الزوجة الخائنة، النّكدية، الطماعة، العاملة الكسولة، الفتاة العانس التي تلهث خلف الزواج، المتحجبة المتبرجة، الطالبة المتاجرة بجسدها، العاطلة منعدمة الكفاءة وصاحبة المؤهلات الجسدية...صورة قاتمة مُجحفة تلك التي تتكرر في رسوم الكاريكاتير المغربية. وإذا كانت السياسة تفرق بين رسامي الكاريكاتير فإن رسومهم فيما يتعلق بالمرأة تتشابه حد التطابق. فهل تعكس هذه الرسوم نظرة الرجل للمرأة؟ أم أنها تعكس ثقافة مجتمع برمته؟. ولماذا تغيب المرأة عن فن الريشة الذكية رغم حضورها البارز في مجالات أخرى؟. أسئلة وأخرى طرحناها على ثلة من نجوم الكاريكاتير في المغرب. بناجي: فن الكاريكاتير لا يتحمل الكذب يعتقد ناجي بناجي -رسام كاريكاتير بيومية الخبر- أن "الرسام أولا هو ابن بيئته ومجمل أفكاره ومواضيعه يلتقطها من المشاهد التي يعيشها داخل هذه البيئة الحاضنة. فالمجتمع يجسد المرأة كمتسلطة ومفلسة أخلاقيا، وهناك أمثلة وأدلة كثيرة داخل الموروث الثقافي لمجتمعنا كصفة المرأة الأفعى وغيرها. ونجد هذه الصفات في قصص وخرافات وأمثلة شعبية تربّينا على سماعها داخل أسرنا وأحيائنا. كما لم يسلم حتى التلفزيون المغربي من هذا التجسيد حيث وصف المرأة ب"الدويبة" و تعني المرأة ذات الذكاء الثاقب الشيطاني في سلسلة "الدويبة" و"رمانة وبرطال... ". ويؤكد بناجي على أن "اللاشعور حاضر عند الرسام كما عند غيره من الفنانين لأنه يتغذى من هذه الذاكرة الشعبية التي هي خزان عدة قرون من التاريخ الاجتماعي المغربي الذي لا يمكننا الانسلاخ منه أو التخلي عنه أو تغييره بنماذج خارج ثقافتنا. وأضاف "لا يمكن لنا أن نجسد لهم المرأة اليابانية في مواضيع مغربية، فالقارئ المغربي ذكي ولا يمكنك الكذب عليه وخاصة في الكاريكاتير الذي لا يتحمل الكذب. وهذا ليسا ظلما في حق المرأة بل هذه ثقافتنا ونحن نعتز بها، والمهم هو أن نحاول تغيير هذا الشكل النمطي الملتصق بالمرأة من خلال أعمالنا الكاريكاتورية كما هو الحال بالنسبة لي حيث أحاول دائما وخاصة في مجلة العائلة "لالّة فاطمة" أن أعطي للمرأة المكانة الخاصة بها، فأقوم بإزالة الشوائب العالقة بهذا الموروث مع الحفاظ على ثقافة المرأة داخل المجتمع." الوطني: الكاريكاتيري ليست مهمّته إضحاك المتلّقي ومن جهته صرح توفيق الوطني-رسام كاريكاتير ورئيس تحرير مجلة "بيه فيه" الإلكترونية- " "إذا أردنا الحديث عن كيفية تناول فن الكاريكاتير في المغرب للموضوعات التي لها علاقة بالمرأة، فإن لكل فنان زاويته التي ينظر من خلالها إلى المرأة وقضاياها، وقد تكون زاوية النظر هذه محكومة بمرجعية الفنان الفكرية أو السياسية أو الإيديولوجية، فطريقة تناول الرسام ذو التوجه الحداثي للمرأة تختلف كُلِّياً عن طريقة الرسام المحافظ مثلاً". ويرى الوطني أن رسّامي الكاريكاتير (بمختلف توجهاتهم) لم ينجحوا بعد في تسليط الضوء على العديد من المشاكل التي تعاني منها المرأة، بل على العكس من ذلك، فلقد ساهموا أحياناً في تكريس نظرة المجتمع إلى المرأة باعتبارها مجرد مصدر نكد لزوج، ولا همّ لها سوى إثقال كاهله بالطلبات الاستهلاكية (عيد الأضحى كمثال). ويتساءل ذات الرسام "صحيح أننا نرسم عن العنف ضد المرأة والتحرش والاغتصاب واستغلال الخادمات...، لكن أين نحن من المرأة التي تُغتصب باسم "الدين" والعادات والتقاليد، ويُحكم عليها بالعيش في كنف رجل لم تختره بإرادتها؟ وأين نحن من المرأة المطلّقة ومعاناتها في المجتمع، و"العانس" والمرأة العجوز المهملة في دار العجزة، والفتيات المشرّدات، والأمهات العازبات، والنساء اللواتي رمت بهن ظروفهن السيئة إلى أرصفة ودور الدعارة؟." وعن رسوماته التي تناول فيها قضية المرأة يعتز الوطني برسمه الأول الذي كانت المرأة حاضرة فيه غير أنه لا ينكر شعوره بالتقصير وانخراطه في تكريس نظرة المجتمع النمطية إلى المرأة. ويضيف "إننا كرسامي كاريكاتير ليست مهمّتنا فقط نقل الواقع بشكل ساخر، بل علينا لإيصال رسالتنا أن نكون أكثر عمقاً وشجاعة في تحليل هذه الواقع وانتقاده بشكل لاذع وصادم، فالعمل الكاريكاتيري ليست مهمّته إضحاك المتلّقي، بل دوره هو المساهمة في إيقاظه وفتح أعينه على الاختلالات التي يعرفها المجتمع سواء سياسيا أو اجتماعيا أو ثقافيا، فحين نرسم حول موضوع أو قضية ما فيفترض بنا أن نطلب من المتلقي أن يتخذ موقفا من ذلك الموضوع أو تلك القضية، لا أن نرسم له نكتاً تساعد على تكريس صور وأحكام نمطية جامدة فرضتها أمراض المجتمع واختلالاته." الشعوبي: أعبر عن ظاهرة متفشية لا يمكن لأحد أن ينكرها يتفق الكاريكاتوريون المغاربة في نظرتهم السلبية تجاه المرأة في ما يتعلق بثقافتها ومؤهلاتها العلمية، ويبدو ذلك جليا في رسومات الكاريكاتير التي تتناول بحث المرأة عن العمل مثلا. إذ تظهر في رسوماتهم وهي تعرض مفاتن جسدها عوض كفاءتها. وإن كان الموضوع مستهلكا فإن تناوله في كل وقت يأتي باهتمام كبير مابين إعجاب وسخط على هذه الصورة النمطية التي يروج لها أصحاب الريشة الذكية. "الشعوبي العوني" هو واحد من الرسامين الذين تناولوا موضوع عمل المرأة برسم أثار حفيظة متابعاته من النساء وجلب عليه انتقادات لاذعة. ويعلق الشعوبي بهذا الخصوص بقوله "من وجهة نظري بما أننا مجتمع ذكوري بامتياز فالثقافة التي تربينا عليها والمعتقدات هي التي تساهم في هذه النظرة الدونية للمرأة، ثم إن الرجال احتكروا فن الكاريكاتير بسبب عجز النساء عن دخوله. صحيح أن هناك ظلم ولكنني أنقل الواقع كما هو وكما أراه. " وعن الانتقادات الحادة التي وُجّهت له يقول "من حقهم أن ينتقدوني فأنا أومن بالرأي الآخر ولكل واحد منّا الحق في الدّفاع عن وجهة نظره. وأنا في رسومي لا أقصد كل النساء. أنا أرسم والجمهور هو الذي عليه أن يحكم، ورسمي هذا عبرت فيه عن ظاهرة متفشية لا يمكن لأحد أن ينكرها." الهور: رؤساء التحرير يفضلون الريشة الذكورية إذا كانت المرأة المغربية قد تمكنت من اختراق مختلف أشكال العمل الصحفي وأثبتت كفاءتها في مجالات عدة فإن فن الريشة الذكية بقي عصيا على الأيادي الناعمة. "رهام الهور" المرأة المغربية الأولى والوحيدة التي استطاعت أن تكسر جدران الكاريكاتير وتثبت كفاءتها في ميدان ملغوم بالحسابات الذكورية. وترى رهام الهور - رسامة كاريكاتير في جريدة "رسالة الأمة"- أن النظرة الدونية للمرأة في رسوم الكاريكاتير تدل على قصر النظر، وتعكس ثقافة المجتمع بصفة عامة وثقافة الرجل بصفة خاصة. وكانت رهام الهور في فبراير 2013 قد مثّلت المغرب في الملتقى الدولي لرسامي الكاريكاتير المقام بمدينة كاركفو الفرنسية والذي ضم 25 رساما من أشهر رسامي الكاريكاتير في العالم، وعرف الملتقى حضورا جماهيريا كثيفا وصل إلى أزيد من 7000 زائر، من مهتمين وباحثين في مجال الكاريكاتير. وتوجت الهور هذه المشاركة بفوزها بالميدالية البرونزية. وجدير بالذكر أن الهور عملت بشغف على تكريم المرأة في مسارها الإبداعي وأقامت معارض فنية لهذه الغاية وكان آخرها احتفاء بيوم عيد المرأة سنة 2013، تحت شعار: "المرأة المغربية: حضور وتألق". وعن غياب العنصر النسوي في فن الكاريكاتير تقول الهور "رؤساء التحرير يفضلون كثيرا بل وغالبا الريشة الذُّكورية فلا بد من بذل مجهود مضاعف لإثبات ريشتك كامرأة قادرة على اقتحام هذا المجال بجدارة." تفسير آخر يطرحه "الوطني" لغياب المرأة عن فن الكاريكاتير فهو يعتقد أن حضور المرأة في فن الكاريكاتير يبقى ضعيفاً جداً والسبب في رأيه لا يعود إلى اعتبارات تهم فن الكاريكاتير في حد ذاته بقدر ما يعود إلى بنية المجتمع وواقع المرأة الذي يبدو وردياً في الخطابات الرسمية، وسوداويا في أرض الواقع. ويرى الوطني أن "حضور المرأة في جميع المجالات كان إلى وقت قريب ضعيفاً جداً، بل منعدماً أحياناً، مقارنة بالرجل، وحتى بالنسبة للمجال الإبداعي، فالجميع يتذكّر بدايات المسرح المغربي حين كان الرجل هو من يقوم بأداء دور المرأة على الركح بسبب رفض المجتمع رؤية المرأة في فضاءات خارج فضاء البيت والمطبخ، وإن تغيّرت الأمور الآن بالنسبة للعديد من المجالات الفنّية التي اقتحمتها المرأة وفرضت نفسها فيها بقوة، فإن بعض الألوان الإبداعية لا تزال عصيّة عليها، وعلى رأسها الكاريكاتير. ويضيف "هنا أسجل بأن حضور المرأة الضعيف لا يقتصر على فن الكاريكاتير فقط، بل يشمل باقي الألوان الإبداعية الساخرة، كالكتابة الساخرة والكوميديا، رغم أن المرأة المغربية في نظري تملك حسا عاليا من السخرية، ويتجلى ذلك في حدة ملاحظاتها الساخرة، ولغة خطابها وطريقة انتقادها للآخرين في محيطها الأسري والاجتماعي. صراحة أعجز عن تفسير هذه المفارقة." ويقول ذات الرسام "مفارقة أخرى أجدني عاجزاً عن فهمها أو تفسيرها هي أن المرأة استطاعت اقتحام فن الكاريكاتير في مجتمعات عربية تعتبر أكثر انغلاقاً ومحافظة من المجتمع المغربي، في حين نجد المرأة المغربية بعيدة جدا عن هذا الفن. قد يكون سبب ذلك هو جِدّة الكاريكاتير في المغرب مقارنة بدول عربية أخرى، فوجود هذا الفن في بلادنا لم يتجاوز خمسة عقود أو ستة، في حين نجد أن بعض البلدان العربية تواجد فيها الكاريكاتير منذ قرن أو يزيد، وذلك راجع لظروف تاريخية وسياسية وجغرافية أيضاً. كل هذا لا يبرر غياب المرأة كممارسة لفن الكاريكاتير، ولا أعتقد بأن هذا الفن وُجد ليبقى ذكورياً فقط."