يقضي عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية، ووزراءه منذ نحو أسبوعين، إجازاتهم السنوية قبل العودة لرفع التحديات التي تنتظرهم بمناسبة الدخول السياسي الجديد، الذي يبدأ عادة في البلاد مطلع سبتمر القادم قبل أن يفتتح العاهل المغربي الملك محمد السادس السنة التشريعية للبرلمان في الجمعة الثانية من أكتوبر المقبل. وتنتظر حكومة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رهانات هامة يتعين عليها كسبها في أقرب وقت، خصوصا أن معظم هذه الرهانات إصلاحات هيكلية وعد بنكيران نفسه أن يكون 2014 عام الحسم فيها، مثل إصلاح نظام دعم المواد الأساسية وأنظمة التقاعد، إضافة إلى إقرار ميزانية عامة للدولة تدعم تنافسية الاقتصاد المحلي ونموه في وقت لم يزل فيه الاتحاد الأوربي، الشريك الرئيسي للرباط، يعاني من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. وبمجرد عودته من الإجازة السنوية، سيجد بنكيران نفسه أمام محك حقيقي يتمثل في وضع الترتيبات الأخيرة على مشروع الميزانية العامة للدولة للعام 2015، علما بأن أبرز محاورها تحدد في ضبط التوازنات العامة للمالية العمومية مع إيلاء اهتمام خاص بضبط عجز الميزانية وتقوية احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، إضافة إلى تطوير جاذبية البلاد للاستثمار الأجنبية المباشرة. وفي حين أكد بنكيران، في منشور وزعه على وزرائه منتصف الشهر الجاري، أن حجم التوظيفات الجديدة سيكون متناسبا مع ضمان الحد الأدنى من الخدمة العمومية لفائدة المواطنين، ركز على ضرورة تحقيق نمو اقتصادي مستديم تكون له انعكاسات إيجابية الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمواطنين. وتأتي هذه الطموحات في وقت يسود فيه تباين بشأن توقعات أداء الاقتصاد المغربي خلال هذا العام، فبينما تتوقع الحكومة نسبة نمو تناهز 4% من الناتج الداخلي الإجمالي، تفيد إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، المؤسسة الرسمية المكلفة بالإحصاء في البلاد، بأن معدل النمو سيكون في حدود 2.5%. ومن المنتظر أن تشرع وزارة الاقتصاد والمالية المغربية في صياغة مشروع الميزانية العامة للدولة اعتبارا من مطلع سبتمبر المقبل على أن يعرض على البرلمان خلال الشهر الموالي لمناقشته والمصادقة عليه قبل نهاية العام الحالي. ومن المتوقع أيضا أن ترفع حكومة بنكيران وتيرة عملها في اتجاه إصلاح نظام دعم المواد الأساسية المعروف محليا باسم "صندوق المقاصة". فبعد أن اعتبره عبئا ثقيلا على الميزانية العامة للدولة إثر تسجيل نفقات قياسية، تعهد بنكيران، منذ أسابيعه الأولى على رأس الحكومة المغربية، بإصلاح هذا النظام. يشار، في هذا الصدد، إلى أن ميزانية صندوق المقاصة ارتفعت من 4 مليارات درهم (486.7 مليون دولار) سنة 2002 إلى 56 مليار درهم (6.8 مليار دولار) سنة 2012، قبل أن تتراجع إلى 46.6 مليار درهم (5.7 مليار دولار) سنة 2013، وهو ما يعادل 5% من الناتج الداخلي الخام، بحسب إحصائيات رسمية. ومن المرتقب أن تترواح ميزانية دعم المواد الأساسية خلال العام الجاري ما بين 32 مليار درهم (3.8 مليار دولار) و35 مليار درهم (4.2 مليار دولار) بفضل إقدام بنكيران على رفع الدعم عن البنزين والوقود الصناعي وشروعه في رفع تدريجي للدعم الموجه للغاز والديزيل في أفق إلغائه بشكل تام بنهاية العام الحالي. وعلى هذا الأساس، سيكون ما تبقى من العام الجاري اختبارا حقيقيا لمدى قدرة بنكيران على الوفاء بوعده بإنجاز هذا الإصلاح قبل حلول عام 2015. ارتباطا بالإصلاحات، ينتظر عبد الإله بنكيران أيضا رهانا يتمثل في إقناع الاتحادات النقابية بخطته لإصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس. وفي إجازته، تلقى بنكيران، قبل أيام، خبرا غير سار، في هذا الإطار، يتمثل في رفض النقابات مقترحه برفع سن الإحالة على التقاعد من 60 عاما إلى 62 عاما. وتفيد إحصائيات رسمية بأن العجز المالي في صناديق التقاعد سيصل في حال عدم القيام بإصلاح سريع إلى 22 مليار درهم ( 2.7 مليار دولار) في سنة 2022، ما سيفرض على الخزينة المغربية ما بين سنتي 2014 (سنة بداية العجز) وسنة 2022 سداد 125 مليار درهم (15.2 مليار دولار) كعجز مالي، علما بأن بنكيران وعد غداة تنصيب حكومته مطلع العام 2012 بإصلاح أنظمة التقاعد. وفي المجال السياسي، سيكون عبد الإله بنكيران مطالبا بكسب رهان يواجهه لأول مرة منذ تعيينه رئيسا للحكومة المغربية يوم 29 نوفمبر 2011، وتنصيب حكومته في 2 يناير 2012. ويتعلق الأمر بمواصلة التحضير للانتخابات البلدية المقبلة المزمع تنظيمها في البلاد منتصف العام المقبل، وهي الانتخابات الأولى من نوعها في عهده هذه الحكومة. وتتمثل أبرز التحديات، في هذا الصدد، في مباشرة المشاورات السياسية مع الأحزاب، أغلبية ومعارضة، بشأن القوانين التي ستؤطر هذه الانتخابات والتهييء اللوجسيتيكي لها، خاصة أنها اختبار حقيقي لمدى قدرة الحكومة الحالية على تنظيم الاستفتاءات الانتخابية، وذلك قبيل قرابة عام من انتهاء ولايتها عام 2016. * وكالة أنباء الأناضول