 في المائة يصدر 4 في المائة منها إلى أوروبا وأمريكا واليابان، وهو الرجل الذي تصل ارباحه السنوية من قناني "البيرة" و"الروج المغربي" و"الشامبانيا" أزيد من 225 مليار سنتيم. إليكم قصة هذا الرجل الذي بدأ حياته من سوق الخميس بحي صحراوة بسيدي قاسم، قبل أن يصبح ملك الخمور بالمغرب. إذا كانت قنينات بيرة "فلاك سبيسيال" الشهيرة تنتجها شركة "براسري دي ماروك"، التي كانت تابعة ذات يوم للهوليدانغ الملكي "أونا"، وكان يديرها في حينه شكيب بنموسى قبل أن يصبح وزيرا للداخلية، ويعفى فيما بعد من منصبه، وقبل أن تبيع "أونا" فرعها هذا ب7,1 مليار درهم سنة 2003، فإن زجاجات قنينات أرقى أنواع الخمر التي توزع في الخمارات والفنادق والعلب الليلية الراقية ذات الخمسة نجوم، هي من صنع شركة واحدة تسمى "سيليي دو مكناس"، التابعة لمجموعة "ديانا هوليدينغ" لصاحبها إبراهيم زنبير، الذي بدأ حياته من الصفر في سوق الخميس بسيدي قاسم، ليصبح اليوم أكبر ساقي للخمر بالمغرب بمعدل 35 مليون قنينة في السنة، وهو الرقم الذي جعل المغرب أكبر منتج للخمور في العالم العربي والإسلامي. والأكيد أن المغاربة من الطبقة الكادحة الذين يعشقون قنينات "الروج" الرخيصة، لا يعرفون أنه بفضل هذا المنتوج، أسس إبراهيم زنيبر ثروته بعدما كان رجلا مفلسا في بداية الخمسينات من القرن الماضي، حيث كان يساعد والده الطاهر زنيبر في بيع الحبوب والصوف في سوق الخميس بسيدي قاسم، بعدما انتقلت عائلة زنيبر إلى هذه المدينة قادمة إليها من مدينة سلا بعد سوء أحوالهم المعيشية هناك. وفي سنة 1956 اشترى إبراهيم زنيبر 740 هكتارا من الأرض من أحد الفرنسيين ليصبح اليوم مالكا ل 2500 هكتارا من الأراضي منها ما يزيد عن 2100 هكتار مخصصة للكروم التي تحول إلى أنواع عديدة من الخمور تدر ربحا صافيا لإبراهيم زنيبر يقدر ب 225 مليار سنتيم كل سنة. تغطي منتوجات إبراهيم زنيبر الذي يقطن اليوم بمدينة مكناس وسط احد مزارعه الكبرى على أطراف المدينة، ما يقارب 85 في المائة من سوق إنتاج الخمور بالمغرب، كما أنه يصدر مليوني زجاجة خمر إلى كل من أوروبا وأمريكا. كل هذه الأرقام، خصوصا التي تبين الاستهلاك الداخلي، تؤكد بالملموس حجم مبيعات شركة "سيلي دو مكناس" التي تنتج "الروج المغربي" والعديد من أنواع الخمور الأخرى التي تباع للمغاربة، مع أن القانون المغربي واضح في هذا الباب، وكل محاكم المملكة تجرم وتعاقب على استهلاك الخمور والتعاطي لها تبعا لقانون 1967. لكن مع هذا، فالدولة تغض الطرف على تحيين هذا القانون، وتشديده في بيع الخمور للمغاربة بسبب عائدات الضرائب الكبيرة التي تحصل عليها من شركات إنتاج الخمور. ويكفي أن نعرف انه سنة 2006 فقط حصلت الدولة على ما مجموعه 723 مليون درهم كعائدات ضرائب على الاستهلاك الداخلي للخمور، لنعرف لما تزيد ثروة إبراهيم زنيبر في صمت ودون أن يزعجه أي أحد على بيعه هذه الخمور للمغاربة. يستيقظ ابراهيم زنيبر باكرا كل يوم ليواظب على رياضية المشي و"اليوغا"، وسط حقوله المترامية بمزرعته بمكناس دون أن تختفي من ذاكرته أيام صباه. يقول ابراهيم زنيبر عائدا بذاكرته إلى أيامه الأولى بسيدي قاسم: "كان أبي الطاهر زنيبر تاجر الحبوب والصوف، ومازالت أتذكر أنه في تلك المرحلة من التاريخ كان هناك سوق أسبوعي يقام كل خميس في سيدي قاسم، وكان علي زيارة الوالد بهذا السوق لمساعدته في التجارة". وفي تقريرها عن انتاج الخمور بالمغرب العربي قبل أسابيع، ذكرت جريدة "لمونود" الفرنسية أن الانتاج الكبير الذي عرفه المغرب يعود بالأساس لابراهيم زنيبر. اليومية الفرنسية تحدثت عن مكالمة أجراها الحسن الثاني مع ابراهيم زنيبر خاطبه فيها قائلا: "لقد نسيتك يا إبراهيم، سأعطيك 1100 هكتار من الكروم، ولن تكون بحاجة إلى البحث عن شركاء من المؤسسة العمومية". ويعتقد البعض أنه منذ مكالمة الحسن الثاني، أصبح ابراهيم زنيبر ملك الخمور بامتياز في المغرب. فمن أصل 55 مليون قنينة ينتجها المغرب سنويا، يساهم ابراهيم زنيبر في انتاج 30 مليون قنينة مستغلا 2500 هكتار من الكروم بضواحي مدينة مكناس. لاستمرار امبراطورية ابراهيم زنيبر في تربعها على عرش الخمور بالمغرب، يهيئ ابراهيم زنيبر ابنه "ليث" لخلافته، بعدما درس في الولاياتالمتحدةالأمريكية وتلقى تدريبا ونشأ مقاولة في الصين، لقنه عاد إلأى المغرب بعد إلحاح والده على تقلد مهماه الجديدة بتسيير امبراطورية الخمور بالمغرب المسماة "ديانا هوليدينغ". [email protected]