أهناك فرق بين الصلاة مع الوزير والصلاة من دون الوزير؟ ربما! أإذا صلى الوزير معنا نحن معشر العوام تتغير صلاتنا لتصبح صلاة من النوع الرفيع لمشاركة معالي الوزير في القيام لله والركوع له والسجود؟ ولماذا تتغير الصلاة مع أن الذي تتوجه له القلوب والأبدان هو هو سواء حضر الوزير الصلاة أم تركها أم أخرجها عن وقتها ودخل في دائرة الذين قصدتهم الآية الكريمة عندما توعدت فقالت (فويل للمصلين الذين هم صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون). تعلمنا من كتاب ربنا وسنة نبينا أن الصلاة خروج مؤقت من الدنيا وعروج نحو الله بتلاوات وحركات وأذكار يحضر فيها القلب ناظرا في ضعف نفسه وقوة ربه وهبوط ذاته وعلو الذات الإلهية والحاجة الشديدة إليها. فهي نسيان وتذكر: نسيان للدنيا وتذكر لليوم الآخر. وهي مساواة وتواضع: مساواة بين جميع الواقفين بين يدي المولى بغض النظر عن صورهم وملابسهم وجيوبهم لأن نبي الله عليه الصلاة والسلام أخبر بذلك في الحديث المتفق عليه فقال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). والصلاة تعلم الواقفين أمام ربهم أن ينسوا الموازين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة في مجتمعاتهم وأن يخضعوا أنفسهم لميزان التقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). منذ أيام قليلة صليت المغرب في مسجد السنة بالعاصمة الرباط. المسجد الفسيح الجميل البديع الذي يقصده كثير من علية القوم ووجهاء المدينة. وصلاة المغرب في هذا المسجد استرواح وتعبد. وما أن جلست حتى سمعت الناس يتهامسون عن حضور الوزير للصلاة. وأشار صاحبي بالجنب إلى معالي الوزير لينبهني إلى وجوده ومكانه، فانتبهت... رأيته جالسا في الصف الأمامي مركزا نظره جهة القبلة لا يلتفت ذات اليمين ولا ذات الشمال. رجحت أنه غارق في الذكر قريب من الفناء يستعد للإحرام ومغادرة الواقع والاغتسال من احتراق ما بعد العصر. أوشك الترجيح أن يصير يقينا عندما تذكرت أنه وزير يحمل أوزاره وأوزارا مع أوزاره. مسكين والله! كان الله في عونه ووضع عنه وزره حتى لا ينقض ظهره وينحني من ثقل الأوهاق الأوراق. ثم أقيمت الصلاة فقمنا لها وفيها سمعنا وقرأنا وركعنا وسجدنا وذكرنا ودعونا إلى أن خرجنا من الصلاة بالتسليم الأخير. ولما هم الوزير بالانصراف باغته أحد المصلين يريد السلام عليه قائلا له السلام على السيد الوزير. نظر إليه الوزير رافعا يده اليمنى ممسكا باليسرى حذاءه الأسود البسيط وقال: هداك الله يا أخي، أنا هنا لست وزيرا. إني تركت الوزير في الوزارة يا هذا،أنا الآن مسلم مثلك نسجد ونركع لله. نحن في المسجد يا أخي ،إذا أردت الوزير فما عليك إلا أن تبحث عنه في الوزارة. ثم انصرف الرجل كالسهم قاصدا باب المسجد لا يلوي على أحد يريد الخروج على عجل. وبقي الآخر في مكانه يغالب الدهشة ونظرات الناس الأقربين منه. تداول الناس الخبر في ما بينهم وقالوا هذا والله هو الرجل، وهكذا يكون الوزيرو إلا فلا. ما الوزير سوى عبد من عباد الله لا يضر ولا ينفع، ولقد أحكم القول عندما فرق بين الجوهر والمظهر. من المؤكد أن الذين شهدوا هذه الحادثة البسيطة سيذكرون تلك الصلاة قائلين: ذلك يوم صلينا مع الوزير. ولقد صدقوا وبالحق نطقوا: إنهم صلوا مع الوزير لكن الوزير لم يصل معهم، إنما صلى معهم عبد من عباد الله أتقن العبارة وتذوق الإشارة وتسامى فوق الوزارة. ولا شك أن ذلك من أثر تدبره في كتاب بحر الدموع.