نزل صباح اليوم حقوقيون ينتمون إلى عدد من المنظمات والجمعيات والهيئات الحقوقية إلى الشارع، وخاضوا مسيرة احتجاجية انطلقتْ من ساحة باب الحدّ في اتجاه مقرّ البرلمان بالعاصمة الرباط، رفعوا خلالها جملة من المطالب إلى السلطات، كان على رأسها مطلبُ تنفيذ ما تبقى من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، ووضع حدّ للمضايقات التي تتعرضّ لها الحركة الحقوقية. وتصدّرت الوقفةَ الاحتجاجية التي دعتْ إليها هيأة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي تضمّ العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف وجمعية عدالة والهيئة المغربية لحقوق الإنسان ومنتدى بدائل المغرب (تصدرتها) لافتة تحمل مطالبَ رئيسة ثلاثةً، تتعلق بعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وحماية الحقّ في التنظيم والتعبير. وصدحتْ حناجر الحقوقيين المشاركين في المسيرة الاحتجاجية بشعارات طالبوا من خلالها بكشف الحقيقة كاملة حول مصير المختطفين ومجهولي المصير، ووضع حدّ لكافة أشكال التضييق على الجمعيات الحقوقية، وإخضاع الأجهزة الأمنية للمراقبة، ووضع حدّ للتعذيب، كما طالبوا الدولة بالاعتذار عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ورفعوا شعار "هادا صوت الضحايا الاعتذار يجي دبا". ومن جُملة المطالب التي رفعها المحتجّون مطالبة وزير الداخلية محمد حصاد بالاعتذار عن التصريحات التي سبق أن أدلى بها في البرمان، والتي اتهم فيها جمعيات حقوقية بخدمة أجندات أجنبية، وهي التصريحات التي اعتبرها المحتجون "تصريحات مخزنية لا تستند على أيّ أساس". منسّقة الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان خديجة الرياضي، قالتْ إنّ الحركة الحقوقية وحركة 20 فبراير، "تتعرض لحملة انتقامية وتصعيدية، خصوصا في الثلاثة أشهر الأخيرة"، وأضافت أنّ جميع أنشطة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان "أصبحتْ تمنع بشكل تامّ وكامل". وأضافت الرياضي في تصريح لهسبريس أنّ الدولة ليست لها إرادة سياسية لحماية حقوق الإنسان والحريات، موضحة "عندما كان هناك ضغط على الدولة تراجعتْ قليلا وعندما خفّ الضغط عادت للتضييق على العمل الحقوقي، وهذا دليل على أنّ الدولة قمعية واستبدادية". الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان اعتبرت أنّ الدستور الجديد، والالتزامات الدولية التي وقع عليها المغرب، لم تفرض عليه تغيير سياساته، محمّلة المسؤولية للحكومة، التي قالت إنها قبلتْ تنفيذ سياسة المخزن المستبدّ، "وبالتالي فهي مسؤولة عمّا يقع من تردٍّ على مستوى الحريات والحقوق"، تقول الرياضي. وتأتي المسيرة الوطنية لهيأة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على بُعد أيام قلائل من احتضان مدينة مراكش للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، والذي هدّد عدد من الجمعيات الحقوقية بمقاطعته بعد المنع الذي طالَ أنشطة عدد من الهيئات الحقوقية، خلال الآونة الأخيرة. وقال محمد الزهاري، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان في هذا الصدد إنّ من ضمن الرسائل التي تحملها المسيرة إلى الدولة أنّها إذا أرادت تنظيم المنتدى العالمي لحقوق الإنسان في جو مسؤول، فعليها أن تقدم الضمانات الأساسية لتنقية الأجواء، وتمكين الجمعيات الحقوقية في حقها في تنظيم أنشطتها، وإطلاق سراح معتقلي الرأي، خاصة معتقلي حركة 20 فبراير وبخصوص تأخّر الدولة في تنفيذ ما تبقّى من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، عزا الزهاري، في تصريح لهسبريس، ذلك لغياب إرادة سياسية حقيقة لتنفيذ توصيات الهيأة، قائلا إنّ تنفيذها سيضمن على الأقل الحدود الدنيا لإقامة أسس دولة الحق والقانون، "والدولة ليست لها إيّ إرادة لبلوغ هذا الهدف، وما تقوم به من ممارسات في حق الجمعيات الحقوقية يؤكّد ذلك"، يقول المتحدث. من جهته قال محمد العوني، رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير (حاتم)، إنّ هناك تراجعا في مجال الحريات عامّة، وحرية التعبير على وجه الخصوص، مشيرا إلى منْع ندوة تكوينية لمركز ابن رشد صباح يوم أمس السبت كان مقررا أن تحتضنها إحدى المؤسسات الفندقية بالرباط، ليضطر المنظمون إلى تنظيمها بمقر العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهو المنع الذي وصفه رئيس المركز المعطي منجب، خلال كلمة مقتضبة له في افتتاح الندوة ب"التصرف الأرعن لوالي الرباط". وقال العوني في تصريح لهسبريس إنّ المسّ بحق تنظيم الأنشطة من طرف الهيئات والجمعيات الحقوقية هو اعتداء على حرية التعبير، وأضاف "المسؤولون المغاربة، للأسف، لم يرتقوا إلى مستوى اللحظات التي جاءت بعد الربيع الديمقراطي الذي شهده العالم العربي، واحتجاجات حركة 20 فبراير". وشدّد العوني على أنّ الاستهانة بالعمل الجماهيري الذي قاده الشباب إبّان احتجاجات حركة 20 فبراير، والذي كان وسيلة لتجاوز الاحتقان الاجتماعي، تصرّف خاطئ، "لكون التعبيرات السلمية التي لجأ إليها المغاربة هي في خدمة الدولة، كونُها تجعلها تتفادى الاحتقان، الذي يؤدي إلى تعبيرات عنيفة في حال إذا لم يُسَرّب بشكل سلمي"، وأضاف "محاولة الرجوع إلى ما قبل 20 فبراير محاولة معاسكة لمجرى التاريخ". وإلى جانب الحقوقيين، حضرَ أعضاء من تنسيقية الدفاع عن المعتقلين الإسلاميين خلال المسيرة الاحتجاجية، والذين سبق لهم أن خاضوا وقفة احتجاجٍ أمام مقرّ حزب العدالة والتنمية يوم الجمعة الماضية؛ ورفع أعضاء التنسيقية خلال المسيرة لافتة طالبوا من خلالها بالحرية للمعتقليم الإسلاميين.