خرج من بيته قاصدا مسجد الحي لأداء صلاة الظهر، وما إن انحنى ليخلع نعليه عند باب المسجد حتى فوجئ بيد تربت على ظهره، وقبل أن يرفع رأسه ليتبين ملامح الشخص المجهول الواقف جنبه، بادره الأخير، الذي كان برفقة شخص آخر، بدعوته إلى مرافقته قائلا: "سي عبد اللطيف.. يالله معانا.."، ثم ساقاه نحو سيارة بيضاء كانت مركونة قبالة المسجد، قبل أن ينطلقا به نحو وجهة مجهولة.. هكذا يحكي أحد الشهود الذين حضروا واقعة اختطاف المواطن عبد اللطيف أحضيف ظهر الأحد 17 أكتوبر الجاري، من درب مولاي الشريف الحي المحمدي بالدار البيضاء. وتحكي عائشة الفال، زوجة المختطف، بمرارة وحزن شديدين، كيف اعتقدت في اليوم الأول من اختفاء زوجها (فقيه، 56 سنة) أنه رافق شخصا في حاجة إلى رقية شرعية وسرعان ما سيعود، غير أن الشاهد، وهو أحد أبناء الجيران، أكد لها أن مختطفي زوجها عنصران أمنيان بزي مدني، حيث أخبرها أنه حاول استفسارهما عن سبب الاختطاف غير أن أحدهما نهره بشدة وهدده باعتقاله إذا لم ينصرف. وقالت عائشة في اتصال مع "أخبار اليوم" إنها تنقلت طيلة الأسبوع الماضي بين مختلف مصالح الأمن ومراكز الاعتقال والمحاكم بالدار البيضاء في محاولة منها لاقتفاء أثر زوجها، لكن محاولاتها لم تسفر عن أية نتيجة، عدا عن كونها قدمت تصريحا إلى الشرطة باختفائه وشكاية إلى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء. وعبرت المتحدثة عن استغرابها للطريقة التي اختطف بها زوجها الذي تؤكد أنه بريء من أية تهمة ولم يسبق له أن أدين في قضية من القضايا، وقالت: "كيف يعقل أن يختطف بهذا الشكل ودون إبلاغنا عن مكانه؟". كما عبرت عن تخوفها من تدهور صحة والد أبنائها الثلاثة، الذي يعاني حسبها من قصور في إحدى كليتيه، حيث قالت "إنه كان في حالة سيئة يوم اعتقاله وستزداد حالته الصحية تدهورا اليوم لعدم أخذه الدواء". وبمدينة فاس، عاشت عائلة أخرى نفس آلام الحرقة جراء اختطاف أحد أبنائها بنفس الطريقة يوم الرابع من أكتوبر الحالي، ويتعلق الأمر بالشاب كمال منجم (23 سنة). "كان في طريق عودته ليلا إلى البيت فاعترض سبيله 3 عناصر أمن بزي مدني وأخذوه معهم.."، يقول عبد اللطيف أخ المختطف كمال، مؤكدا أن العناصر عادت في اليوم الموالي مصحوبة بالمختطف، الذي كان يعمل في ورشة للألومنيوم، إلى بيته الذي تم تفتيشه، قبل أن يأخذوه ثانية ومعه عدة كتب دينية قاموا بحجزها من المنزل. وقال المتحدث في اتصال مع "أخبار اليوم" إننا لا نعرف التهمة التي تم بها اختطاف كمال ولا مكان تواجده الآن، مؤكدا أنهم لا يتلقون أية أجوبة عن أسئلتهم لدى استفسارهم لدى المسؤولين بولاية أمن فاس. وكان منتدى الكرامة لحقوق الإنسان قد بعث برسالة إلى كل من وزيري الداخلية والعدل والمدير العام للأمن الوطني، يسائلهم فيها عن مصير المختطفين عبد اللطيف أحضيف وكمال منجم. وطالب المنتدى في نفس الرسالة ب"فتح تحقيق في الظروف التي تم فيها اختطافهما، مع تحديد المسؤولين عن ذلك ومعاقبتهم طبقا للقانون"، مؤكدا على ضرورة "وضع حد لكل التجاوزات التي تمس بحقوق الإنسان". كما سبق للمكتب الوطني للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن وجه عدة رسائل إلى المسؤولين الثلاثة بخصوص حالتي اختطاف تعرض لها مواطنان من مدينة الناظور، ويتعلق الأمر بمحمد بوتشباك الذي اختطف يوم 21 شتنبر المنصرم والمواطن أحمد براني الذي تعرض للاختطاف يوم الخامس من شهر أكتوبر الجاري، حيث طالبت الجمعية بالكشف عن مصير المواطنين المذكورين ومحاسبة المسؤولين عن اختطافهما. وفي تعليق له على عودة الاختطافات والاعتقالات السرية إلى المغرب، قال مصطفى الرميد، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، "إن الاختطافات لم تتوقف بالمغرب في يوم من الأيام، بل ظلت مستمرة منذ سنوات، إنما وتيرتها هي التي تخف أحيانا وتشتد أحايين أخرى". واعتبر الرميد في تصريح ل"أخبار اليوم" أن الاختطاف يعد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مؤكدا على أنها "ممارسة إجرامية لا تمثل دولة الحق والقانون". وحمل الرميد مسؤولية استمرار هذه الانتهاكات، التي تتنافى حسبه بشكل مطلق مع توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، إلى المسؤولين والإدارة السياسية التي من واجبها الحفاظ على سلامة وأمن المواطنين. يشار إلى أنه في كل مرة تتصاعد فيه وثيرة الاختطافات بالمغرب، يعقب ذلك إعلان عن تفكيك خلايا "إرهابية". وحاولت "أخبار اليوم" الاتصال بالناطق الرسمي باسم الحكومة لأخذ وجهة نظره في الموضوع، غير أن هاتفه كان ظهر أمس خارج التغطية. جدير بالذكر أن 5 هيئات حقوقية، وهي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف والعصبة المغربية لحقوق الإنسان وجمعية عدالة، تعتزم تنظيم وقفة رمزية تخليدا لليوم الوطني للمختطف، وذلك مساء الجمعة المقبلة أمام محطة القطار بمدينة الرباط.